يستمر حزب العدالة والتنمية المغربي في تصدر الانتخابات في المملكة على مدار ثمانية أعوام مضت، وترجّح استطلاعات الرأي استمراره في الصدارة خلال الانتخابات القادمة، التي ستجرى عام 2021.
أحزاب المعارضة التي أخفقت في منافسة العدالة عبر معركة الانتخابات تخطط لإقصاء الحزب عن سدة الحكم عبر محاولة تعديل المادة 47 من الدستور؛ التي بموجبها يلتزم الملك بتسمية رئيس الحكومة من الحزب المتصدر للانتخابات التشريعية.
وفي حين ترى المعارضة أن هذه الخطوة حماية لمصالح المواطنين من التسابق الانتخابي المحموم، الذي بدأ من وجهة نظرها مبكراً بين بعض مكونات الحكومة، يرى الحزب الحاكم أنها محاولة لوأد الديمقراطية التي تقضي بحكم الأغلبية، والتفاف على إرادة الناخب.
المعارضة تتَّحد
لم تكن المعارضة المغربية على اختلاف أطيافها السياسية في وارد التوحد؛ بسبب اختلاف برامجها وتعدد رؤاها للمشهد السياسي، إلا أن مطلب إقصاء العدالة والتنمية وحد أطيافها وراء هذه الرغبة.
وفي هذا السياق ذكرت صحيفة “الصباح” المغربية أن 20 حزباً سياسياً من المعارضة دخلت في مساعٍ لمطالبة الدولة بتعديل الفصل 47 من الدستور، ومراجعة القوانين الانتخابية.
وأضافت أن هذه الأحزاب عقدت اجتماعات لمكاتبها السياسية وقررت خوض معركة تعديل الدستور، واقترحت “زيادة فقرة ثانية يُحصر بموجبها موعد تشكيل الحكومة في مدة لا تتجاوز شهراً واحداً من التشاور لإعلان تشكيلها، وفي حال فشل رئيس الحكومة المعيّن يقترح قيادي في الحزب المحتل للرتبة الثانية تشكيل الحكومة”.
وتابعت الصحيفة: “اقترح قادة الأحزاب إضافة فقرة ثالثة إلى الفصل 47 من الدستور تنص على أنه يعين الملك رئيس الحكومة من تكتل الأحزاب التي حصلت على أكبر المقاعد البرلمانية، أو التي شكلت تحالفاً انتخابياً قبل خوض الانتخابات، وعدم حصر ذلك بالحزب الحاصل على الأغلبية”.
اللافت أن حزبين مشاركين في الحكومة إلى جانب حزب العدالة الذي يقودها، شاركا في هذا المطلب؛ هما حزبا “الأحرار” و”الاتحاد الاشتراكي”.
اعتراضات الحلفاء
حزب “التقدم والاشتراكية” المتحالف مع حزب العدالة والتنمية في تشكيل الحكومة أبدى اعتراضه على فكرة تعديل الدستور.
وقال زعيم الحزب، محمد بن عبد الله: إن “مطلب التعديل لا يراعي مصلحة المملكة وتطور العملية السياسية فيها، والهدف منه حزبي مصلحي ضيق يسعى للتصدي لحزب العدالة والتنمية تحديداً”.
وأضاف في حديث مع “الخليج أونلاين”: إن “مصلحة البلاد تستوجب مراجعة الدستور بشكل شمولي وليس فقط الاقتصار على الفصل 47، ومراجعة قوانين الانتخابات لتحسينها وليس لتفصيل قوانين على المقاس لفوز جهات معينة بانتخابات 2021”.
وأشار بن عبد الله إلى “ضرورة تطوير القوى السياسية قدراتها عل تنمية تأثيرها في المجتمع، خصوصاً مع تنامي الحركات الاحتجاجية وما تشهده المنطقة من تغييرات في الجزائر وليبيا والسودان”، داعياً إلى “عقلنة العمل السياسي ومحاربة التهميش”.
كما أوضح أن “تحالف أحزاب؛ العدالة والتنمية، والاستقلال، والتقدم والاشتراكية، والحركة الشعبية، عام 2011، وتشكيل الحكومة الائتلافية كان خطوة تاريخية جريئة تركت أثراً مهماً في الحياة السياسية”.
العدالة يتشبّث بحقه
ويتشبث حزب العدالة والتنمية الحاكم بالمادة 47 من الدستور؛ ليقينٍ لديه بأنه سيتصدر الانتخابات المقبلة، لذلك يرى الحزب أن المساس بهذه المادة استهداف له.
وبهذا الخصوص قالت أمينة ماء العيون، نائبة رئيس البرلمان المغربي، لـ”الخليج أونلاين”: إنّ “هذه الدعوات تستهدف منع الالتقاء بين إرادة الملك وإرادة الشعب المعبَّر عنها في نتائج الانتخابات، وتخلّ بتعزيز المسار الديمقراطي وإشراك المواطنين فيه، الذين ينتظرون أن تتحقق إرادتهم في تعيين رئيس الحكومة من الحزب الذي حاز أغلبية أصوات الناخبين، بحسب منطق تداول السلطة في الديمقراطية”.
وأضافت النائبة عن حزب العدالة والتنمية: إن “المطالبة بتعديل الفصل 47 من الدستور هي عملية رفض لنتائج الانتخابات، وإلقاؤها في سلة المهملات، وشرعنة ذلك بحجج إصلاح الدستور”.
وأكدت ماء العيون أن “حزب العدالة والتنمية، على الرغم من التشويه الذي يطوله من أحزاب المعارضة ومحاولة ضرب منجزاته، ما يزال بإمكانه احتلال الرتبة الأولى في الانتخابات المقبلة، ولذلك يحاولون الاستعداد من الآن لتصفية الحساب معه عبر محاولة تعديل الدستور”.
أصابع إقليمية
واجهت دولة الإمارات ثورات الشباب العربي المطالب بالتغيير في البلاد العربية، منذ عام 2011، والتي أطلق عليها تسمية “الربيع العربي”، عبر الثورات المضادة ومن خلال التدخل في شؤونها المختلفة سياسياً واقتصادياً.
مملكة المغرب لم تكن في منأى عن تدخلات أبوظبي لإفشال الحكومات التي قادها حزب العدالة، بحسب قيادي بارز في الحزب.
وقال القيادي، طالباً عدم الكشف عن هويته، لـ”الخليج أونلاين”: إن “الإمارات ضغطت على المملكة بداية من خلال المماطلة في تقديم المساعدات التي تعهدت بها بعد الربيع العربي، وتعمدت تجميد استثماراتها”.
وأضاف: “ثم أتبعت أبوظبي ذلك بحملة إعلامية كان رأس الحربة فيها الإعلام الإماراتي وضاحي خلفان، نائب مدير شرطة دبي السابق، والذي كتب عام 2016 مهنئاً المغاربة بنهاية (الحكومة الإخوانية)، في إشارة إلى حكومة عبد الإله بن كيران، ونحن ندرك أن الرجل مجرد ساعي بريد يوصل الرسائل السياسية”.
وأشار المصدر إلى أن “الإمارات دست أصابعها في المشهد الإعلامي المغربي واشترت منابر صحفية، وهناك أسماء لامعة كانت لها أقلام ثورية داعمة للربيع العربي، تحولت بشكل كامل بعد إجرائها زيارات إلى الإمارات، وتسلم بعضهم جوائز من مؤسساتها”.
وختم حديثه بالقول: إن “محاولة الالتفاف على مخرجات العملية الديمقراطية من خلال أذرع سياسية هي الفصل الأخير من تدخل أبوظبي في الشأن السياسي المغربي ومحاولة إسقاط حزب العدالة والتنمية”.
يذكر أن رئيس الوزراء المغربي السابق، عبد الإله بن كيران، هاجم دولة الإمارات، في 21 يناير 2019، مبيناً أنها “تتحرش” بالمغرب، في كلمة له أمام عدد من أعضاء حزب العدالة والتنمية المغربي، المحسوب على جماعة الإخوان المسلمين.
وأوضح الأمين العام السابق للحزب أن الإعلام الإماراتي أشاد بالتظاهرات التي خرجت عام 2016 بمدينة الدار البيضاء ضد ما أطلق عليه “أخونة الدولة”، والتي كانت تهدف لإسقاطه من رئاسة الحكومة.
وقال بن كيران: إن “تلفزيون الإمارات طبل لمسيرة ولد زروال وكأنها تخصهم، ومواقفهم معروفة في هذا الأمر”. كما تطرق في هجومه لكل من ضاحي خلفان، ومحمد دحلان، مستشار ولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد.
ولفت إلى أن “الإمارات فيها أشخاص يتحرشون بنا.. خلفان وجه النحس، ودحلان المسخوط، يتحرشون بنا ويتحدثون عنا، ومع ذلك حين يستدعونني لحفلاتهم أذهب رغم أنه كان بإمكاني عدم الذهاب، وإذا سألني الملك كنت سأقول له: راهوم بسلوا (إنهم تمادوا كثيراً)”.
وذكرت صحيفة “أخبار اليوم” المغربية، يوم 22 أبريل 2019، أن العلاقات المغربية الإماراتية تعيش تدهوراً في الآونة الأخيرة؛ بسبب الخلافات حول الطريقة التي ينبغي أن تدار بها بعض الملفات المشتركة، موضحة أن من شأن هذا التطور أن يطرح شكوكاً حول مستقبل هذه العلاقات.
وكان المغرب قد أرسل سابقاً “رسائل مبطنة” تلمح إلى وجود خلافات مع السعودية والإمارات، في نهاية مارس 2019، في أعقاب ما عرفت بـ”أزمة السفراء” التي كادت أن تعصف بالعلاقات بين الرباط وكل من الرياض وأبوظبي.
وقال وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي المغربي ناصر بوريطة حينها، إن السياسة الخارجية هي مسألة سيادة بالنسبة إلى المغرب، وإن التنسيق مع دول الخليج وخاصة السعودية والإمارات يجب أن يكون وفق رغبة من الجانبين.
اضف تعليقا