ترجمة مقال للصحفية  Nahal Toosiفي مجلة بوليتيكو

يريد كثيرون قتل الزعيم السعودي، هكذا يحاول أن يروج بن سلمان للمجتمع الدولي في محاولة لكسب ضمانات بحمايته، لكن هل يستخدم مثل هذه التهديدات كوسيلة لحمل الولايات المتحدة على الضغط على إسرائيل بشأن دولة فلسطينية مستقبلية؟

ذكر الأمير السعودي لأعضاء الكونغرس أنه يعرض حياته للخطر من خلال السعي إلى صفقة كبرى مع الولايات المتحدة وإسرائيل تتضمن تطبيع العلاقات السعودية الإسرائيلية. في إحدى اللقاءات مع المشرعين الأمريكيين، استشهد محمد بن سلمان بأنور السادات، الرئيس المصري الذي اغتيل بعد إبرام اتفاق سلام مع إسرائيل، متسائلاً عما فعلته الولايات المتحدة لحماية السادات. كما ناقش التهديدات التي يواجهها في شرح سبب وجوب أن تتضمن أي صفقة من هذا القبيل مسارًا حقيقيًا إلى دولة فلسطينية – خاصة الآن بعد أن أدت الحرب في غزة إلى تفاقم الغضب العربي تجاه إسرائيل.

وحسب مسؤول أميركي سابق -مطلع على المحادثات- وشخصان آخران، طلبوا جميعًا عدم الكشف عن هويتهم، فإن ولي العهد يبدو عازمًا على إبرام الصفقة الضخمة مع الولايات المتحدة وإسرائيل على الرغم من المخاطر المترتبة عليها، إذ أنه يرى أنها حاسمة لمستقبل بلاده، لكن مع ذلك، شبح مصير أنور السادات يلاحقه، والخوف من التعرض للاغتيال يحول بين المضي قدمًا في هذه الصفقة، لذلك فهو يريد من الولايات المتحدة ضمان بحمايته.

ظهرت الخطوط العريضة للاتفاقية السرية إلى حد كبير والتي لا تزال قيد التطوير في تقارير مختلفة، وهي تتضمن التزامات أميركية متعددة تجاه السعوديين، بما في ذلك الضمانات الأمنية من خلال معاهدة، والمساعدات في برنامج نووي مدني، والاستثمار الاقتصادي في مجالات مثل التكنولوجيا. ووفقًا لبعض التقارير، في المقابل، ستحد المملكة العربية السعودية من تعاملاتها مع الصين، كما ستنشئ علاقات على كافة الأصعدة مع إسرائيل – وهي نعمة كبيرة للإسرائيليين نظرًا لأهمية المملكة العربية السعودية بين الدول الإسلامية.

وقال أحد الأشخاص المطلعين على المحادثات التي أجراها محمد بن سلمان مع الزعماء الإقليميين والأمريكيين: “لقد قالها على النحو التالي: “إن السعوديين يهتمون بإقامة دولة فلسطينية، والشارع في جميع أنحاء الشرق الأوسط يهتم بهذا الأمر بشدة، ولن تكون ولايتي كحارس للأماكن المقدسة للإسلام آمنة إذا لم أعالج القضية الأكثر إلحاحًا المتمثلة في العدالة في منطقتنا”.

تحدث كذلك عن الخوف من تعرضه للاغتيال. لقد فكرت بالطبع في الصحفي الراحل جمال خاشقجي، الذي يُتهم محمد بن سلمان بإصدار الأمر بقتله، والآن محمد بن سلمان هو الذي يخشى على حياته؟ هل هذه مفارقة؟

كما تذكرت العديد من التقارير السابقة حول تجاهل محمد بن سلمان معاناة الفلسطينيين، حيث رأى أن قضيتهم تبطئ التقدم العربي… لقد تساءلت لماذا التهديد الذي يواجهه الآن أكثر خطورة من التهديدات التي واجهها منذ فترة طويلة: لقد دفع بتغييرات اجتماعية دراماتيكية في المملكة العربية السعودية، وتجاهل العديد من أقاربه ورجال الدين الإسلاميين المحافظين الذين لا شك أنهم غاضبون من ذلك.

لكن كلما فكرت في الأمر وتحدثت إلى أشخاص أكثر خبرة مني، كلما أصبحت أرى أن تأطير محمد بن سلمان للموقف هو استراتيجية تسويق دبلوماسية ذكية: فهو يقول إن حياته في خطر لدفع المسؤولين الأميركيين إلى زيادة الضغط على إسرائيل للخضوع لصفقة ترضيه.

إن القول بأنك تخاطر بحياتك من أجل صفقة قد تكون تاريخية هو بالتأكيد طريقة مقنعة لجذب انتباه محاوريك.

إن صنع السلام عمل خطير، وهذا صحيح بشكل خاص في الشرق الأوسط، حيث كان محمد بن سلمان حتى قبل حرب غزة يقامر باللعب بفكرة إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل.

“إنها طريقة أخرى للقول بأن هذا قرار بالغ الأهمية بالنسبة لي، لهذا السبب أحتاج إلى شيء في المقابل”، هكذا قال دينيس روس، أحد كبار المفاوضين في شؤون الشرق الأوسط والذي عمل مع العديد من الرؤساء الأميركيين.

في ذات السياق، أخبرني أحد كبار المسؤولين السعوديين أن محمد بن سلمان يعتقد أنه بدون حل القضية الفلسطينية، فإن بلاده لن تستفيد في نهاية المطاف من الفوائد الاقتصادية والتكنولوجية والعسكرية المفترضة للصفقة الشاملة، وذلك لأنه “لن يكون لدينا أمن واستقرار إقليمي دون معالجة القضية الفلسطينية”، كما قال المسؤول.

سواء أحببنا ذلك أم لا، فإن الصفقة الضخمة التي يجري العمل عليها قد تغير الشرق الأوسط بشكل كبير، وخاصة من خلال رؤية إسرائيل والمملكة العربية السعودية تعملان كجبهة موحدة ضد إيران.

نظرًا للتقويم الانتخابي، والحاجة إلى تصديق مجلس الشيوخ على أي معاهدة معنية، فإن الصفقة لن تصبح حقيقة في أي وقت قريب، لكنني أتوقع أنه بغض النظر عما إذا كانت نائبة الرئيس كامالا هاريس أو الرئيس السابق دونالد ترامب سيفوزان برئاسة الولايات المتحدة في نوفمبر/تشرين الثاني، فإن أيًا منهما سيظل يسعى إلى توقيع هذه الصفقة.

مع ارتفاع حصيلة القتلى في غزة – حوالي 40 ألفًا الآن- ثارت الشعوب العربية ضد الفظائع الإسرائيلية، في واحدة من أحدث موجات الغضب التي اجتاحت جميع أنحاء المنطقة التي يسكنها شعوب تحتقر إسرائيل بسبب احتلالها لعقود من الزمن للأراضي الفلسطينية.

ولكن من المدهش أن كبار اللاعبين المعنيين لم يتخلوا عن الصفقة ــ معتبرين إياها بالغة الأهمية لاستقرار المنطقة على المدى الطويل، ومع ذلك، كان لزاما على بعض العروض المطروحة على الطاولة أن تتغير.

قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول، استعان المفاوضون بقادة فلسطينيين لمعرفة ما يمكن أن يشمل شعبهم في الصفقة، وهو ما أشار إليه لي مسؤول كبير في إدارة بايدن عندما طلبت التعليق من البيت الأبيض على هذا العمود.

في تلك المرحلة، ربما كانت بعض التنازلات الصغيرة ــ اتفاقيات لمحادثات مستقبلية أو شيء من هذا القبيل ــ كافية لإرضاء السعوديين، ولكن الآن أصبح المطلب “مسار واضح لا رجعة فيه” نحو إقامة دولة فلسطينية.

محمد بن سلمان هو مستبد قمع المعارضة السياسية، لكنه لا يزال يهتم بالرأي العام، والقضية الفلسطينية حساسة بشكل خاص لأنها تؤذيه مع السعوديين الأصغر سنا الذين يدعمون إصلاحاته الاجتماعية ويوفرون حصنا ضد المتشددين الدينيين والعائلة المالكة الذين يعارضونه.

“إنه يتمتع بشعبية كبيرة بين جمهور الشباب تم تنشيطها بطرق عديدة، وتحفيزها من خلال أول صراع كبير بين الإسرائيليين والفلسطينيين شهده الكثير منهم في حياتهم… لا يتطلب الأمر أن تكون داخل رأسه لفهم أن هذا سيثقل عليه”، كما أخبرني مسؤول كبير ثانٍ في إدارة بايدن.

لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تعهد بعدم السماح أبدًا بإنشاء دولة فلسطينية، كما فعل أعضاء اليمين المتطرف في ائتلافه الحاكم.

حتى الآن، هناك القليل من الأدلة على أن الضغوط الخارجية ستغير رأي نتنياهو – حتى مطالب الرئيس جو بايدن لم تقنع نتنياهو بوضع خطة جادة لكيفية التعامل مع غزة بعد الحرب، ناهيك عن الفلسطينيين ككل.

لقد طلبت من المسؤولين الإسرائيليين التعليق، وكان أفضل ما قدمه أحدهم:

“إن فهمنا هو أن حكومات الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية وإسرائيل مهتمين جميعًا بالمضي قدمًا نحو صفقة تغطي القضايا الثنائية بين الولايات المتحدة والسعودية والتطبيع بين إسرائيل والسعودية. ومع ذلك، فإن الأمر يتطلب شروطًا معينة لتحقيق مثل هذه الصفقة، والتي ليست كلها موجودة حاليًا”.

إذن، ليس من الواضح ما إذا كانت استراتيجية محمد بن سلمان المتمثلة في التأكيد على المخاطر التي يخوضها ستقنع نتنياهو بأنه يجب عليه أيضًا المخاطرة، خاصة وأن رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين شخصية أخرى من الشرق الأوسط اغتيلت بسبب سعيه إلى السلام.

للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا