كتب- باسم الشجاعي:
يبدو أن القاهرة والخرطوم، قررا دفن الأزمات بينهما “مؤقتا”، وذلك على حساب المعارضة السودانية المتواجدة في مصر.
ووفقا لما كشف موقع “News Deeply” الأمريكي، فإن “صفقة سرية” تمت بين السودان ومصر، تلاحق بموجبها
أجهزة الأمن في القاهرة عددا من اللاجئين السودانيين من منتقدي النظام المقيمين لديها.
ومن المرجح أن تكون الصفقة التي أشار لها الموقع الأمريكي، جاء خلال زيارة قائد الانقلاب المصري “عبد الفتاح السيسي”، إلى العاصمة السودانية الخرطوم في 19 يوليو 2018؛ للقاء نظيره السوداني عمر البشير.
فزيارة “السيسي” الأخيرة للسودان، سبقها حالة من استقرار الأجواء بين القاهرة والخرطوم حيال القضايا الخلافية على رأسها أزمة مثلث “حلايب وشلاتين”.
الحسابات الأمنية أولا
ومن بوابة الأمن، أخذت الخرطوم –آنذاك- بزمام المبادرة في مغازلة النظام المصري بتسليم عدد من أعضاء الإخوان المسلمين المقيمين في السودان إلى السلطات المصرية.
لتقابله القاهرة بعده بأيام بمنع رئيس حزب الأمة السوداني المعارض “الصادق المهدي” من دخول أراضيها بعد عودته من ألمانيا.
ويعتبر الملف الأمني من أكثر الأمور حساسية بين البلدين من انقلاب الجنزال المصري على الرئيس “الأسبق”، الدكتور “محمد مرسي” –أول رئيس مدني منتخب في البلاد- في صيف 2013؛ حيث تأوي السودان بعض قيادات جماعة الإخوان المسلمين.
كما أصحبت القاهرة منذ 1989، تأوي مقرا لكل المعارضين في السودان، ومع صعود وهبوط العلاقة بين البلدين يزداد هذا الوجود.
واستمرارا على نهج التنسيق الأمني السري بين البلدين، نقل موقع “News Deeply”، عن شخص يدعى “كريم” -اسم مستعار للاجىء سوداني- قوله إن تلقىاتصل من شخص مجهول، في يوليو الماضي –وقت زيارة “السيسي” الأخير للسوادن، وطالبه بالقدوم إلى أحد العناوين في القاهرة، وقال له المتصل إنه يعمل في جهاز الأمن الوطني المصري، وهدده بالقبض عليه إذا لم يحضر”.
وعندما وصل “كريم” إلى المكان، وجد 3 مصريين وسودانيين، فأخذوه إلى غرفة صغيرة في مبنى كبير فارغ، وأجرى المصريون المحادثة، وقالوا لي غادر مصر دون أي ضوضاء ولا تتواصل مع وكالة الأمم المتحدة للاجئين، وأخبرتهم أن الحكومة السودانية ألغت جواز سفري لكنهم لم يهتموا.
و”كريم” واحد من 48 لاجئا سودانيا تطاردهم الخرطوم في مصر، وفقا لقائمة المطلوبين التي سربها أحد المنشقين في السفارة السودانية بالقاهرة.
بالإضافة لـ”كريم”، تعرض 27 آخرين لتهديدات منذ أواخر يونيو، من المخابرات المصرية، التي طالبتهم
بمغادرة البلاد، بينما أمرت آخرون بإنهاء أنشطتهم السياسية أو مواجهة الترحيل من مصر.
والعديد من أولئك الذين تم الاتصال بهم، مثل كريم، اختبأوا.
ولعودة الهاربين إما في مصر أو السوادن، يستلزم أن يكون بينها اتفاقيات لتسليم المجرمين، وهذا ليس موجد بين الطرفين.
وفي هذه الحالة لا يمكن إرغام أي دولة أو مطالبتها بإعادة متهم موجود لديها، وإنما الأمر يخضع لرغبة الدولة نفسها.
ولعل ذلك كان الدافع الرئيسي وراء اجتماع اللجنة الوزارية المشتركة بين السودان ومصر، على مستوى وزراء الخارجية، الذي عقد “الأربعاء” 29 أغسطس.
فقد كشف البيان الختامي للاجتماع، عن منقاشة اتفاقيات تتعلق التعاون القضائي والقانوني وتسليم المجرمين، ولعل ذلك يكشف النقاب عن النية المبية من الطرفين لتسليم المعارضين في أي لحظة فور توقيعها وسريان العمل بها.
سيب وأنا أسيب
وعلى مايبدو أن “السيسي” سيستخدم المعارضة السودانية الموجدة في مصر كـ”ورقة”، كمحاولة لاستمالة الرئيس “البشير” إلى جانب القاهرة في المفاوضات الثلاثية حول سد النهضة الإثيوبي، وخاصة بعد الزيارة الأخير التي قام بها الأول للخرطوم.
ومنذ مايقرب من 3 عقود ومصر لم تفرط في هذه “الكروت” بشكل نهائي؛ حيث تسمح للمعارضة السودانية الموجدة في القاهرة تتحرك على حسب المساحة التي تعطى من قبل السلطات المصرية.
وتسعى مصر لحل أزمة سد النهضة، المثارة منذ 7 سنوات مع إثيوبيا والسودان، المتوافقتين على فائدة السد لكليهما، فيما تتخوف القاهرة على حصتها التاريخية (55 مليار متر مكعب) و90 بالمئة من دخلها المائي، وخاضت مع أديس أبابا والخرطوم 18 جولة من المفاوضات الفنية على مدار نحو 4 سنوات؛ بهدف إيجاد حل فني يقلل مخاوفها.
أما الملف الثاني الذي تحاول مصر استخدامه للضغط على جارتها الجنوبية، بتسليم المطلوبين المصريين الهاربين إلى السودان، وبصفة خاصة من قيادات وأعضاء جماعة الإخوان المسلمين.
وتمثل السودان بالنسبة ملاذا آمنا منذ الانقلاب على الرئيس المصري “الأسبق”، الدكتور “محمد مرسي”، إذ تمكن العشرات من شباب جماعة الإخوان التسلل أو السفر إلى الخرطوم.
وفيما تنفي السودان رسميا التستر على أي مطلوب للقضاء المصري، عادت التكهنات للظهور بشأن تبادل الإخوان المقيمين في السودان بالمعارضين السودايين الموجدين في مصر، فضلا عن التفاوض حلة أزمة مثلث حلايب وشلاتين.
وتطالب الخرطوم بإجراء تفاوض مصري سوداني مباشر حول مثلث حلايب وشلاتين للتوصل إلى ترسيم نهائي للحدود، أو بقبول مصر اللجوء للتحكيم الدولي بشأن السيادة على المثلث الحدودي.
فالإخوان الفارين من جحيم “السييسي” في السودان ليس لهم فعالية، نظرا للظرف والسياق العام في الخرطوم، ولكن من الممكن أن يفعل “البشير” معهم كما يحدث مع المعارضين السودانيين المتواجدين في مصر، بموجب الانقافية السرية المبرمة بين الطرفين، وفق ما كشف الموقع الأمريكي.
وهذا ما حدث بالفعل في مطلع العام الحالي؛ حيث أكدت قيادات في جماعة الإخوان المسلمين المصرية مقيمون في السودان أن السلطات السودانية أخبرتهم، بضرورة مغادرة أراضيها بشكل سريع، ملتزمة في الوقت نفسه بعدم تسليمهم للسلطات المصرية، خاصة الذين صدرت بحقهم أحكام في قضايا سياسية.
وجاء مغادرة القيادات الإخوانية في السودان كنتيجة للاجتماع الرباعي الذي عقده وزيرا الخارجية ورئيسا المخابرات في البلدين –آنذاك”، وذلك وفق ما كشف موقع “عربي 21”.
علاقات متذبذبة
العلاقات المصرية السودانية منذ انقلاب يوليو 2013 امتازت بتقلب شديد، وصلت لحدّ التهديد بالحرب وسحب الخرطوم لسفيرها من القاهرة، إلا أنه سرعان ما عادت العلاقات لهدوئها الحذر بين الطرفين مرة أخرى، لتشهد تقدمًا بالعديد من الملفات المشتركة.
وقد أرجع العديد من المتابعين هذا التطور لرئيس المخابرات المصري الجديد “عباس كامل” الذرع الأيمن لـ”السسيسي” الذي ليّن كثيرًا من المواقف المشتركة بين البلدين بعد زيارات مكوكية قام بها في الأشهر الأخيرة، إلا أنَّ هذا لا يمنع أن النوايا بين الجانبين ليست طيبة تمامًا، في ظل المصالح المشتركة والمتقلبة التي تجمع الشقيقتين الهامتين.
اضف تعليقا