تستمر محاولات غسيل السمعة من قبل النظام السعودي وخاصة فيما يتعلق بمجال حقوق الإنسان، حيث تتمتع المملكة بسجل حقوقي أسود حسب تقارير المنظمات الحقوقية العالمية.
وكان آخر هذه المحاولات هي لجوء بن سلمان لإجراء صفقة تتجاوز قيمتها 1.7 مليون دولار مع واحدة من كبرى شركات العلاقات العامة في العالم سعيا منه لتحسين الصورة المشوهة التي أصابت مشروع “نيوم” بعد عمليات التهجير القسري والترحيل ضد أفراد قبيلة الحويطات والتي أسفرت عن مقتل عبد الرحيم الحويطات أحد أفراد القبيلة على أيدي الشرطة السعودية.
صفقة لتلميع الصورة
وفي تطور لافت أعلن مجلس إدارة مشروع نيوم – المدينة الضخمة المستقبلية في السعودية، والتي تبلغ تكلفتها 500 مليار دولار، عن توقيع عقد بقيمة 1.7 مليون دولار مع شركة Ruder Finn في 10 يونيو/حزيران لتعزيز جهود المسؤولية الاجتماعية للشركات في محاولة للتشويش على التغطية الصحفية الدولية التي تهاجم المشروع.
ووفقاً لخطط المشروع الذي يُدار من قبل صندوق الثروة السيادية السعودي، فإن مساحة نيوم تبلغ 10000 ميل مربع في شمال غرب المملكة العربية السعودية، يتعامل معها ولي العهد باعتبارها أهم ركن في مشروعه الإصلاحي المزعوم، رؤية 2030، والتي يأمل به أن ينوع دخل الاقتصاد السعودي ويقلل من اعتماد المملكة على صادرات النفط، وأن يحولها إلى وجهة سياحية عالمية وعالية التقنية.
وتأكيدا على أهمية المشروع، فقد وقعت السيدة “كاتي بلومغاردين” الرئيس التنفيذي لشركة Ruder Finn العقد شخصيًا مع الرئيس التنفيذي لمشروع “نيوم” نظمي النصر، وهي واحدة من ثلاثة أجانب مسجلين في الحساب، حيث يتولى منصب نائب رئيس المجموعة “بيريانا ريب”، ونائب الرئيس الأول “بيريان ليرد”، ولدى الشركة التي ترأسها السيدة بلومغاردين مقر مزدوج في نيويورك وبكين وهي من بين أكبر شركات الاتصالات الخاصة في العالم.
وتتوقع شركة Ruder Finn تحديد مناصب لاثنين أو ثلاثة موظفين في المملكة العربية السعودية للمشروع، بدعم من فرق من مكاتبها في الولايات المتحدة وآسيا.
وسيشمل عملها تطوير موقع على شبكة الإنترنت واستراتيجية لوسائل الإعلام الاجتماعية لنيوم، بما في ذلك المساعدة في حملات وسائل الإعلام الاجتماعية “المتعلقة بالترويج لنيوم كمدينة المستقبل”، وقد يتضمن العمل أيضًا محاولات “للتأثير على أفراد من الجمهور الأمريكي و / أو المسؤولين الحكوميين الأمريكيين فيما يتعلق بمشروع مدينة نيوم، والذي يخدم المصلحة السياسية أو العامة للحكومة السعودية الحالية”.
القائمون على “رودر فين” قالوا عن المدينة بأنها “حلم جريء”، “نيوم محاولة للقيام بشيء لم يتم فعله من قبل ويأتي في وقت يحتاج فيه العالم إلى تفكير جديد وحلول جديدة”.
معاناة أصحاب الأرض
وكانت قبيلة الحويطات قد احتجت على مشروع المدينة الذي يشكل جزءا حيويا من الرؤية الاقتصادية لمحمد بن سلمان، وتعرضَ عدد من أفراد القبيلة للقتل والاعتقال بسبب شعاراتهم المناهضة للترحيل.
ويطالب السكان المحليون بالتعويض العادل عن نزوحهم القسري منذ شهور، مما أثار اهتمام وسائل الإعلام الدولية بأن مثل هذه المشاكل قد تخيف المستثمرين الأجانب الذين تحتاجهم لتحويل رؤيتها الاقتصادية الجريئة إلى حقيقة.
ومثّل مقتل عبد الرحيم الحويطي -أحد زعماء القبيلة- يوم 13 أبريل/نيسان الماضي برصاص قوات الأمن إثر رفضه الترحيل من منزله، علامة فارقة في التوتر الحاصل بين القبيلة وسلطات الرياض وخططها لإقامة مشروع “نيوم”.
وقبل مقتله، نشر عبد الرحيم الحويطي سلسلة فيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي انتقد فيها إجبار قبيلته على الرحيل من الأرض التي عاشوا فيها لأجيال في محافظة تبوك، واصفا ذلك بأنه “إرهاب الدولة”، ومؤكدا أن معارضته قد تؤدي إلى قتله.
من جهتها قالت المديرة التنفيذية السابقة لقسم الشرق الأوسط بمنظمة “هيومن رايتس ووتش” سارة ليا ويتسون إن الانتهاكات التي يتعرض لها أفراد قبيلة الحويطات تعكس موقف الحكومة السعودية تجاه المواطنين السعوديين.
وأضافت ويتسون أن الحكومة السعودية تريد الأرض فقط ولا تريد أهل المنطقة، واصفة ذلك بأنه يعكس ازدواجية السلطات في المملكة، مشيرة إلى أن “الحكومة السعودية ليس لديها أي احترام للموطنين، فهي ترغب في بناء مدينة مستقبلية على الأراضي السعودية ولكن بلا سعوديين، فبدلاً من التشاور مع المجتمع المحلي والسعي لإدماجهم في الخطط الطموحة للمنطقة، تتعامل الحكومة مع مواطنيها كأشياء يمكن التخلص منها ليحل محلها مستوطنون عالميون لامعون”.
ووصفت وكالة الصحافة الفرنسية هذه المعارضة بأنها مقاومة داخلية نادرة للسلطات السعودية، كما نقلت عن مصدر سعودي مطلع أنه بالنظر إلى المبالغ المطلوبة لمشروع “نيوم” فلا يمكن إلا أن تتأخر جوانب عدة منه.
ولطالما تساءل خبراء اقتصاديون عن جدوى المشروع في عصر أسعار النفط المتدنية.
وفي مقال له في “فورين بوليسي” تعليقاً على ممارسات الحكومة فيما يتعلق بملف الحويطات، قال الباحث السعودي عبد الله العودة “هذا ما يحدث عندما يعلن حاكم متعجرف أنه هو الوحيد الذي سيقرر مستقبل بلاده”.
سجل حقوقي أسود
وتضاف قضية الترحيل القسري بحق سكان نيوم إل سجل حافل من الانتهاكات السعودية في مجال حقوق الإنسان، والتي تتنوع بين الاعتقال والتعذيب والاخفاء القسري لمدد طويلة، بالإضافة للتهديد بالأقارب من أجل الضغط علي ذويهم.
وخرج عشرات النشطاء والحقوقيون، الجمعة، في تظاهرة غاضبة أمام سفارة المملكة العربية السعودية في العاصمة البريطانية لندن؛ مطالبين بإطلاق سراح المعتقلين والنشطاء في السعودية.
وفي سياق التظاهرة، قال ممثل الحملة الدولية من أجل العدالة ومقرها لندن “زياد حسن” في كلمة له في التظاهرة: إن المعتقلين في سجون السعودية يعيشون في ظروف سيئة جدا، وأنهم يتعرضون لأشكال التعذيب الجسدي والنفسي كافة خلال اعتقالهم؛ في الوقت الذي يحتاج بعضهم إلى رعاية صحية عاجلة في ظل انتشار فيروس كورونا بسجون المملكة.
وطالب “حسن” السلطات السعودية بالعمل من أجل تحقيق العدالة في البلاد، كما دعا الحكومة البريطانية والمجتمع الدولي إلى ممارسة الضغط على السعودية لوقف الاعتقالات وعمليات التعذيب، وإنهاء انتهاكات حقوق الإنسان في البلاد.
وهتف المشاركون في الوقفة الاحتجاجية ضد القمع والظلم الذي يتعرض له المعتقلون في السعودية، مؤكدين على دعمهم الكامل ووقوفهم إلى جانب المعتقلين وعائلاتهم ضد انتهاك السلطات السعودية لحقوقهم، كما دعوا إلى تقديم المتورطين بهذه الجرائم إلى العدالة.
كما رفع المشاركون في التظاهرة، لافتات تطالب بإطلاق سراح المعتقلين من السجون ووقف حملات الملاحقة بحق النشطاء والحقوقيين في السعودية.
وفي ذات السياق، ذكر حساب “معتقلي الرأي” الذي يهتم بأوضاع الحريات في المملكة، مؤخرا أن السلطات السعودية استغلت انشغال العالم بأزمة كورونا لشن حملة اعتقالات جديدة، شملت عددا من الأكاديميين والدعاة؛ من بينهم الدكتور إبراهيم الدويش وهو داعية وأستاذ بجامعة القصيم، والناشط الإعلامي راكان العسيري، والناشط الإعلامي والداعية الشاب محمد الجديعي.
وأشار رئيس المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا “محمد جميل” في تصريحات له إلى أن: “السلطات السعودية أصدرت مرسوما جديدا يجيز الإفراج عن المعتقلين بضمان حجزهم المنزلي”، معتبرا أن ذلك من شأنه أن يخفف الضغوط الدولية على ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الذي قال بأنه هو المسؤول عن تلك الاعتقالات.
وأضاف “جميل” أن المخرج الحقيقي لأزمة المعتقلين في السجون السعودية هو إعادة الأمور إلى نصابها الصحيح، وقال: “هؤلاء المعتقلون في السجون السعودية، تم اعتقالهم ظلما، وتهم الإرهاب الموجهة إليهم ليست حقيقية ولا تدعمها أية أدلة، وكل هؤلاء الذين تم اعتقالهم، الأصل أنهم مفخرة للسعودية حكومة وشعبا؛ لمواقفهم الوطنية سواء داخليا أو خارجيا”، على حد تعبيره.
وتأتي هذه التظاهرات في الوقت الذي تعتقل السلطات السعودية عشرات النشطاء والإصلاحيين السعوديين منذ العام 2017، كما تعتقل عشرات الفلسطينيين المقيمين لديها، بتهم تتعلق بجمع التبرعات ودعم الإرهاب.
اقرأ أيضاً: فورين لوبي: صفقة بقيمة 1.7 مليون دولار للتغطية على جرائم السعودية باسم مدينة “نيوم”
اضف تعليقا