العدسة: محمد العربي

ربط كثير من المراقبين ما يجري ضد النظام السوداني من احتجاجات، بأنه استمرارا لحالة الرفض الشعبي العربي لجماعة الإخوان المسلمين، مؤكدين أن النظام السوداني هو نظام إخواني إسلامي، وبالتالي فإن سقوط البشير، يعني سقوط الإخوان، إلا أن جماعة الإخوان المسلمين بالسودان كان لها رأي آخر، حيث انضمت الجماعة للجبهة الوطنية للتغيير التي تتألف من 23 حزبا وجماعة سياسية سودانية، وهي الجبهة التي أعلنت رفضها القاطع لتعديل الدستور بما يسمح باستمرار البشير في الحكم.

هذا الموقف دفع العديد من التساؤلات عن علاقة البشير بجماعة الإخوان المسلمين، وهل الجماعة التي عانت من أزمات في السنوات الأخيرة بعدة دول، هي نفسها الحركة الإسلامية السودانية الحاضنة لحزب المؤتمر الوطني الحاكم، وهل مواقف الجماعة الأخيرة معناها أنها تقفز من مركب البشير الذي يشارف الغرق، أم أن الربط بين الجماعة والحركة الإسلامية ونظام البشير، هو خطأ متعمد بهدف تضليل الرأي العام السوداني والعربي والعالمي، لأهداف علمانية خبيثة؟

لسنا معهم

حسب المراقبون فإن الموقف الأخير لجماعة الإخوان المسلمين بالسودان، من نظام البشير، يهدف لمعنى واحد وهو أن الجماعة تقول بعلو صوتها أنها ليست مع البشير وسياسات المؤتمر الوطني الحاكم، وهو ما يدلل عليه توقيع الجماعة على وثيقة الأحزاب السياسية التي شكلت الجبهة الوطنية للتغيير، وأعلنت رفضها لأية خطوة من شأنها تعديل الدستور بما يسمح لاستمرار البشير في السلطة، كما أعلنت انسحابها من لجنة الاصطفاف الوطني المعنية بتعديل الدستور التزاما بقرار مجلس الشورى العام للجماعة، الذي اتخذه بما يتوافق مع الحركة الوطنية السودانية المنادية للتغيير الشامل في نظام الحكم.

ووفق بيان مجلس الشورى العام للجماعة الصادر في 30 ديسمبر الماضي، فإن إخوان السودان مع الحراك السلمي الذي يهدف للحصول على مطالب الشعب السوداني، مع التأكيد على حق الشعب في التعبير عن غضبه بشكل سلمي، وليس عن طريق التخريب، كما أدان مجلس الشورى العنف الحكومي في مواجهة المتظاهرين سواء بالقتل أو الضرب أو الاعتقال والإذلال والتخوين.

وأكد بيان الإخوان أن الأزمة الاقتصادية هي نتيجة لأزمة سياسية متصلة نتيجة الفشل في إدارة البلاد، مؤكدين رفضهم القاطع للتعديلات الدستورية المقترحة.

ويرى المراقبون أن الجماعة لم تقف عند هذا الحد بل إنها اتخذت موقفا حازما مع واحد من أهم قياداتها وممثلها بمجلس الولايات عاصم عمر أحمد، حيث قررت الجماعة تجميد عضويته وإحالته للتحقيق الداخلي بعد توقيعه على مبادرة تعديل الدستور لترشيح البشير لدورات مفتوحة، في مخالفة لقرار مجلس شورى الجماعة الذي صدر قبل أيام.

كما جدد المراقب العام للإخوان المسلمين تأكيده بنفي استمرار عضوية الجماعة في تحالف الاصطفاف الوطني مؤكدا التزام الأمانة السياسية بالانسحاب من الاصطفاف بناء على توصية مجلس الشورى.

منذ زمن

وتشير الدراسات والتحليلات التي تحدثت عن العلاقة بين البشير ومن ورائه الحركة الإسلامية وبين جماعة الإخوان المسلمين، أن كلا الجبهتين، مختلفتين رغم أنهما خرجا من رحم واحد وهو جماعة الإخوان المسلمين الأم، وأنه منذ عام 2010 وهناك ما يمكن أن نسميه محاولة من إخوان السودان لخلق نوع من التمايز بينها وبين الحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني الحاكم، خاصة وأن مؤسس الحركة الإسلامية وأمينها العام الشهير كان أمينا عاما لجماعة الإخوان المسلمين قبل أن ينشق عنها في 1989 بعد ثورة الإنقاذ، وهو الدكتور حسن الترابي.

ويرى المراقبون أن العلاقة بين الجماعة والمؤتمر الوطني شهدت توترا منذ عام 2010 بعد إصرار الجماعة على خوض الانتخابات البرلمانية والمحلية والولايات بشكل منفصل، وفي منافسة واضحة مع حزب المؤتمر الوطني الحاكم، رغم الإغراءات التي قدمها البشير للجماعة، سواء من حيث المناصب المحلية بالولايات المختلفة، أو الحكومات المحلية أو الحكومة المركزية، وبما يسمح لها بالتواجد بنسبة كبيرة في البرلمان الذي كان يستعد لترتيب انفصال جنوب السودان، إلا أن الجماعة رفضت ذلك بشكل قاطع وأعلنت خوضها الانتخابات منفردة وتحت لافتة الإخوان المسلمين، وهو ما كلفها عدم حصولها على النسبة القانونية المتعلقة بالقوائم، لتجاوز عتبة البرلمان، وبالتالي لم تحقق الجماعة إلا مقعدا واحدا لرأس القائمة المراقب العام السابق للجماعة الحبر يوسف نور الدائم.

ويرجع المراقبون لحوار سابق للمراقب العام الراحل علي جاويش عام 2010 تحدث فيه عن شكل علاقتهم بالبشير، حيث أكد جاويش أنهم وإن كانوا لا يمثلون (وقتها) معارضة للنظام، لكن هذا لا يعني أنهم جزءٌ منه، وحسب جاويش فإنه في بداية حكم النظام الحالي كانوا يقدمون لهم النصح والتوجيه، وعلى حد وصفه “كان لنا معهم وقفة في البداية عندما قاطعوا الدول العربية، وحتى بعد اتفاقية السلام نحن دعمناهم وساندناهم وهم استجابوا لنا في كثير من الأمور عند وضع الدستور الانتقالي، كذلك استمعوا لنا عند وضع قانون الانتخابات، وقمنا بالفعل بتعديل بنود ومواد كثيرة قبل طرحها على البرلمان، أما المواد التي كنا نفشل في تغييرها لأنها منصوصٌ عليها في اتفاقية السلام فقد قمنا بتحسينها بشكل ملحوظ، وهذا كله كان بتنسيق وتوافق مع الحكومة والحركة الإسلامية”.

هل هي النهاية

وحسب المراقبون فإن حكم الإنقاذ الذي يقوده البشير يشهد أزمة شديدة قد تصل به لنهاية الطريق، خاصة وأن ما تبقى من ثورة الإنقاذ لم يكن إلا مجرد شعارات يتم ترديدها في المناسبات العامة، من أجل دغدغة مشاعر الجماهير السودانية التي دعمت هذه الثورة وتحملت في سبيل استقرارها سنوات من الحصار والفقر والحروب.

ويضاف لذلك أن أهم مكون من مكونات ثورة الإنقاذ نفسها وهي الحركة الإسلامية، لم تعد بنفس القوة التي بدأت بها حكم البشير، والتي كانت لزمن طويل مرجعية أساسية، تقييم لخطوات المؤتمر الوطني، وهو ما يشير إلي نقطة الخلاف الأساسية بين الحركة وجماعة الإخوان المسلمين، حيث كانت ترى الجماعة أن الحركة التي دعا الترابي لتأسيسها عام 1989 لتوسيع فئات المشاركين من غير الإخوان في منظومة التغير التي كان يريد الترابي تأسيسها، سوف تتحول إلى أزمة في المستقبل، وهو ما جرى بالفعل مع المؤتمر الوطني الذي كان أكثر توسعا في مشاركة غير المنتمين للحركة الإسلامية بشكل عام وليس جماعة الإخوان المسلمين فقط.

ويرى المراقبون أن هذا الانفتاح الذي سار عليه المؤتمر الوطني دفع لكثير من رموز النظام الذي سبق ثورة الإنقاذ وخاصة في الأمن والجيش والاقتصاد إلى الولوج للنظام الجديد، مصاحبين معهم كل منظومة الفساد التي تميز بها نظام النميري، ومن هنا كتبت الثورة أول سطر لها في نهاية وجودها قبل أن تبدأ رحلة كفاحها.

ما المصير؟!

وقد طرح العديد من المراقبين تساؤلات عن مصير نظام الإنقاذ وليس فقط مصير الرئيس البشير، ووفق مقالة للباحث السوداني الدكتور الواثق كمير، فإن المشهد الحالي يختلف عن مشهد 1985، وأنه في حالة تغلب الرئيس على خصومه، أو في حالة نجاح معارضيه في تغييبه، طوعا أو قسرا، أو في سيناريو اكتمال عقد الانتفاضة والوصول إلى قمتها، ففي نهاية المطاف، لا بد من تسوية سياسية شاملة، وقد تختلف شروطها في أعقاب الهبة الشعبية!

ويرى كمير المتواجد بكندا أن التوصل لهذه التسوية الشاملة، بتوافق كافة القوى السياسية المدنية على مشروع للتغيير يفضي إلى الانتقال من هيمنة الحزب الواحد إلى التعددية السياسية، تظل هي الوصفة الوحيدة، قليلة التكلفة، التي من شأنها أن تنقذ البلاد من الانزلاق إلى الفوضى.

وحسب الباحث السوداني فإن هذه التسوية لن يحالفها النجاح طالما ظلَّ المؤتمر الوطني يحتكر السلطة ويسيطر بالكامل على مؤسسات الدولة ويقمع حرية التنظيم والتعبير، كما أن تحقيقها مرهون بقدرة الحزب الحاكم لتغيير سياساته ومواقفه، وذلك، إما نتيجة للحراك والديناميات الداخلية في صفوفه، أو للصراع المحتدم بين الرئيس وبين خصومه من الإسلاميين، أو بفعل الشارع والضغط الشعبي، إضافة إلى العوامل الخارجية. ولذلك فإن الانتقال السلمي لن يتحقق إلا إذا اعترف الحزب الحاكم بعُمق الأزمة

إلا أن باحثين آخرين يرون أن ما يجري على أرض السودان هو نهاية حكم الإنقاذ، وحسب رأي الكاتب السوداني الجودة قادم، فإن نظام الإنقاذ قد دخل بانطلاق انتفاضة 19 ديسمبر مرحلة لا عودة منها إلى أوضاع سيطرته السابقة. فالانتفاضة الشعبية الواسعة، والتي ما تزال تزداد اتساعاً قد حكمت على مصير النظام، وأنه مهما كانت المآلات التي ستنتهي إليها الانتفاضة، فإن نظام الإنقاذ لن يعود بعدها كما كان، فإما سقوط لكامل النظام واقتلاعه من جذوره، وإما مرحلة تتعدل فيها طبيعة النظام بصورة كبيرة ولكن ليست جذرية، وفي كلا الحالتين فإن السلطة السياسية لابد لها أن تنتقل من يد البشير والحلقة المسيطرة معه إلى غيرهم.