العدسة – باسم الشجاعي:

أخذت الانتخابات البرلمانية العراقية –ستجرى على 328 مقعدا في النواب ويتنافس فيها 6904 مرشحين– منحنى خطيرًا، وهو ما يثير القلق وسط كبار السياسيين في البلاد؛ حيث يتعرّض البعض إلى حملات “تسقيط” ونشر فضائح عنهم، خصوصًا في وسائل التواصل الاجتماعي.

ومع اقتراب موعد الاقتراع في الانتخابات تُثار المخاوف بسبب كثرة اللاعيبين خلف العملية الانتخابية التي تمثل أهمية خارجيًّا وداخليًّا.

فخارجيًّا؛ هناك دول كبرى في المنطقة تتصارع على بسط نفوذها في الشرق الأوسط، وتغير خريطة المنطقة لصالحها  لضمان الحافظ على مصالحها، وعلى رأس تلك القوي “السعودية وإيران”.

أما داخليًّا؛ فالانتخابات العراقية لها أهمية كبرى للعراقيين؛ حيث تعد هذه الانتخابات الأولى التي ستجرى في البلاد، بعد هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، نهاية العام الماضي، والثانية منذ الانسحاب الأمريكي من العراق عام 2011، وكونها مقبلة على مرحلة إعادة إعمار، ويعقد عليها المواطنون أمالًا كبيرة لعودة الاستقرار للبلاد التي أرقهقتها الحروب والقتال.

فضائح جنسية واغتيالات

وفي ظل الحرب التي تشهد الانتخابات العراقية، ظهرت مقاطع فيديو إباحية قيل إنها لمرشحات عراقيات للحصول على مقاعد برلمانية في مجلس النواب المقبل، ولم يتسن لنا التأكد من صحة ما ورد في تلك المقاطع، لكنهن نفين ما جاء فيها، وأكدن أنها مفبركة، وهو ما يشير لوجد لاعبين خلفيين، وفق مراقبين.

والملاحظ هنا، أن حملات التسقيط “الجنسية”، التي طالت المتنافسين في الانتخابات، استهدفت جميعها مرشحات نساء.

وفي هذا الإطار، يعزو مرعي هذا الاستهداف إلى “طبيعة المجتمع العراقي المحافظ وما تخلفه تلك الاتهامات من آثار سلبية على النساء المستهدفات، قد تؤدي في بعض الأحيان إلى فقدانهن لحياتهن”.

استبعاد المرشحة

وعلى الفور قررت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات استبعاد المرشحة “انتصار أحمد” عن قائمة “النصر”، بزعامة رئيس الوزراء العراقي “حيدر العبادي”، من المشاركة في الانتخابات التشريعية المقررة في 12 مايو المقبل.

والمرشحة المستبعدة كانت تخوض الانتخابات عن محافظة بغداد، التي تحمل التسلسل رقم 9، في قائمة “العبادي”، وهي أستاذة في كلية الإدارة والاقتصاد في الجامعة المستنصرية.

وكتبت في صفحتها الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، مجموعة من المنشورات، أكدت فيها أن مقطع الفيديو الذي انتشر “مفبرك”، معتبرة ذلك “ضحكًا على الذقون” –بحسب وصفها- كما أشارت إلى أنها “لم تزر السعودية في حياتها مطلقًا”.

وبدأت “أحمد” المسيرة الانتخابية لها في عام 2010، عندما رشّحت عن القائمة العراقية، بزعامة “أياد علاوي”، وفي عام 2014، رشحت عن ائتلاف العربية بزعامة “صالح المطلك”.

وبعد قرار “الموضية”، أعلن ائتلاف “النصر” بزعامة العبادي رسميًّا استبعاد المفوضية العليا المستقلة للانتخابات المرشحة من خوض الانتخابات النيابية المقبلة.

وقال المتحدث باسم الائتلاف “حسين العادلي”: إن “هناك مواصفات وشروطًا لكل مرشح للانتخابات، وبناءً على ذلك، قررت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات استبعاد المرشحة “انتصار أحمد” من خوض السباق الانتخابي”، مضيفًا أن “ائتلاف النصر وافق هو أيضًا على هذا القرار”.

المرشحة المستبعدة لم تكن الضحية الأولى للانتخابات؛ حيث سبق وامتدت إلى غيرها الاتهامات بالفساد والكذب، وتمزيق صور المرشحين أو إنزال بعضها ووضع أخرى لمنافسين محلها.

وزادت حدة الأمور؛ حيث وصل الأمر لوقع حوادث الاغتيال، بعدما كانت تقتصر في بدايتها على تمزيق الملصقات؛ حيث سُجِّل، “الأربعاء”، محاولتان لاغتيال مرشحين من تحالف “سائرون”، الذي يدعمه زعيم التيار الصدري، “مقتدى الصدر”؛ الأولى، مرشح في بغداد، والثانية، استهدفت مرشحة في البصرة أدت إلى إصابة ثلاثة من أشقائها.

كما رُصِد، منذ انطلاق الحملات الدعائية لانتخابات العراق، “السبت” الماضي، مقتل ثلاثة مرشحين؛ اثنان منهم من كركوك، ومرشحة أخرى في الأنبار، فيما نجا ثلاثة آخرون في بغداد والبصرة وكركوك.

أين ميثاق الشرف؟

الغريب في الأمر! أن حرب تكسير العظام، والحرب “القذرة” –كما وصفها بعض المراقبين- التي تشهدها انتخابات العراق، تأتي في ظل اتفاق شبه رسمي وقعت عليه الأحزاب السياسية نهاية مارس الماضي، يتضمن ميثاق شرف يتعلق بالانتخابات البرلمانية المقررة في 12 مايو المقبل، لضمان إجرائها في أجواء نزيهة خالية من التزوير، بوساطة من الأمم المتحدة وقوى غربية، ولكن يبدو أنها غير قادرة على ضبط السياق العام.

ويتألف الميثاق من أربع وعشرين نقطة تهدف إلى ضبط وضمان إجراء انتخابات نزيهة، ويدين الميثاق الخطاب الطائفي والعنصري، ويرفض العنف، ويطالب بعدم استعمال وسائل الضغط والتهديد أو ترغيب أو إكراه الناخبين على التصويت.

ويدعو إلى الالتزام بالتداول السلمي للسلطة، واحترام وتعزيز حقوق الجميع الديمقراطية في التنافس الشريف والحر، وتكافؤ الفرص لجميع المرشحين وأعضاء الأحزاب السياسية المتنافسة، والعمل بحرية في الفضاء الوطني والمحلي للترويج للبرامج الانتخابية والتعددية الحزبية.

وأوكلت مهمة تطبيق بنود الميثاق إلى لجنة مشتركة مؤلفة من ممثلي الكيانات الموقعة على هذا الميثاق، وبمشاركة ممثل عن المفوضية العليا المستقلة وبعثة الأمم المتحدة بالعراق (يونامي).

هذه خارطة المعركة

ولمعرفة طبيعة الانتخابات وأجوائها، وكيف وصلت الأمور لتلك المرحلة، يجب علينا معرفة خريطة العملية الانتخابية والمشاركين فيها، لتتضح لنا الصورة كاملة.

فالقوى الشيعية تدخل المعركة الانتخابية بما يقرب من71 حزبًا وتنظيمًا للانتخابات، وتوزعت محاورها على المكونات الكبرى الثلاث في البيت الشيعي، وخرج التيار الصدري عن الخيمة الشيعية بإعلانه تشكيل حزب الاستقامة، ليضع علامات استفهام، وخاصة في ظل التقارب مع السعودية والإمارات، اللذين يعملان سويًّا –في الخفاء بحسب خبراء- على توجية دفة الانتخابات.

كما ينزل المكون السني في الانتخابات بأكثر من 50 حزبًا وكيانًا سياسيًّا، وعمود خيمة الأحزاب والقوى السنية هو ائتلاف “الوطنية”، وهو نفسه ما بات يعرف باسم “اتحاد تحالف القوى” الذي يقوده “إياد علاوي”، نائب رئيس الجمهورية.

أما التحالف الكردستاني -الذي يعد الخيمة التي انضوت تحتها حتى الآن كل القوى الفاعلة في كردستان العراق، ويملك 60 مقعدًا في مجلس النواب، وعدة وزراء في الحكومة- فقدْ فَقَدَ بعد كارثة الاستفتاء حول استقلال الإقليم حتى مبررات وجوده.

ولم يعد التحالف بشكله التاريخي قائمًا، وانسحبت منه أغلب مكوناته، وما تبقى هما الحزبان الكبيران؛ الاتحاد الوطني، والديمقراطي الكردستاني، وهما غير متفقين، وهذا يعني أن الحديث عن تحالف كردستاني بات حديثًا افتراضيًّا.

هل نفتش عن “بن سلمان”؟!

المتابع لسياسات الرياض خلال الفترة الأخيرة، يجد أنها تلعب على جميع الأطراف مقابل حماية مصالحها في المنطقة، ويستبعد -بحسب خبراء- أنها تقف وراء الحرب التي تشهدها الانتخابات العراقية بصورة غير مباشرة، بدعم فريق على حساب الآخر.

فبرغم العداء الظاهر بين السعودية والشعية بصفة عامة، إلا أن لغة المصالح دفعت ولي العهد السعودي “محمد بن سلمان” لدعمهم ماليًّا في العراق، خلال الفترة الماضية؛ حيث كشف مركز “جيوبوليتيكال ستراتفور” الأمريكي للدراسات الإستراتيجية، عن أن الرياض قدمت تمويلًا ماليًّا لقناة “الفرات” الفضائية العراقية الشيعية، بقيمة 10 ملايين دولار.

وتعود ملكية قناة”الفرات” إلى رجل الدين والسياسي الشيعي “عمار الحكيم”، الذي يتزعم حزب الحكمة الوطني، بعد انشقاقه عن المجلس الإسلامى الأعلى فى العراق، فى الخريف الماضي، لتشكيل حركته السياسية باستقلال أكبر عن إيران.

وبحسب مراقبين، فإن السعودية ترى فرصة في تمويل بعض المؤسسات الشيعية العراقية، وبخاصة التي يبدو أن علاقتها بطهران ليست وثيقة، كجزء من التحركات الأوسع لكبح إيران وتأكيد نفوذ المملكة في العراق، وخاصة قبل الانتخابات النيابية.

ولتحقيق السعودية النجاح في مسألة حد نفوذ إيران في العراق، قامت الرياض -وللمرة الأولى منذ أحد عشر عامًا- باستقبال رجل الدين الشيعي “مقتدى الصدر”، في يوليو الماضي، حيث اتفق مع القيادة السعودية على هدف التعايش السلمي، والتعاون من أجل تحقيق المصالح المشتركة.

وتتطلع الرياض في نهاية المطاف لعراق يحكمه “العبادي، وعلاوي، والصدر، وعمار الحكيم”، لا اللاعبون المتحالفون مع إيران، وهو ما يظهر من خلال الدعم المادي الذي تحدث عنه مركز “ستراتفور” الأمريكي للدراسات الإستراتيجية.

السعي السعودي وراء التعاون مع شيعة العراق، جاء على حساب السنة (ثاني أكبر قوة سياسية في البلاد)؛ حيث يركز السعوديون الآن على إقامة علاقات سياسية يمكنها أن تغير المعادلة بالانتخابات العراقية الجارية.

إيران تدخل على الخط

السعوديون ليسوا اللاعبين الوحيدين خلف الانتخابات النيابية العراقية، فإيران تعبث هي الأخرى من الخلف، لتحول العراق إلى ساحة معركة “مكتومة” بين اللدودين الأشد عداء في المنطقة.

فيتداول الشارع العراقي عن أن إيران قررت حسم موقفها بأن لا يظهر على سطح المشهد في العراق بعد الانتخابات العراقية القادمة إلا الموثوق بهم إيرانيًّا.

وعليه، تتّسع دائرة المخاوف من تزوير الانتخابات المقرّرة لشهر مايو المقبل، لتشمل مشاركين كبارًا في العملية السياسية وفاعلين رئيسيين فيها، بسبب رسوخ فكرة أنّ الفوز في تلك الانتخابات يجب أن يكون لفئة بعينها، تحت أي ظرف، ومهما كانت الوسائل التي ستُعتمد لتحقيق ذلك.

وتتداول أوساطًا من داخل العائلة السياسية الشيعية -وفق تقرير نشرته جريدة العرب- أنباء بشأن “قرار إيراني حاسم” بأن تذهب رئاسة الوزراء والمناصب الهامّة في الدولة بعد الانتخابات القادمة للموثوق بولائهم الكامل لطهران، في ظلّ اشتداد المنافسة على النفوذ في البلد، وعودة قوى عربية بقوّة إلى الساحة العراقية مثل السعودية والإمارات.

ويُطرح في هذا السياق اسم زعيم منظمة بدر، “هادي العامري”، كـ”مرشح رئيسي” في مواجهة رئيس الوزراء الحالي، “حيدر العبادي”، غير المضمون لدى إيران؛ بسبب ما يظهره من سمات اعتدال، وسعي لإدخال نوع من التوازن على علاقات العراق مع باقي بلدان الإقليم.