خارطة طريق جديدة يخطها رموز مهمة في موجة الربيع العربي الأولى تستهدف استعادة المد الثوري والعمل على بنود ثورية جديدة، جاءت في سياق مؤتمر نخبوي احتضنته مدينة إسطنبول التركية على مدار يومي السبت والأحد الماضيين.

“العدسة” يقيم مؤتمر “المجلس العربي” والعوائق المحتملة أمام أجندته الثورية وسبل النجاح والتي يبدو أن أبرز الخاسرين منها في حال تجاوب الشعوب معها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وولي عهد السعودية محمد بن سلمان وولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد.

خارطة “المرزوقي”

ورسم المجلس العربي برئاسة الرئيس التونسي السابق المنصف المرزوقي (2011-2014)، خطوطا لانطلاقة جديدة للربيع العربي بحسب المراقبين في مؤتمره “عرب المستقبل.. من أمة رعايا إلى أمة مواطنين”

الأهداف واضحة سجلها نداء خرج عن المؤتمر تحت اسم ” نداء إلى الأمة” بهدف الانتقال إلى “أمة المواطنين” ، بدلا عن “أمة الرعايا”، وتشكيل “اتحاد للشعوب العربية الحرة”، عبر وسائل حددها المؤتمر في مسارين هما الوعي عبر تنظيم مؤتمرات، والميدان عبر التشابك بين الشعوب.

“المرزوقي” خلال مؤتمر صحفي، كان له تبريراته من الواقع لأحلام المجلس حيث يوجد شعوبا منتفضة في المنطقة ولديه يقين  بأن شعوب المنطقة ستنتفض طالما لم تتحقق أحلامهم، بالإضافة إلى إفلاس النظام العربي القديم وحتمية العودة إلى مشروع الوحدة على طريقة مختلفة بإيجاد اتحاد للشعوب الحرة، كما حصل في أوروبا وأفريقيا فضلا عن إجراء إصلاحات دستورية حقيقية في العالم العربي، لضمان حقوق المواطنين والمساواة في دول ديمقراطية.

المؤتمر الذي شارك فيه 350 شخصية عربية منهم أيقونات للربيع العربي كنائبة رئيس المجلس، اليمنية الحاصلة على جائزة نوبل للسلام توكل كرمان والتي ترى أن موجة قادمة حتما للربيع العربي لإلغاء الحاضر المتحكم به قوى الثورة المضادة، والانقلابيون والعسكر مؤكدة أن الربيع العربي قادر على النهوض بالأمة.

وفي نفس السياق تحدث رئيس الحكومة السورية المؤقتة التابعة للمعارضة أحمد طعمة، مؤكدا  أن البديل في عالمنا العربي هو انفجار الشعوب العربية، التي لم تحقق أهدافها في موجتها الأولى، عبر موجات وموجات، مستفيدة بدروس الماضي.

عقبات محتملة

ويقف فريق رعاية الثورة المضادة (السعودية والإمارات) بجانب الرئيس الأمريكي دونالد ترمب من أبرز العوائق في مواجهة أفكار هذا المؤتمر وأمثاله ممن يراهنون على موجة فاصلة للربيع العربي.

وبحسب جاكسون ديل، نائب رئيس تحرير صحيفة “واشنطن بوست”، فإن الرئيس الأمريكي دونالد ترمب سيكون أحد الخاسرين في حال اندلعت موجة ثانية من الربيع العربي، لأنه راهن على الأنظمة الاستبدادية، كنظام عبد الفتاح السيسي في مصر، وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، من أجل تحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط.

وأوضح “ديل” في مقال له بالصحيفة في 18 مارس الجاري أن الاحتجاجات الجماهيرية بالعواصم العربية والتي تطالب بتنحي الحكام الفاسدين والعجزة، تبدو كأنها مفارقة تاريخية، فلقد كان الربيع العربي منذ سنوات فقط، ومع ذلك لم ينجح وإنما قاد إلى انقلابات وحروب أهلية أعادت الوضع الاستبدادي القديم.

ووفق ميشيل دن الباحثة بمركز كارنيجي فإن “الموجة الجديدة تشير إلى بضعة استنتاجات تتعارض مع الحكمة التقليدية في واشنطن، خاصة داخل إدارة ترمب، بالاعتماد على السلطة الاستبدادية لدعم الاستقرار في الشرق الأوسط؛ وهو ما أدى إلى تطاير شرر موجة ثورية ثانية”.

ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد والذي يوصف بأنه كاهن الثورة المضادة ، يعتبر على نطاق واسع من أعداء تلك الأطروحات لعودة الربيع العربي ، وهو ما حذر منه المرزوقي، ولكنه أكد أن أموال الإمارات لن تنجح في وقف “موجات الربيع العربي الثانية” موضحا في تصريحات له أن أموال الأنظمة خاصة النظام الإماراتي التي دعمت الدولة العميقة في دول الربيع العربي نجحت في إيقاف الثورة، لكنها لم تنجح في اقتلاع روحها من نفوس الشعوب ولكنه الغباء السياسي للسعودية والإمارات.

وفي هذا المسار يقف كأبرز العوائق ولي عهد السعودية محمد بن سلمان ، وبحسب مراقبين غربيين فإن محمد بن سلمان، أحد أبرز المسئولين الذين يحاصرهم القلق من المشهد الاحتجاجي الجديد في المنطقة ، وبجانبه يقف السيسي الذي كشف عن مخاوفه خطاب أمام القوات المسلحة المصرية مؤخرا.

الدبلوماسي الجزائري محمد العربي زيتوت، كشف من جانبه عن وجود تحركات سعودية إماراتية لإجهاض الحراك الشعبي الجزائري مؤكدا أن “السعودية والإمارات تقفان ضد تطلعات الشعب الجزائري، وتريدان هدم ثورته ونشر الفوضى في البلاد، كما فعلتا في ليبيا ومصر وسوريا”.

 

ويرى مراقبون أن هناك فرص لنجاح المؤتمر كبوصلة لطلائع الربيع العربي في الموجة الجديدة المرتقبة خاصة في ظل وجود مؤشرات تتصاعد بضرورة التغيير وتحديد البوصلة القادمة لتلافي الماضي رغم العوائق.

ويستند المراقبون في ذلك إلى تحليلات متواترة في الفترة الأخيرة عن قرب اندلاع موجة ثانية للربيع العربي ، تبدأ من الجزائر ، وهو ما تحقق فعليا منذ حراك 22 فبراير الذي يتصاعد بحذر وحضارية في مواجهة تربص الدولة العميقة التي حولت انسحاب الرئيس المقعد عبد العزيز بوتفليقة من الانتخابات انتصار شعبي مع وقف التنفيذ.

القمع البوليسي والعسكري المتصاعد في بلدان الموجة الأولى من الربيع العربي يعزز كذلك بحسب البعض من فرص الالتفاف حول مباديء جامعة من جديد تنادي بتلافي آثار القمع والانتهاكات الحقوقية المتوسعة يوما بعد يوم ، وهو ما أشار إليه مؤخرا الكاتب في صحيفة “الجارديان” سيمون تييسدال، مؤكدا احتمالية  حدوث ربيع عربي جديد، في ظل سياسات القمع والفساد التي ما زالت تنتشر في بعض الدول العربية.

كما تتهيأ الظروف لمثل هذه المبادرات وفق البعض ، لقيادة التغيير ، وهو ما أكده الكاتب الصحفي البريطاني، ديفيد هيرست في مقاله المنشور على موقع “ميدل إيست آي” في 13 مارس الجاري والذي قال فيه “إن القوى الاجتماعية والسياسية التي جاءتنا بالربيع العربي هي التي سوف تنتصر في نهاية المطاف فالكل ما يزال يتذكر صيحات وآمال ثورات الربيع العربي، ويتذكر أيضا الوحشية التي مورست لإسكاتها، والقصف الذي حول المدن إلى ركام ، كما أن اللهيب الذي أشعل تلك الانتفاضات ما يزال حيًا”.

البعد الأكثر إلحاحا ويتناغم مع أجندة المؤتمر ، هو معالجة الكوارث الاقتصادية ، وهو ما أشارت له صحيفة الغد الأردنية في مقال للكاتب موسى شتيوي ، والذي أكد أن نفس الظروف التي سادت قبل “الربيع العربي” تتكرر ، فالبعد المشترك، وإن اختلفت الظروف، فهو الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها البلدان، وتنامي مشكلات الفقر والبطالة، وعدم المساواة، وبخاصة لدى فئة الشباب غير المؤدلجة سياسيًا، مما أحدث مزيجا من اليأس والإحباط الاقتصادي والسياسي لدى الشباب وفئات الطبقة الوسطى.

ويعول مراقبون على نجاح مثل مؤتمرات المجلس العربي والمتطلعين للربيع العربي في حال الالتزام بتفعيل برنامجها وأجندتها وسط طلائع الربيع العربي مع استغلال اللحظة المناسبة بعد توافق في قيادة الطلائع العربي في حال نشوب موجة ثانية واسعة.

ويظل سيناريو مرور المؤتمر وأحلامه في موجة ثانية للربيع العربي محل تعليق ، إذا لم يتحول إلى إجراءات عملية كما أعلن منظموه ، خاصة أن بعض المراقبين يرون أن أفكار المؤتمر قد تكون تكررت بشكل أو آخر في مؤتمرات أخرى لم تقدم جديدا على الأرض بعد انتهائها.

ويبقى سيناريو ثالث يخضع لتبني طلائع الربيع العربي في الموجة المرتقبة لأجندة وطنية محلية تبتعد عن الوحدة التي طرحها المؤتمر على غرار أوروبا وأفريقيا ، حيث تعمل على منهجية الحلم العربي في وقت لاحق بعد إقرار أهدافها المحلية طبقا لظروف بلدانها.