العدسة – ياسين وجدي:
مشروع جديد يطرحه الأمير خالد بن فرحان آل سعود يحاول البحث فيه عن سعودية جديدة في ظل ظروف متناقضة تحيط بالعاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده المتهور بحسب وصف معارضيه محمد بن سلمان.
“العدسة” يتوقف عند مبادرة” بن فرحان” لإنشاء نظام حكم جديد وسياق ولادة حركته المعارضة وأهدافها وأوزانها داخليا وخارجيا في ظل تشعبات المرحلة المرتبطة بصفقة القرن وتوابع مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي فضلا عن وجود نظام ملكي متجذر.
محاولة جديدة!
وجاءت الحركة التي يطلق عليها الأمير خالد ، “حركة حرية شعوب شبه الجزيرة العربية” كمحاولة جديدة منه أطلقها عبر صحيفة “إندبندنت” البريطانية، ضمن محاولات كثيرة له لتغيير النظام السعودي القمعي وفق توصيف الحقوقيين والمعارضين.
الحركة وفق الأمير خالد تريد رؤية “ملكية دستورية” لإنشاء سعودية جديدة يبقى فيها رؤساء البلاد الرمزيين، تماما مثل النظام الملكي في بريطانيا، مع احتفاظ الشعب بالسلطة في نهاية المطاف ، ويؤسس فكرته على إجراء انتخابات لتعيين رئيس وزراء وحكومة، ومحاربة انتهاكات حقوق الإنسان، ومساعدة الفارين من السعودية ، والعمل على استقلال القضاء.
وسبق للأمير خالد في 22 مايو 2018 أن طالب في مقابلة مع صحيفة “ميدل إيست آي” البريطانية أعمامه الأمير أحمد بن عبد العزيز والأمير مقرن بن عبد العزيز، باستعادة السلطة فوراً وازاحة الملك سلمان بن عبد العزيز ونجله محمد ، مؤكدا أن لضرر الذي يلحق بالعائلة السعودية الحاكمة وبالمملكة بسبب حكم سلمان “الأرعن والغبي والمزاجي” بحسب وصفه تجاوزت كل الحدود.
وكشف الأمير الذي منح اللجوء السياسي في ألمانيا في عام 2013، عن أنه لو اجتمع أحمد ومقرن ووحدا صفوفهما فإن “99 بالمائة من أعضاء العائلة الملكية الحاكمة وعناصر الأجهزة الأمنية والجيش ستقف مساندة لهما ، في معلومات وصفت وقتها بالخطيرة ، ولكن لم تأتي السفن بما اشتهى الأمير المنفي حتى تاريخه.!
ودعا بن فرحان في نوفمبر 2018 الملك سلمان إلى التنازل عن الحكم من “باب الحكمة” وذلك عقب تفجر توابع كثيرة بعد مقتل “خاشقجي” ومطالبة العالم بتنحية ولي العهد السعودي واتهامه بالإشراف على القتل.
الفرصة سانحة !
الأمير الذي يعيش في كنف اللجوء السياسي في ألمانيا يرى أن الفرصة سانحة لمبادرته في ظل استمرار الحملة الواضحة التي يشنها النظام السعودي على منتقديه وخاصة بعد جريمة قتل خاشقجي، بالتزامن مع تصاعد الضغط الدولي عليه واتهام وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي آي إيه)، ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بإصدار أمر قتل “خاشقجي”.
وفي هذا الشأن تؤكد صحيفة “واشنطن بوست” في تحليل للكاتب إيشان ثارو قبل أيام، أنه رغم الدفاع المستميت من قبل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن ” بن سلمان” فإن ذلك لم يُضعف غضب المجموعة الأوروبية والمشرّعين الأمريكيين في واشنطن، حيث يواصل الكونجرس ملاحقة البيت الأبيض بسبب استهانة الأخير بمطلب قانوني لتقديم تقرير إلى مجلس الشيوخ حول دور ولي العهد باغتيال خاشقجي ، بالتزامن مع إصدار 36 دولة بينها دول الاتحاد الأوروبي نداءً للسعودية من أجل إطلاق سراح 10 نشطاء مسجونين، وأيضاً ضرورة تعاون السعودية مع تحقيق الأمم المتحدة الخاص بمقتل الصحفي جمال خاشقجي.
ويرون مراقبون أن بجانب كل هذه المعطيات فإن من الأهمية بمكان عدم نسيان عدم مبايعة بعض الأمراء مع بن سلمان وصولا الى احتجازهم بعضهم في وقت سابق في فندق “ريتز كارلتون” في ظل الاعتقالات الواسعة للدعاة المعتدلين أصحاب الشعبية وهو ما يجعل الوضع صعب أمام ولي العهد السعودي ويعزز فرص حدوث انقلابات ضده بفضل وجود أصوات من داخل الاسرة الحاكمة وخارجها ترفض وجوده.
وخلص الكاتب البريطاني الشهير ديفيد هيرست في وقت سابق إلى فرضية مهمة في هذا السياق مؤكدا أن الهجوم الذي يشنه محمد بن سلمان على رموز في المؤسسة الدينية المعتدلة وعائلة آل سعود يرقى إلى الإطاحة بالأعمدة التي تقوم عليها شرعية الملك كونهما يمثلان دعامتان للدولة السعودية.
عمليا ، راجت منذ أبريل 2018 قصص متكررة عن انقلابات داخل السعودية ضد العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز ، وثق أحدها موقع “ذي درايف” الأمريكي فيما نقلت صحيفة “ديلي ميل” البريطانية عن مصادر وقتها “بأن القوات البرية تقود حملة لإطاحة الملك سلمان”، وهو ما يجعل عملية تكرارها أمر محتمل في ظل الغضب المكتوم و المتصاعد من أكثر من جانب.
يعزز ذلك كله ما ذهب إليه تحذير قوي للمخابرات الخارجية الألمانية من جنوح السياسة الخارجية السعودية مع فرض محمد بن سلمان، نفسه في هرم السلطة، قد يهدد المملكة تماما.
عقبات محتملة !
ورغم وجود فرص سانحة للمبادرة إلا أن هناك أيضا عقبات محتملة قد تنسف مشروع الأمير خالد برمته وفق مراقبين.
أول العقبات هو اغتيال” الأمير خالد” مباشرة أو اختطافه على أقل تقدير ، وفي حواره المطول مع صحيفة “إندبندنت” البريطانية، الثلاثاء/ كشف الأمير خالد عن أنه فلت من مصير مشابهه لمصير الصحفي السعودي جمال خاشقجي حيث خططت السلطات السعودية لخطفه قبل عشرة أيام فقط من اختفاء خاشقجي في أكتوبر الماضي، وطلبت منه السفر إلى مصر لمقابلة مسؤولي النظام في القنصلية السعودية في القاهرة لأن والدته مصرية، إلا أنه رفض ذلك.
وفي وقت سابق حاول بعض كبار الشخصيات في الأسرة الحاكمة استدراج الأمير خالد حتى يعود إلى السعودية، وذلك بهدف إسكاته حيث عرض عليه أحدهم حينما كان في زيارة رسمية إلى ألمانيا مرافقته في طائرته الخاصة، إلا أنه رفض القبول بالعرض وفق الأمير خالد نفسه.
النسب البعيد قد يعرقل نجاح المبادرة كذلك ، حيث ينتمي الأمير خالد إلى بيت بعيد نسبياً داخل العائلة السعودية ، فهو من فرع الفرحان أحد ثلاثة أشقاء لـ”محمد بن سعود” الذي من نسله جاء “عبد العزيز” الذي شكل الفرع المتنفذ داخل العائلة، ومن وقتها دب الخلاف مع النظام الحاكم حينما بدأ والد خالد، والذي كان يلقب بالأمير الأحمر، يطالب بملكية دستورية وجرى تهميش عائلته تماما.
وتبقى المساندة الصهيوأمريكية أحد العوائق المهمة في أي مبادرة للتغيير مهما كان الشخص الذي يطرحها في حال عدم تمريرها مسبقا مع البيت الأبيض أو تل أبيب اللذان يعتبران “بن سلمان” رجلهما المخلص، وفي ظل الدور المحوري لولي العهد السعودي محمد بن سلمان في صفقة القرن ، وهو ما كشفه حسن نصر الله الأمين العام لـ “حزب الله” اللبناني مؤكدا أن “مهمة ولي العهد السعودي هي التسويق لصفقة القرن مقابل 50 عاما من البقاء في العرش”.
الأمير خالد نفسه أكد في تصريحات خلال نوفمبر 2018 أن “محمد بن سلمان” يمثل أهمية قصوى لإدارة دونالد ترامب لعدة أسباب، منها الأسباب المالية والأسباب العسكرية بجانب السبب الرئيسي وهو صفقة القرن مشددا محمد بن سلمان فرصة للإدارة الأمريكية الحالية ويسهل التحكم فيه وتحريكه.
اضف تعليقا