- الاستراتيجيات الجديدة التي اتبعتها دول الخليج العربي مؤخراً مع إسرائيل سوف تتأثر بعد انتخاب حكومة يمينية جديدة، ولكن بدرجات متفاوتة، وغالباً ما ستستند تلك التغيرات إلى قيود داخلية في تلك البلدان
لن تتخلى أي دولة خليجية عن علاقتها بإسرائيل، لكنها قد تقلل أو تقلص من تعاملها معها لتجنب أي رد فعل عنيف من الرأي العام، خاصة وأن دول مثل قطر والسعودية وعمان والكويت، محاطون بقيود محلية ودولية ليست هينة
دول كالإمارات والبحرين من المرجح أن يحافظوا على علاقتهم بإسرائيل كما هي في مسارها، وأن يصبحوا أكثر قدرة على إعادة تشكيل الجوانب السياسية والدبلوماسية التي تربط الخليج بإسرائيل
خلفية
بعد سنوات من عداءها التاريخي، ارتبطت العديد من دول الخليج العربي مؤخراً علاقات مع إسرائيل على الأصعدة الاقتصادية والثقافية والفكرية والسياسية، وقد بُنيت هذه العلاقات على كراهية مشتركة من الطرفين تجاه إيران، واعتراف تلك الدول بتناقص المنافع العائدة عليها بدفاعها عن القضية الفلسطينية.
ولكن ومع ظهور حكومة يمينية جديدة في إسرائيل تسعى لتنفيذ سياسات وأفكار لطالما عارضتها دول الخليج العربي، ستمر تلك العلاقات بفترة اختبار، وعلى الأغلب سيتقلص تنامي فرص الشركات الراغبة في التواجد في كلا المكانين.
من المرجح أن يعود رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحكومته اليمينية إلى السلطة خلال هذا الشهر أو الشهر المقبل على أقصى تقدير، وبحدوث هذا، ستدخل العلاقات الخليجية-الإسرائيلية فترة اختبار، على الرغم من ان دول الخليج العربي كانت في طريقها لتوطيد علاقتها بإسرائيل، إلا أن الحكومة اليمينية الجديدة تتبنى سياسات تتحدى المصالح التقليدية لدول الخليج، ما سيؤثر لا محالة على شكل تلك العلاقات.
كل دولة خليجية لديها ما يكفي من الأسباب الاقتصادية والأمنية والدبلوماسية للمضي قدماً في توطيد علاقتها بإسرائيل وإعطاء تلك الجهود الأولوية اللازمة، على الرغم من قيام إسرائيل بسلسلة من الإجراءات تدعمها بعض الخطابات والتصريحات، التي ربما في ظروف أخرى تضطرهم إلى قطع التواصل معها، إلا أن دول الخليج تستبعد هذه الفكرة.
سيواصل الجيران الخليجيون إحراز مزيداً من التقدم في تطبيع العلاقات مع إسرائيل، لكن هذا التقدم الآن سيمر بفترة تباطؤ لأن دول الخليج مضطرة لأن تعترض على سياسات إسرائيلية معينة، كالضم المحتمل لأجزاء من الضفة الغربية، أو قيامهم بعمليات عسكرية عنيفة ضد حماس في غزة.
خطوات نحو علاقات أفضل
تطورت العلاقات الإسرائيلية-الخليجية بشكل كبير منذ فرض الحظر على الطاقة التي قامت به دول الخليج ضد إسرائيل في 1973، إلا أن تلك العلاقات خرجت للنور خلال إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
تعمل واشنطن الآن جاهدة من أجل تكوين تحالف أكثر تماسكاً ضد إيران (الأمر الذي يتطلب تعاوناً إقليمياً)، وحالياً وبفعل التغيرات الديموغرافية، ازداد عدد الشباب العربي الذين لا يحملون نفس العداء تجاه إسرائيل كالأجيال السابقة.
دول مجلس التعاون الخليجي – البحرين والكويت وعمان وقطر والسعودية والإمارات- تتقاسم مخاوف مشتركة بشأن النفوذ الإيراني المتزايد، والذي يمكن مواجهته بمساعدة إسرائيل وشركائها في الغرب، وعلى الرغم من الاختلافات الأيديولوجية التي تجمع الطرفين، فإن معظم دول الشرق الأوسط معترفة بالمنافع التي ستعود عليها في حالة الانفتاح على مجالات التكنولوجيا والتجارة في إسرائيل.
خلال السنوات الأخيرة الماضية، استطاعت كل دولة من دول الخليج العربي أن تجد لنفسها طريقاً لبناء علاقاتها بإسرائيل، إما لأغراض اقتصادية أو لأغراض استراتيجية دبلوماسية.
قطر وعمان يستخدمان إسرائيل كوسيلة في إظهار الفائدة الاستراتيجية للولايات المتحدة الأمريكية، أكبر حلفاء إسرائيل، وربما هذا ما دفع عُمان لاستضافة نتنياهو في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، في محاولة من مسقط لنزع فتيل الانتقادات الموجهة لها بأن علاقاتها المحايدة مع إيران تهدد المصالح الأمريكية.
أما قطر، والتي كانت هدفاً لهجمات دبلوماسية في واشنطن من قبل السعودية والإمارات، عبرت عن أهمية إسرائيل بالنسبة لها (وبالتبعية الولايات المتحدة) من خلال تقديم المساعدات إلى قطاع غزة من جهة، والتوسط لإيجاد حل بين إسرائيل وحُكام غزة، حماس، من جهة أخرى.
من جهة أخرى، سعت السعودية والإمارات والبحرين إلى توطيد علاقاتهم بإسرائيل في محاولة منهم للحد من تزايد النفوذ الإيراني في العراق وسوريا ولبنان. تعاونت هذه البلدان في مجال التكنولوجيا وخاصة الحرب الإليكترونية (السيبرية)، وازدادت الزيارات الثقافية والاقتصادية لممثلي كلا الطرفين، وبدأوا مرحلة من التعاون الاستخباراتي ضد حزب الله وإيران، وتبنوا خطاباً مشتركاً على المستويين الرسمي والإعلامي.
الإمارات كانت أكثر دول الخليج العربي جرأة في تقديم مبادرات إلى إسرائيل، ومؤخراً أعلن مسؤولوها بصورة رسمية عن عدم اقتناعهم باللجوء لـ “حل الدولتين” وقيمته بالنسبة للفلسطينيين، والذي لطالما سعت الدول العربي للضغط على إسرائيل لقبوله، من جهة أخرى استقبلت أبو ظبي زيارات من مسؤولين إسرائيليين رفيعي المستوى.
في المملكة العربية السعودية، يواصل المسؤولون الشباب، بما فيهم ولي العهد محمد بن سلمان، توطيد العلاقات مع إسرائيل لتحقيق مكاسب اقتصادية وأمنية، وفي الوقت ذاته يتمسك الملك سلمان بالسياسة السعودية التقليدية، والتي تتماشى مع مبادرة السلام العربية لعام 2000، والتي نادت باللجوء لـ”حل الدولتين” كشرط للقبول الإقليمي لإسرائيل.
دولة الكويت لا تمتلك نفس حوافز جيرانها الجيوسياسية لبناء علاقات مع إسرائيل؛ حيادها الإقليمي التقليدي بين العالم العربي وإيران، لم يشكل لها أزمة مع السعودية والإمارات، كما أنه لا يوجد لديها رغبة في أن يُنظر إليها كمنافس عدائي لإيران.
في المقابل، وجدت الكويت في بناء بعض العلاقات التجارية الهادئة مع إسرائيل منفعة في مساهمتها في تحقيق الاستقرار في الاقتصاد الأردني، حيث إن الاستثمار في الأردن له تأثير إيجابي على مصالحها الاقتصادية، كما أن له تأثير جانبي يتمثل في الحفاظ على حدود إسرائيل الشرقية من جهة، وكسب نقاط لدى الولايات المتحدة الحليف الرئيسي للأردن.
ما الذي يتغير؟
عندما بدأت دول الخليج العربي في تحسين علاقتها بإسرائيل في السنوات الأخيرة كانت مستعدة لتبني سياسات إسرائيل الأكثر وسطية، إلا أن المشهد السياسي في إسرائيل نما بصورة طردية مع الأفكار اليمينية القومية المتطرفة خلال العامين الأخيرين، بتشجيع من حكومة أمريكية أكثر دعماً لإسرائيل.
والآن، وصلت حكومة إسرائيلية يمينية أكثر تطرفاً وقومية إلى السلطة، ومن المرجح أن تسعى لتنفيذ حل الدولة الواحدة، والذي ترفضه عدة دول خليجية.
ظاهرياً ائتلاف حكومة نتنياهو لا زال قيد التشكيل، إلا أن ملامح سياسته واضحة، وللمحافظة على الأغلبية البرلمانية- الأغلبية التي يحتاجها لحمايته من الملاحقة القضائية بتهمة الفساد، سيواجه نتنياهو ضغوطاً سياسية من الأطراف اليمينة تجبره على الانصياع للقيم اليمينة القديمة، والتي من ضمنها التحرك لضم الضفة الغربية جزئياً أو كلياً، وزيادة التوسع الاستيطاني في المناطق ذات التواجد الفلسطيني، وأخيراً رفض “حل الدولتين”، ومن المرجح أن تتعامل الحكومة الإسرائيلية الجديدة بصورة أكثر عنفاً مع أزمات غزة.
تلك القرارات ستؤثر على التزامات دول الخليج تجاه إسرائيل، والتي كانت تتنامى وتزداد قوة في الفترة الأخيرة، حيث ستجد دول الخليج نفسها مضطرة للاستجابة للرأي العام الداخلي والذي يدعم القضية الفلسطينية بصورة كبيرة، وعليه فإنه من المحتمل أن تتراجع بعض دول الخليج عن توطيد علاقاتها بإسرائيل، في حين سيواصل البعض الآخر جهوده لعدم وجود ذات الضغوط عليه.
تقييم موقف كل دولة على حدة
لدى عُمان دوافع لتقليل علاقاتها مع إسرائيل، ولكن ليس قطعها، للحفاظ على المكاسب الدبلوماسية التي حققتها مع الولايات المتحدة.
في نوفمبر/تشرين الثاني 2018، تم الإعلان عن زيارة نتنياهو في وسائل الإعلام الرسمية، لكن مع استمرار نتنياهو في الإعلان عن سياسات الضم، فإن بعض العمانيين الغير مؤيدين لتلك السياسات سيدفعون مسقط إلى إعادة النظر في الإعلان عن أي اتصالات تجري مع الجانب الإسرائيلي في وسائل الإعلام الحكومية، من ناحية أخرى لا زالت عُمان متمسكة في الحفاظ على الولايات المتحدة كحليف، وذلك لمنع تنامي نفوذ السعودية والإمارات في واشنطن على حسابها، وبالتالي ستجد مسقط نفسها مضطرة للحفاظ على موقف محايد نسبياً ييسر على إسرائيل التواجد الإقليمي الدبلوماسي، مع التأكد من أن هذه الاتصالات والإجراءات بعيدة عن الأنظار.
من المُرجح أيضاً أن يتباطأ -ولكن لن يتوقف- تقدم مسقط نحو بناء روابط اقتصادية مستقبلية مع إسرائيل كانت ستخلق فرصاً تجارية جديدة.
استراتيجية القوى الناعمة الخارجية لقطر تجد نفسها في تحدي مع الحكومة الإسرائيلية اليمينية، فعلى الرغم من أن الدوحة تسيطر بصورة قوية على عدد سكانها الصغير من الناحية السياسية، ما يعني أنها لن تواجه ردة فعل عنيفة في حال استمر تواصلها مع إسرائيل، إلا أن استراتيجية القوى الناعمة التي تتبعها قطر استخدمت دعمها للقضية الفلسطينية لرفع مكانتها في العالم الإسلامي، عن طريق الوساطة الدبلوماسية، وعن طريق امتلاكها لكيان إعلامي عملاق وهو قناة الجزيرة المملوكة للدولة، والتي تولي القضية الفلسطينية اهتماماً كبيراً.
من جهة أخرى يتعين على قطر الحفاظ على علاقاتها بإسرائيل- إرضاء للولايات المتحدة الأمريكية- وذلك في الوقت الذي تسعى فيه إسرائيل بكل قوتها لضم الضفة الغربية، ليكون عليها إبعاد ذلك التواصل عن الرأي العام، ما يعني ان برامج التوعية الاقتصادية المشتركة ستتأثر بتلك التغيرات وربما يتباطأ العمل فيها أو يتم الحد منها.
عوامل عدة ستجعل من الصعب على الكويت تحقيق مكاسب كبيرة مع إسرائيل في ظل وجود الحكومة المقبلة، أهمهمها الصحافة الحرة، والبرلمان المفتوح، والكثافة العلية للمغتربين الفلسطينيين، ومع ذلك هناك إمكانية لوجود بعض العلاقات التجارية البسيطة، بشرط أن تظل بسيطة حيث ستتعرض الكويت لمخاطر سياسية كبيرة في حال أعلنت عن ارتباطها بعلاقات وطيدة مع الحكومة الإسرائيلية الجديدة.
على صعيد آخر، يمكن للعلاقات الدبلوماسية والتجارية بين الكويت والأردن أن تنمو وتقوى، خاصة وأن الحكومة اليمينية الجديدة تشكل عوامل ضغط على شكل العلاقة الإسرائيلية-الأردنية، ما قد يدفع الأردن بحركاته القومية والإسلامية إلى انتقاد وجود علاقة مع إسرائيل بسبب احتمالية ضم الضفة الغربية.
الاستراتيجية الإماراتية الساعية لتوطيد العلاقات الاقتصادية والأمنية والدبلوماسية مع إسرائيل ستصطدم ببعض العقبات، فالحكومة الإماراتية ليست صاحبة قبضة قوية على أنظمتها السياسية والإعلامية المحلية، غير أن سمعتها الدولية أقل ارتباطاً بدعم قضية الفلسطينية، وفي المقابل تنامت صورة وتواجد إسرائيل داخل الإمارات، خصوصاً معرض اكسبو 2022 الدولي الذي سيُقام في دبي- وستستمر في التنامي، ومع ذلك قد تُقابل العلاقة الإسرائيلية- الإماراتية ببعض المعارضة -ليست ذات ثقل- الموجودة داخل المجتمع الإماراتي وبين بعض المدن الشمالية والعاصمة أبو ظبي، إلا أن الحكومة الإماراتية ستكون قادرة على إدارة هذا التوتر ومواصلة بناء تلك العلاقات، خصوصاً العلاقات التجارية والعلاقات الثقافية القائمة بالفعل.
ستواجه البحرين أيضاً ضغوطات أقل لتغيير استراتيجيتها الحالية المنفتحة -نسبياً- مع إسرائيل، ولكن لأسباب مختلفة تماماً، فالبحرين منقسمة اجتماعياً بين أغلبيتها الشيعية وبين الأقلية السنية الحاكمة، تاركةً القليل من الشرعية المتبقية للنظام الملكي لتخسرها بسبب علاقاتها الاقتصادية والأمنية المتنامية مع إسرائيل.
علاوة على ذلك، فإن الأقلية السنية الملكية تبحث عن أي حلفاء للحفاظ على السلطة ضد التحريض الشيعي الذي ترعاه إيران، وفضلاً عن ان الاقتراب من إسرائيل سيزيد من أهمية البحرين للولايات المتحدة-الضامن الأمني الأهم، فإن امتلاك إسرائيل تكنولوجيا تجسس ومراقبة متقدمة سيفيد النظام البحريني في تصديه لإيران.
موقف السعودية سيكون الأصعب من بين مواقف بقية دول الخليج الأخرى بعد وصول الحكومة الإسرائيلية الجديدة للحكم، وربما هذا ما يفسر تدخل العاهل السعودية والتأكيد علناً على التزام الرياض بمبادرة السلام العربية لعام 2000، وانتقاده قرار الولايات المتحدة بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وتشديده على أن هذه الخطوة إقصاءً للدولة الفلسطينية.
الملك سلمان لا يتحرك بلا دعم؛ والسعوديون بطبيعة الحال وبسبب تواجدهم في مجتمع كبير ومتنوع جغرافياً، فإنهم ومع عملية التغيير الاجتماعية الكبرى التي تقودها الدولة الآن، يظل الكثير منهم متردد بشأن تغيير موقفه من القضية الفلسطينية والتخلي عنها، وكلما أصبحت الحكومة الإسرائيلية أكثر “يمينية”، كلما زادت احتمالية أن السعوديين الذين لا يزالون متعاطفين مع القضية الفلسطينية سوف يؤيدون موقف الملك، على عكس رأيهم في موقف ولي العهد الأمير محمد بن سلمان وحلفائه الذين يسعون لبناء دولة جديدة، قائمة على علاقة منفعة مشتركة بين السعودية وإسرائيل.
في حين أن توطيد العلاقات مع إسرائيل ستستمر بهدوء من خلال اجتماعات سرية، فإن المملكة العربية السعودية سوف تُكافح من أجل تلبية المطالب المتعارضة للقوى الداخلية والخارجية، وعليه فإن الإسرائيليون الذين يحلمون بالتواجد داخل السوق السعودية قد ينتظرون فترة أطول.
بالنسبة لمجتمع التجارة الدولي، سوف تضغط تلك العلاقة لتحديد الكم المتنوع من المؤسسات الإقليمية والعالمية التي يمكن أن تستفيد من توطيد العلاقات والروابط مع إسرائيل.
من المتوقع أن الإمارات والبحرين ستواصل الأعمال والمشاريع التجارية المشتركة بينها وبين إسرائيل، في حين أن البلدات التي يقيدها الرأي العام المحلي مثل قطر والسعودية وعُمان والكويت، سوف تصطدم بعقبات سوف تحبط فرص التجارة والاستثمار متعدد الجنسيات.
للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا
اضف تعليقا