العدسه _ منصور عطية

توقيت مريب، أعلنت فيه المملكة المغربية قطع علاقاتها الدبلوماسية مع إيران، تحت لافتة دعم حزب الله اللبناني لجبهة البوليساريو التي تُنازِع الرباط على إقليم الصحراء الغربية.

اتجاهان ذهبت إليهما التحليلات السياسية في محاولة وضع القرار المغربي في سياقه والبحث عن دوافعه ومبرراته؛ أولهما احتمال وجود ضغط سعودي على الرباط بسبب موقفها من الأزمة الخليجية، والثاني توتر العلاقات مع الجارة الجزائر المتهم الأولى من قبل المغرب في دعم البوليساريو.

اتهامات مرفوضة

وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي المغربي، ناصر بوريطة، قال في مؤتمر صحفي، مساء الثلاثاء: إنّ الرباط ستغلق سفارة إيران وتطرد سفيرها، متهمًا حزب الله اللبناني بالضلوع في إيصال الأسلحة إلى جبهة البوليساريو.

وأضاف: “كانت أول شحنة من الأسلحة مؤخرًا” وقد أُرسلت إلى الجبهة المدعومة من الجزائر عبر عناصر في السفارة الإيرانية بالجزائر، مشيرًا إلى “أن مسؤولًا في حزب الله في سفارة إيران بالجزائر كان ينسق بين مسؤولين في حزب الله وجبهة البوليساريو، وهذا لا يمكن أن يكون دون علم الجمهورية الإسلامية”.

وتابع بوريطة: “مسؤولون كبار من حزب الله زاروا تندوف (مقر جبهة البوليساريو) في 2016 لالتقاء مسؤولين عسكريين في البوليساريو”.

من جانبه نفى حزب الله ما قال، إنها “مزاعم واتهامات” جملة وتفصيلًا، وأضاف في بيان أنه “يعتبر أنه من المؤسف أن يلجأ المغرب بفعل ضغوط أمريكية وإسرائيلية وسعودية لتوجيه هذه الاتهامات الباطلة، ويرَى أنه كان حَرِيًّا بالخارجية المغربية أن تبحث عن حجة أكثر إقناعًا لقطع علاقاتها مع إيران”.

وسبق للمغرب أن قطع علاقاته الدبلوماسية مع إيران مطلع عام 2009، عقب احتجاج من المغرب على تصريحات إيرانية اعتبرتها الرباط غير مقبولة إثر تضامنها مع البحرين في الأزمة التي نشبت مع طهران حينها.

وتمتد الصحراء الغربية على مساحة تبلغ 266 ألف كلم مربع، ولها ساحل على المحيط الأطلسي يمتد 1100 كلم، وتعدّ المياه المقابلة له من المناطق الغنية بالأسماك.

وتدير المغرب الصحراء الغربية التي كانت مستعمرة إسبانية سابقة، والتي تطالب جبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر، باستقلالها عن المغرب.

وخاضت الجبهة صراعًا مسلحًا مع السلطات المغربية بعد انسحاب إسبانيا من المنطقة في عام 1974 تواصل حتى عام 1991؛ حيث نجحت الأمم المتحدة في عقد اتفاق لوقف إطلاق النار في المنطقة الصحراوية.

ويعتبر المغرب الصحراء الغربية جزءًا من ترابه الوطني ويقترح منحها حكمًا ذاتيًا، إلا أنّ البوليساريو تصرّ على إجراء استفتاء على الانفصال.

الإعلان المغربي يأتي بعد شهر من تهديدات أطلقتها الرباط بشنّ حرب ضد الجزائر وجبهة البوليساريو، وقالت في رسالة للأمم المتحدة: إنّ “إقامة أي بنية مدنية أو عسكرية أو إدارية- أو أيًا كانت طبيعتها، للبوليساريو، من مخيمات تندوف في الجزائر إلى شرق الجدار الأمني الدفاعي للصحراء- تشكل عملًا مؤديًا إلى الحرب”.

قبلها أكّد رئيس الحكومة المغربية “سعد الدين العثماني” أنَّ بلاده “لم ولن تسمح بتغيير المعطيات على أرض الواقع بالمنطقة العازلة (في الصحراء الغربية) خاصةً ما يتعلق بتشييد بعض البنايات”، واعتبر، في تصريحات صحفية، أنَّ أي تغيير للمعطيات في المنطقة المذكورة بمثابة اعتداء على المغرب وسيادته الوطنية.

ترحيب خليجي “فائق السرعة”

وبقدر ما كان توقيت القرار المغربي مريبًا كانت ردود الأفعال الصادرة من دول حصار قطر مريبة من حيث سرعتها، إلى الحدّ الذي بدت فيه وكأنها كانت جاهزة مسبقًا، وأن تلك الدول كانت على علم بالقرار وتوقيت إعلانه.

السعودية أعربت عن دعمها للمغرب في قطع علاقاته الدبلوماسية مع إيران، وأكدت وقوفها إلى جانب المغرب “في كلّ ما يهدده”.

ونقلت وكالة الأنباء السعودية الرسمية “واس” عن مصدر مسؤول في وزارة الخارجية قوله: إنّ “المملكة العربية السعودية تقف إلى جانب المملكة المغربية الشقيقة في كل ما يهدِّد أمنها واستقرارها ووحدتها الترابية”.

وأضاف المصدر، أنّ الحكومة السعودية “تدين بشدة التدخلات الإيرانية في شؤون المغرب الداخلية من خلال أداتها ميليشيا حزب الله الإرهابية التي تقوم بتدريب عناصر ما يسمى بجماعة (البوليساريو) بهدف زعزعة الأمن والاستقرار في المملكة المغربية الشقيقة”.

وزير الخارجية السعودي ​عادل الجبير​ اعتبر أنّ “ما فعلته ​إيران​ في ​المغرب​ عبر ​حزب الله​ بتدريب البوليساريو خير دليل على تدخلاتها”، مؤكدًا أن “إيران تعمل على زعزعة أمن ​الدول العربية​ والإسلامية بتدخلها في شؤونهم الداخلية”.

وفي أول تعليق، غرد وزير الخارجية البحريني، خالد بن أحمد، عبر حسابه على تويتر: “نقف مع المغرب في كل موجب كما يقف معنا دائمًا”.

وتابع: “نؤيد بقوة قراره الصائب بقطع العلاقات مع إيران، نتيجة دعمها لأعداء المغرب، بالتعاون مع حزب الله الإرهابي”.

من جانبه، قال أنور قرقاش، وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتية: “نقف مع المغرب في حرصها على قضاياها الوطنية وضد التدخلات الإيرانية في شؤونها الداخلية”.

وأضاف في تغريدة على تويتر: “سياستنا وتوجهنا الداعم للمغرب، إرث تاريخي راسخ، أسّس له الشيخ زايد والملك الحسن، رحمهما الله، وموقفنا ثابت في السراء والضراء”.

مقايضة سعودية مشبوهة

هذا الترحيب الخليجي فائق السرعة بقدر ما يثير الريبة، فإنَّه يضع العديد من علامات الاستفهام حول علاقة دول حصار قطر، ومن ثم الأزمة الخليجية بالقرار المغربي.

المغرب أعلن موقفه من الأزمة الخليجية بعد اندلاعها بنحو أسبوع كامل، معلنًا الوقوف على الحياد وعدم الانحياز إلى طرف دون الآخر، ودعاها في بيانها لضبط النفس والتحلِّي بالحكمة، مشددًا على تفضيل المملكة المغربية لحياد بنّاء “لا يمكن أن يضعها في خانة الملاحظة السلبية لمنزلق مقلق بين دول شقيقة”.

بطبيعة الحال، فإنَّ دول حصار قطر التي تتمتع بعلاقات قوية مع الرباط (مثل كون المغرب هي وجهة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز السنوية لقضاء عطلته الصيفية)، اعتبرت هذا الحياد انحيازًا للدوحة، الأمر الذي ترتب عليه توترات شابت تلك العلاقات على مدار العام المنصرم.

الربط بين كل تلك الأمور المتشابكة (ردود الأفعال لدول الحصار، موقف المغرب من الأزمة) فضلًا عن اتهام حزب الله في بيانه السابق، يشير إلى ترجيح احتمالية أن يكون المغرب الواقع تحت وطأة أزمة اقتصادية طاحنة رضخ لضغوط سعودية في هذا الشأن.

ورغم أنَّ الرياض أعلنت في أوقات سابقة عن دعم المغرب في قضية النزاع مع جبهة البوليساريو، إلا أنّ المعادلة الجديدة ربما تضمنت نوعًا من المقايضة، ففي مقابل القرار المغربي بقطع العلاقات، سوف تحظى الرباط بدعم اقتصادي كبير من دول الحصار، فضلًا عن مساندة سياسية قوية في قضية الصحراء الغربية سواء ضد البوليساريو أو حتى الجزائر.

ووفق هذا التصور، فإنَّ المغرب يبدو أنّه اختار بشكل صريح للغاية الاصطفاف بجانب معسكر الحصار، وربما نرَى في الفترة القادمة تطورات أخرى في الموقف المغربي بما يتماهى مع هذا المعسكر.

وليس ببعيد عن ذلك الأزمة التي فجّرها تركي آل الشيخ رئيس هيئة الشباب والرياضة السعودية والمستشار بالديوان الملكي، قبل أكثر من شهر، بشأن عدم دعم بلاده لملف استضافة المغرب لكأس العالم 2026.

وكتب آل الشيخ: “لم يطلب أحد أن ندعمه في ملف 2026، وفي حال طُلب منا سنبحث عن مصلحة المملكة العربية السعودية، واللون الرمادي لم يَعُد مقبولًا لدينا”.

وأضاف، في تغريدة أخرى اعتبرت انتقادًا سعوديًا لموقف المغرب الحيادي من الأزمة الخليجية: “هناك من أخطأ البوصلة، إذا أردت الدعم فعرين الأسود في الرياض هو مكان الدعم، ما تقوم به هو إضاعة للوقت، دع “الدويلة” تنفعك…! رساله من الخليج إلى المحيط”.

وتقدم المغرب بطلب رسمي لاستضافة مونديال 2026 متنافسًا مع ملف مشترك بين الولايات المتحدة الأمريكية وكندا والمكسيك، وسيصوت أعضاء الفيفا في 13 يونيو المقبل على البلد الذي سيحظى بشرف التنظيم.