العدسة – ياسين وجدي:

لم يكن مجرد شعارا، ولكن يبدو أنه تحول لأيقونة دولية تحفز العالم على كسر الهيمنة والظلم ، فـ”العالم أكبر من خمسة” كما قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ، ولابد من إحلال البدائل في وقت قريب.

منتدى ” تي آر تي وورلد” التركي الدولي أعاد للشعار الوهج مجددا مع انعقاده الأربعاء الماضي لمدة يومين بمشاركة رؤساء ومسئولين بارزين، وهو ما يطرح التساؤل مجددا : هل يستطيع العالم تخطي الخمسة الكبار وصنع مشهد جديد؟!”.

شعار ” أردوغان” العالمي!

يتكون مجلس الأمن من 15 عضوا بينهم خمسة أعضاء دائمين ولهم حق النقض (حق الفيتو) وهم :روسيا ، والصين، وفرنسا، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة الأمريكية ، ويعود سبب حصولهم على المقاعد الدائمة لانتصاراتهم التي تحققت في الحرب العالمية الثانية، وعشرة أعضاء غير دائمين تنتخبهم الجمعية العامة لمدة سنتين.

 

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان دشن مقولة “العالم أكبر من خمس”، باعتبارها أكبر اعتراض على “الظلم العالمي”، مؤكدا أنها تحظى بدعم متصاعد، وبشكل أكبر يوما بعد يوم، وأن الهدف من هذا النضال هو إقامة نظام عالمي أكثر عدلا”.

وأكد أردوغان مرارا خلال المؤتمرات والاجتماعات الدولية التي يشارك فيها ضرورة إصلاح الأمم المتحدة وأن مصير العالم أكبر من أن يترك تحت تصرف الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن، قائلا : إن خمس دول فقط داخل الأمم المتحدة قولها معتبر، ومجريات العالم كله تعود لقرار هذه الدول، ولكن ألا توجد وجهات نظر مختلفة عن هذه الدول؟ هل قراراتها تشمل العالم بأسره؟ لابد من إصلاح الأمم المتحدة”.

وأصدر أردوغان كذلك في هذا السياق كتابا يحمل عنوان “العالم أكبر من خمسة” باللغات التركية، والعربية والإنكليزية، ضم خطاباته بين عامي 2014-2016 التي يدعوا فيها إلى إصلاح هيكلية منظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي.

الصدى المستمر والمتصاعد للالتفاف حول الشعار والمضمون ظهر بوضوح في حضور منتدى ” تي آر تي وورلد” التركي الدولي الذى انتهى الخميس 4 أكتوبر ، فقد حظيت قائمة المشاركين في المنتدى أسماء بارزة، مثل الملكة الأردنية رانيا العبد الله، والرئيس الأفغاني السابق حامد كرزاي، ورئيس الوزراء اللبناني الأسبق فؤاد السنيورة، والمديرة العامة السابقة للبنك الدولي مامفيلا رامفيلي، والرئيس الكرواتي السابق إيفو يوسيبوفيتش، ووزير خارجية هولندا ستيف بلوك، ورئيس المنتدى الاقتصادي العالمي بورج براند، والمبعوث الأممي الخاص إلى سوريا ستيفان دي ميستورا، ورئيس الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر فرانشيسكو روكا، وممثلي منظمات فكرية وشخصيات أكاديمية لامعة على مستوى العالم.

رد الفعل وصل إلى القوى الناعمة ، وبرزت نجمة هوليود الأميركية الشهيرة، ليندسي لوهان في الاصطفاف مبكرا في صف أردوغان وشعاره البارز، وأهدته وعقيلته أمينة أردوغان قلادة تحمل شعار “العالم أكبر من خمسة”، ولم يدم الأمر كثيرا حتى صارت مقولة أردوغان الشهيرة “العالم اكبر من خمسة” أغنية لدعم المضطهدين.

ووفق دراسة نشرها المركز العربي للبحوث والدراسات المحسوب على جهات سيادية في مصر تحت عنوان :”العالم أكبر من خمسة: السياسة الخارجية التركية الجديدة وعودة العثمانية” في منتصف العام الجاري ، يمكن فهم سياق الشعار التركي الآن من زواية سياسة خارجية أكثر نشاطًا أو استباقية تهدف إلى خلق تركيا جديدة ونظام إقليمي ودولي جديد، في اتجاه للعودة التركية إلى معالم الإمبراطورية العثمانية من جديد .

الظروف مواتية

ويبدو أن الظروف مواتية للتغيير في دولاب الأمم المتحدة بقيادة تركيا وشعارها مع تكرار دعوات الإصلاح المؤسسي الدولي ، ولكن بحسب مراقبين ، الأمر أبعد من الدعوات، فالواقع العملي يؤكد أن الدول الخمس الكبار أساءت استخدم حق الفيتو وتسترت به للحفاظ على نفسها من الملاحقة رغم جرائمها ، ومن أبرزها ما يحدث في الأراضي السورية من دمار شامل يقف في مواجهة ردعه الفيتو الروسي أحيانا، والفيتو الصيني أحيانا أخرى، فضلا عن الجرائم الصهيونية المستمرة ضد الشعب الفلسطيني والتي يقف الفيتو الأمريكي حائلا أمام إدانتها في مجلس الأمن ، كما أن التناقض واضح في أسلوب التعامل الصارم مع العراق مقابل التعامل المرن مع دولة الاحتلال الصهيوني.

 

والبعض من المحللين  يتحدث كذلك أن فارق التوقيت والمتغيرات لابد أن يحدث التغيير المأمول فما حدث في يناير عام 1946 مع بدء تدشين مجلس الأمن تغير عمليا وجرت بعده أحداث جسام ولم يعد العالم في نهاية عام 2018 ذاك العالم الذي تخيم عليه أجواء الحرب العالمية الثانية ونتائجها خاصة أن حق النقض الذي تتمتع به الدول الخمس لم يتغير منذ أكثر من 70 سنة .

الفشل الذريع يمهد للتغيير وإقصاء الفاشلين الخمس ، وهو ما سجله بوضوح مسئولون دوليون كثيرون ووزراء وآخرهم نائب رئيس الوزراء التركي “نعمان كورتولموش”، الذي شدد على أن منظمة الأمم المتحدة ومجلس أمنها باتا عاجزان عن حل الأزمات الإقليمية والدولية التي تعصف بالمنطقة مؤكدا أن سوريا، وأوكرانيا، وليبيا، واليمن فضحت الجميع ، خاصة الخمس الكبار فالكل بات موجودا في المنطقة : الجيش الروسي، والأمريكي، والصيني.

 

ظرف آخر يعزز فرص التغيير في مجلس الأمن ، وهو الصراع الواضح بين الثلاثي : الولايات المتحدة وروسيا والصين ، فالدولتان الأخيرتان تقفان في صف واحد في مواجهة عقوبات متتالية من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ، ولايبدو في الأفق أي تهدئة بينهم، ما يجعل مجلس الأمن الدولي في حالة عجز قد تفضي إلى تغيير حتمي في وقت لاحق بحسب مراقبين

وفي هذا السياق بدأت في الآونة الأخيرة العديد من المطالبات الدولية وبخاصة من ألمانيا واليابان لإصلاح مجلس الأمن الدولي، حيث تستند معظم هذه المطالب على ضرورة إصلاح المجلس الأكثر أهمية في السياسة العالمية والذي أخذ يتحول وبصورة واضحة إلى أداة تنفيذية للسياسة الخارجية الأميركية.

اقتراحات إصلاحية

العديد من المتخصصين قدموا مجموعة اقتراحات لإصلاح مجلس الأمن تصب في صالح الرواية التركية وشعارها المناهض لاستحواز خمس دول فقط على حق الفيتو ،  تعلق بعضها بآليات تنظيمية على غرار ما قدمه الأمين العام السابق للأمم المتحدة د.بطرس غالي، حينما اقترح إنشاء مراكز إقليمية فرعية لدراسة المشكلات التي تهدد إقليم ما، بالإضافة إلى استخدام وسائل الدبلوماسية الوقائية والاعتماد على اجتماعات مجلس الأمن خارج المقر لإضفاء أجواء أكثر راحة وسلمية، إلى جانب اقتراح خاص بإنشاء وحدات فرض السلام التي ستكون مسلحة بصورة أفضل من القوات المستخدمة لحفظ السلام.

 

وفي السياق ذاته سعت أصوات أخرى تنادي بتغيير النظام الأساسي لمجلس الأمن بحيث يتم توسيع العضوية، عبر ضم أعضاء جدد دائمين إلى مجلس الأمن يكون لهم نفس حقوق الأعضاء الخمسة الحاليين، أو ضم أعضاء جدد دون أن يكون لهم حق الفيتو.

كما يقترح البعض إيجاد فئة عضوية جديدة تحتل موقعا وسطا بين العضوية الدائمة وغير الدائمة، بحيث يتم تبادل المقاعد المخصصة لهذا النوع بين عدد محدود جداً، على سبيل المثال، تحصل قارة إفريقيا على مكانة دائمة في مجلس الأمن من خلال مقعدين أو ثلاثة تتناوب الدول الإفريقية عليها، على أن تنطبق على تلك الدول معايير معينة مثل عدد السكان، الوزن الإقليمي، القدرات العسكرية والاقتصادية، فضلا عن اقتراحات تتعلق بأسلوب التصويت، من خلال إيجاد نظام جديد للتصويت يعتمد على الأغلبية دون منح أية دولة حق الفيتو، وهناك اقتراح آخر أقل حدة، يقضي كحد أدنى بضرورة اعتراض دولتين دائمتين في مجلس الأمن ليصبح الاعتراض حائلاً دون صدور القرار.

 

وفي دراسة حديثة للمركز الديمقراطى العربى  بعنوان “إصلاح مجلس الأمن الدولي : إلى متى التأجيل ؟” فإن هناك العديد من الخيارات لإصلاح المجلس منها صيغة (5+5) ويدور حول إضافة خمسة مقاعد دائمة يخصص اثنان منها لقوى ذات وزن عالمي ، و تخصص الثلاثة الأخرى لقوى إقليمية تمثل القارات الثلاث (أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية) بمعدل مقعد دائم واحد لكل منها تضاف إليها خمسة مقاعد غير دائمة، وصيغة (2+3+1+4): ويتمثل في منح ألمانيا واليابان مقعدين دائمين من دون حق النقض، ومنح ثلاثة مقاعد شبه دائمة تخصص للقارات الثلاث (إفريقيا، آسيا، وأمريكا اللاتينية) ومقعد واحد يخصص لقوة ذات وزن عالمي تختار بالاقتراع العام من جانب الدول الأعضاء، إضافة إلى أربعة مقاعد غير دائمة يتم شغلها بالتناوب وفق النظام المعمول به حاليا.