نشرت صحيفة “لوموند أرب” مقالا حول الدول العربية التي تجمعها علاقات بإسرائيل، ومدى تأثر هذه العلاقات بعد الحرب التي شنتها الأخيرة على قطاع غزة خاصة مع الإمارات.
وفي إشارة إلى التصعيد الذي استمر 11 يوما بين قوات الاحتلال وحماس، قالت الصحيفة: إنه التحدي الرئيسي الأول الذي واجه دولة الإمارات منذ توقيع اتفاقات إبراهام في 15 سبتمبر/ أيلول 2020 للتطبيع مع إسرائيل.
وأوضحت أن العلاقات، التي ظلت جيدة لعدة أشهر بين إسرائيل والإمارات منذ توقيع الاتفاق، اهتزت بسبب حركة الدعم الواسعة لفلسطين التي ظهرت في العالم العربي وأيضا في جزء كبير من اليسار الغربي منذ عودة القتال في غزة.
وأضافت “ومع ذلك، فإن جميع المؤشرات تشير إلى أن اتفاقات إبراهام، التي ألزمت الأطراف أيضًا بالمشاركة بقوة في تسوية النزاعات، ستنجو من الأزمة الحالية”، ولن تتأثر لأن المصالح الثنائية كبيرة بين البلدين اللذين لا يريدان العودة إلى نقطة الصفر في علاقاتهما الثنائية.
وذكّرت الصحيفة بأنه في 13 أغسطس/ آب 2020، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بفخر عن التوصل لتوقيع معاهدتي سلام بين دولتين عربيتين وإسرائيل، هما الإمارات والبحرين، وتم التوقيع في 15 سبتمبر/ أيلول في البيت الأبيض في مراسم لا تختلف عن اتفاق كامب ديفيد الذي وقعته مصر في 17 سبتمبر/ أيلول 1978.
ونوهت بأنه هذا الحدث الذي وصف بالتاريخي، جاء بعد تقارب طويل الأمد بين الإمارات وإسرائيل، وفي ظل ميل متزايد للدول الإسلامية للتطبيع بشكل رسمي أو غير رسمي مع دولة الاحتلال.
ولفتت إلى أنه بعد الاتفاق فقط إلى جانب السلطة الفلسطينية وحماس، نددت إيران وتركيا باتفاقات إبراهام التي حظيت بترحيب عالمي.
وبينت “لوموند أراب” أن إطلاق أبرهام على الاتفاق، في إشارة إلى نبي الله إبراهيم، يأتي في إطار رغبة الإمارات أن تكون أرضا للحوار والتسامح بين الأديان، وروجت له باستقبال البابا فرانسيس في فبراير/ شباط 2019، وأيضا مضاعفة علامات الصداقة للمجتمع اليهودي من خلال جذب “سياحة الكوشر”.
وأكدت الصحيفة أنه في عام 2018، تم إنشاء المجلس اليهودي في الإمارات (JCE) لتوحيد الجالية اليهودية في بهذا البلد وتعزيز علاقاتها مع النظام.
وبحسب جيرار فسبير، باحث مشارك في مؤسسة دراسات الشرق الأوسط (FEMO) : الخطوط الأساسية للسياسة الدولية لدولة الإمارات العربية المتحدة هي التوازن والوساطة والبحث عن اتفاق، مثلها مثل جارتها عمان”.
وتابع يتضح هذا من خلال تقارب الإمارات مع الصين، ومع روسيا، دون التضحية بعلاقاتها الوثيقة مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
وتقول الصحيفة إن اتفاق إبراهام بعث بإشارة إلى بقية العالم الإسلامي، ففي أكتوبر/ تشرين أول 2020، وقعت السودان اتفاقًا لتطبيع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل، ثم جاء دور المغرب لإبرام إعلان ثلاثي مشترك مع إسرائيل والولايات المتحدة في نهاية 2020. وحققت كل من هذه الدول، بعد توقيع هذه الاتفاقيات، مكاسب استراتيجية قوية.
فالسودان شُطب اسمه من القائمة السوداء للولايات المتحدة، تمهيداً لإعادة اندماجه في النظام المالي الدولي، وبالنسبة للمغرب، فإن اعتراف الولايات المتحدة بسيادتها على الصحراء الغربية المتنازع عليها بشدة “هدية” ذات قيمة استراتيجية لا تقدر بثمن.
وترى الصحيفة أن كل الأحداث تشير إلى أن الدول الإسلامية الأخرى قد تميل، بدافع الاهتمام، إلى إضفاء الطابع الرسمي على العلاقات، الموجودة بالفعل في كثير من الأحيان خلف الكواليس، مع إسرائيل.
فالتطبيع، إذا لم يخلو من دوافع خفية لخدمة الذات، يمكن أن يكسر أحد المحرمات ويمهد الطريق أمام ديناميكية لتسوية أكثر شمولاً للقضايا في المنطقة.
اعتبارات أمنية
لكن بداية شهر العسل العربي الإسرائيلي توقف منذ تصاعد النزاع المسلح في غزة، تقول “لوموند أراب”، فالإمارات التي ظلت متحفظة، لم تكن صامتة تمامًا، وفي 8 مايو/ أيار، دعت إسرائيل إلى “تحمل نصيبها من المسؤولية عن وقف التصعيد”.
وبحسب أنييس لوفالوا، باحثة في مؤسسة البحوث الاستراتيجية (FRS) ، يمكن تفسير عوامل التقارب الإماراتي مع إسرائيل جزئيًا من خلال الاعتبارات الأمنية “فإسرائيل والإمارات يتشاركان نفس الأهداف: محاربة إيران والإخوان المسلمين”.
وبينت أن اتفاقات إبراهام تؤكد الانقسام المتزايد، إن لم يكن العداء الصريح، بين الملكيات السنية وإيران الشيعية، التي تدعم عسكريا وماليا حماس والجهاد الإسلامي في فلسطين.
أما بالنسبة للإمارات، فإن الإخوان المسلمين، مثلهم مثل جميع حركات الإسلام السياسي، هم العدو الأول، إذ تم تصنيف جماعة الإخوان المسلمين على أنها منظمة إرهابية منذ عام 2014 من قبل أبوظبي.
وتساءلت الصحيفة هل تعكس اتفاقيات إبراهام، عدم اهتمام متزايد من الملكيات السنية بالقضية الفلسطينية؟ مجيبة ليس بالضرورة، لأن السعودية ما زالت ترفض أي شكل من أشكال التطبيع، وجزء من العائلة المالكة، وخاصة كبار السن منهم، مرتبط بشدة بالقضية الفلسطينية لأسباب تتعلق بالاستقرار الداخلي قبل كل شيء.
وتقول أنييس لوفالوا “ولي العهد الأمير محمد بن سلمان يعرف جيدًا أنه إذا وقع هذه الاتفاقيات، فإنه سيخاطر بمواجهة معارضة شديدة من شعبه”.
أما فرانسوا عيسى توازي، الدبلوماسي الفرنسي المتخصص في شؤون العالم العربي، فيؤكد على أن السعوديين “متمسكين بشدة بروح خطة الملك عبد الله للسلام التي لا تزال قائمة حتى الآن، وهي وبالنسبة لهم قاعدة العمل الوحيدة الممكنة”.
هدف رئيسي
أما بالنسبة للنظام الإماراتي فإنه لا يواجه أي تحديات داخلية بالنسبة للتطبيع مع إسرائيل، أولاً، لأن 90٪ من السكان التسعة ملايين هم من الأجانب.
ثانياً، لأن السكان الأصليين، الذين يخضعون لرقابة شديدة، يتمتعون بمستوى معيشي ممتاز وليس لديهم خبرة حقيقية في التعبئة السياسية، ويبدو أن يوجد تعاطفًا حقيقيًا مع الإسرائيليين هناك.
وترى أنييس لوفالوا أن “الهدف الرئيسي لدولة الإمارات من توقيع هذه الاتفاقية هو الحصول على الأمن الذي يمكن أن تقدمه إسرائيل علانية، فالتعاون في القضايا الأمنية أمر حيوي بالنسبة للإمارات”.
لكن هل تخشى الإمارات أن يكون لهذه الاتفاقيات تداعيات أمنية على أراضيها، بتوجيه من إيران أو الحركات الفلسطينية؟ من غير المحتمل، وفقًا لفرانسوا عيسى توازي، الذي يؤكد أن “أبوظبي لديها نظام أمني متطور للغاية، وقد استثمرت الكثير في هذا القطاع وتمكنت من الحصول على أفضل التقنيات”.
وخلصت الصحيفة إلى أن الإمارات ليست على وشك التخلي عن المكاسب الاستراتيجية الكامنة في صفقتها مع إسرائيل، بالإضافة إلى الحصول على 50 طائرة مقاتلة أمريكية من طراز F-35، فقد استحوذوا على 22 ٪ من حقل غاز تمار قبالة الساحل الإسرائيلي.
كما وقع البلدان مجموعة من الاتفاقيات الإطارية حول موضوعات حيوية لتنويع اقتصاداتهما مثل العلوم والتكنولوجيا والزراعة والسياحة.
ووتختتم الصحيفة تقريرها بتأكيد فرانسوا عيسى توازي “يبدو أن الإمارات وإسرائيل على استعداد للمضي قدمًا وتطوير التعاون في قطاعات متنوعة مثل الأمن السيبراني أو المياه”.
للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا
اضف تعليقا