العدسة – كنان الشامي

كشف الباحث الأمريكي، جيفري أرونسون، المتخصص في شؤون الشرق الأوسط وقضايا الصراع العربي الإسرائيلي، تفاصيل جديدة في تطور العلاقات بين إسرائيل والسعودية، التي وصفها بأنها كانت مستعدة بالفعل للعمل مع الإسرائيليين دون أي شرط.

وأشار الكاتب خلال تحليل مطول بموقع “theamericanconservative” إلى أن ولي العهد محمد بن سلمان حاول الضغط على الرئيس الفلسطيني لقبول ما وصفها بالخطة (b)، التي من شأنها بسط سيطرة إسرائيل على القدس الشرقية والضفة الغربية، مقابل 10 مليارات دولار.

وإلى نص التقرير ..

إعلان الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأمريكية هناك، كان بمثابة أمر له تأثير تاريخي بشأن سيطرة الإسرائيليين على القدس، يضاهي تماما إعلان “وعد بلفور” الاعتراف بحقوق الشعب اليهودي في فلسطين.

لكن الإعلان الجديد لـ”ترامب” يمكن أن يكون جزءا من خطة أوسع؛ للمساعدة في انتزاع السيطرة على القدس، فضلا عن الضفة الغربية من الفلسطينيين بشكل دائم، ويترك العرب في دولتهم المحتملة بغزة فقط.

أي شخص يتطلع إلى وزارة الخارجية الأمريكية للحصول على إرشاد أو توجيه حول أي من الأمور السابقة، سيلاحقه الإحباط.

وجاء الدفاع العام الأول على إعلان “ترامب” الذي كان يشبه إلقاء  القنبلة مضحكا، إذا لم يكن مثيرا للاكتئاب.

وبالفعل، كانت الإحاطة الإعلامية التي صدرت عن وزارة الخارجية يوم الخميس الماضي، كان بطلها ديفيد ساترفيلد (القائم بأعمال مساعد وزير الخارجية لمكتب شؤون الشرق الأدنى)، يمكن أن تكون تلك الإحاطة مقتبسة من الكوميديا البريطانية “Yes  Prime Minister “

“ساترفيلد”، وهو متخصص، وعمل لمدة 40 عاما في المجال الدبلوماسي في الشرق الأوسط، لعب دور السير “همفري ابلبي”، في الكوميديا البريطانية السابقة، حيث تحدث كثيرا لكنه لم يقل شيئا على الإطلاق.

والحمد لله، تم تقديم رؤى مفيدة عن الصلة بين الإعلان وخطط “ترامب” الأوسع للمنطقة، فقد تم إبلاغ مسؤول فلسطيني رفيع المستوي بها الأسبوع الماضي، وأطلع هذا المسؤول على تفاصيل الاجتماع المفاجئ الذي عقد الشهر الماضي بين رئيس السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير محمود عباس أبو مازن، وولي العهد السعودي محمد بن سلمان .

وقد تم استدعاء عباس (82 عاما) إلى الرياض في السادس من نوفمبر من قبل محمد بن سلمان (32 عاما)، كجزء من الجهود العالية التي بذلها ولي العهد السعودي مؤخرا لهندسة مشروع مشترك بين الدول العربية وأمريكا، لمواجهة إيران وحلفائها.

ولم يكن “عباس” أول رئيس يدعى إلى الرياض، فقبل أيام من وصوله جاء رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، الذي أجبر على تقديم استقالته فجأة من قبل ولي العهد، حيث كانت الاستقالة قصيرة الأجل جزءا من الهجوم المناهض لإيران.

وكان محمد بن سلمان في حالة من الثورة و”الهيجان”، وفقا لمصادر، بينما كان يلعب مقامرة عالية المخاطر، لتدعيم قيادته والقيام بالهجوم اللازم لذلك.

وعلى هذا المنوال، فقد أعلن محمد بن سلمان، الوفاة العملية لمبادرة السلام العربية التي كانت ترعاها المملكة، وتضمن اعترافا عربيا ووعدا بالسلام مع إسرائيل، مقابل إقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة عاصمتها القدس الشرقية.

وحان الوقت لطرح الخطة (ب)، وأعلن ولي العهد دولة فلسطينية في قطاع غزة، يتم تسمينها بعمليات نقل غير محددة للأراضي في شبه جزيرة سيناء.

وعندما سأله زعيم السلطة الفلسطينية المذعور، عن مكان الضفة الغربية والقدس الشرقية في هذه الخطة، أجابه “بن سلمان” قائلا ” إنه يمكننا الاستمرار في التفاوض حول هذا الموضوع “.

وسأل “عباس” ولي العهد السعودي عن القدس والمستوطنات (في الضفة الغربية) والمنطقة (B) والمنطقة (C)، كانت إجابة “بن سلمان”: ستكون هذه الأمور محلا للتفاوض، ولكن بين دولتين، وسنساعدك “.

ووفقا للمصادر، عرض “بن سلمان” على “عباس” 10 مليارات دولار، لتحلية الدواء المر الذي وصفه للتَوّ، وقال مصدر: إن ” “عباس” لا يستطيع أن يقول لا للسعوديين، إلا أنه لا يستطيع أيضا أن يقول نعم “.

ونشرت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، أن المقابلة بين محمد بن سلمان و”أبو مازن” جرت في الثالث من ديسمبر الجاري، وأكدت ذلك مصادر فلسطينية وعربية وأوروبية خاصة، حيث عرض ولي العهد دعما ماليا كبير للفلسطينيين، بل ونوهوا عن إمكانية الدفع المباشر لـ”أبو مازن”، الذي قالت المصادر إنه رفض العرض السعودي”.

وقالت المصادر، إن ما تم عرضه على “أبو مازن”، لم يكن أمامه سوى رفضه، حيث يتضمن دولة فلسطينية مع أجزاء غير متجاورة من الضفة الغربية، واقتصار سيادتها على أراضيها (غزة)،  فيما تبقى الغالبية العظمى من المستوطنات الإسرائيلية – التي تعتبرها معظم دول العالم غير قانونية – في الضفة الغربية.

إذن، من الذي وضع فكرة “غزة – زائد ” في رأس محمد بن سلمان؟ وبالرجوع لأصل الفكرة المطروحة من قبل ولي العهد السعودي، يتضح أن منبعها مكان واحد فقط، وهو إسرائيل؛ إذ إن إنشاء دولة فلسطينية في غزة، هو أمر منظور منذ فترة من قبل مسؤولين إسرائيليين بارزين، كوسيلة لإجبار العرب على الرضوخ، لضم إسرائيل كلا من الضفة الغربية والقدس الشرقية.

وقد ترددت الفكرة بطريقة مختلفة من قبل أجنحة اليمينيين في إسرائيل منذ عقدين، وجميعهم يتشاركون الرغبة في التوصل إلى اتفاق من جانب جيران إسرائيل العرب للتنازل عن أراض، الأمر الذي من شأنه السماح لإسرائيل بالتمسك بالضفة الغربية والقدس الشرقية.

“عوزي أراد” الذي يعتبر من المقربين جدا من رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي “بنيامين نتنياهو”، وشغل في الماضي منصب مستشار الأمن القومي الإسرائيلي، وخليفته الجنرال “جيورا إيلاند”، الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي الإسرائيلي، إلى جانب إسرائيليين آخرين، خدموا مع “نتنياهو” ، قد طرحوا هذا الحل .

وبالنسبة للفلسطينيين ، فإن أمر السيادة الفلسطينية على الضفة الغربية والقدس أمر مفروغ منه، والتنازل عنها فكرة مُجهَضة من البداية.

فكيف تم نقل هذه الفكرة الإسرائيلية إلى الرياض، في نفس اللحظة التي  كان “ترامب” و”نتنياهو” يضعان اللمسات الأخيرة بشأن التفاهمات حول إعلان “ترامب” الاعتراف بالقدس عاصمة أبدية لإسرائيل.

فقبل أيام فقط من اجتماع محمود عباس أبو مازن مع ولي العهد السعودي، سافر المبعوثان الأمريكيان جاريد كوشنر (صهر “ترامب”) و المبعوث الأميركي الخاص للسلام في الشرق الأوسط جيسون جرينبلات، إلى الرياض للتشاور في جلسات امتدت لوقت متأخر من الليل مع ولي العهد.

ومعروف أن “كوشنر” يربطه بـ”نتنياهو” صداقة طويلة الأمد، حتى إنه قاد مؤسسة والديه لتحويل الأموال إلى مستوطنات الضفة الغربية، ويعتبر أن القدس عاصمة أبدية – غير مقسمة – للشعب اليهودي، وفكرة (غزة زائد) تعد فكرة مشتركة بينهما.

كسب دعم “كوشنر” للمقترحات، كأساس لإستراتيجية أمريكية جديدة، تضع انسحاب إسرائيل من الضفة الغربية والقدس في التجميد الشديد، فهو كان بمثابة مهمة في منتهى السهولة.

“كوشنر” الذي يقال إن لديه علاقة قوية بولي العهد السعودي، يعد أفضل مصدر لمحمد بن سلمان لكل الأمور التي تتعلق بإسرائيل.

وعلى افتراض أن “كوشنر” ومحمد بن سلمان يتشاركان نفس الرأي فيما يتعلق بمخطط غزة، فإن اجتماعات “عباس” مع ولي العهد، يشير إلى أن اتفاق “كوشنر” و”بن سلمان” يضيف بعدا جديدا ومزعجا لإعلان “ترامب” القدس عاصمة لإسرائيل.

وتتسق التفاهمات الأمريكية-السعودية، مع تخلي السعوديين بشكل فعلي عن مبادرتهم التي طرحوها في السابق “مبادرة السلام العربية”.

الزعيم السعودي نفسه، ضمن عنصرا جوهريا في الاقتراح، في أبريل 2016، عندما وافقت المملكة على الانضمام إلى الشراكة الإستراتيجية بين مصر وإسرائيل، عبر معاهدة السلام الخاصة بالقاهرة وتل أبيب، بدون تنازلات إسرائيلية للدول الفلسطينية، وكان ثمن ذلك السيطرة على جزر “تيران وصنافير”.

وأشارت المصادر إلى أن محمد بن سلمان نفسه، كتب رسالة رسمية إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، تلخص التعهدات السعودية غير المسبوق بالمشاركة مع مصر والولايات المتحدة في التمسك بالشروط الأمنية لمعاهدة السلام التاريخية بين مصر وإسرائيل.

وهذا القرار والرسالة، يمكن أن يفهما في إسرائيل على أنهما مثال عملي على أن المملكة كانت مستعدة بالفعل للعمل مع الإسرائيليين دون أي شرط يتطلب إقامة دولة فلسطينية، سواء في غزة أو في القدس أو في أي مكان آخر.