في عام ٢٠٠٦، بعد فوز حركة حماس في الانتخابات البرلمانية الفلسطينية، سمح توني بلير رئيس الوزراء البريطاني آنذاك بشكل استثنائي، لاثنين من كبار أعضاء حركة حماس؛ الدكتور أحمد يوسف المستشار السياسي لإسماعيل هنية والنائب سيد أبو مسامح، بزيارة المملكة المتحدة.  

لقد قاموا بعقد اجتماعات سرية مع أعضاء برلمان المملكة المتحدة وشخصيات مقربة من الحكومة. كما قاموا بجولة أيضًا في جميع أنحاء أيرلندا الشمالية.

هذه المناسبة التي تقام نادرًا كانت تنير فكر الحركة وسلوكها ولو للحظات، كما أنها عززت مكانة الأصوات الهادئة والدبلوماسية داخل حماس وأعطتهم وقودًا كبيرًا لإقناع أقرانهم الأكثر تشددًا بأهمية الحوار والمشاركة. 

وقد مهد هذا الطريق للدكتور يوسف تطوير مبادرة سلام عام ٢٠٠٦ مع المسؤولين السويسريين، ولكن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس اعتبره متساهلًا للغاية، ووصف حزبه هذه المبادرة بأنها “أخطر من وعد بلفور”. 

ولقد قامت المبادرة واستندت على الثقة المتبادلة بدلًا من الوقوع في مشاكل الوضع النهائي، واقترحت أيضًا وقف جميع الأعمال العدائية العنيفة والمقاومة اللاعنيفة لمدة خمس سنوات، في خلالها تنسحب إسرائيل تدريجيًا من بعض الأراضي الفلسطينية المحتلة وتمنح الفلسطينيين حريات أكبر. ولكن المسؤولين الأوروبيين والبريطانييون لم يتخذوا أي موقف من الاقتراح، لذلك لم يذهب إلى أبعد من ذلك. 

كما مارست إسرائيل ضغوطًا شديدة على الحكومة البريطانية لعدم توجيه أي دعوات لحماس مرة أخرى، وأعلن الاتحاد الأوروبي بأكمله بما في ذلك بريطانيا سياسة عدم الاتصال مع حماس. 

صرح بلير في عام ٢٠١٧ باعتراف ينص على “كنا مخطئين في مقاطعة حماس بعد فوزها في الانتخابات”، وكان على المجتمع الدولي أن يحاول “جر حماس إلى الحوار، وفي الواقع انتهى بنا الأمر على كل حال بعمل ذلك بشكل غير رسمي”. 

ولقد ارتكبت حكومة المملكة المتحدة للتو نفس الخطأ مرة أخرى ولكن على نطاق أوسع، حيث قام البرلمان يوم الأربعاء بقرار يحظر حماس برمتها كمنظمة إرهابية، ويعاقب القانون من يتعامل معها. 

لم يكن تصريح بلير بخطئها دليلًا على الإعجاب بحماس، لقد كان بالأحرى إدراكًا عمليًا بأن وضع حماس تحت القائمة السوداء ومقاطعتها لن يضر بالحركة فقط، وإنما سيؤذي الفلسطينيين الخاضعين لسيطرتها وسيهدم في النهاية المصالحة والسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين الفلسطينيين. 

وبالمثل فإن الاقتراح الأخير بحظر حماس لن يلحق ضررًا كبيرًا بالعمليات الأساسية لحركة حماس، التي تخضع بالفعل لعقوبات الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة منذ عقدين، فلن يجعل حماس أضعف أو يقوض سيطرتها على غزة. 

اعترف النائب أندرو بيرسي أنه مع هذا القانون أو بدونه، فإن وضع غزة سيكون إلى حد كبير كما هو في ظل حكم حماس. 

ومع ذلك سيضع مشروع القانون حدًا للدبلوماسية البريطانية ذات المسار الثاني مع حماس، والتي أثبتت في السابق أنها حاسمة خلال العديد من الأزمات. لطالما كان المسؤولون البريطانيون السابقون وأعضاء البرلمان والمراكز الفكرية هم الذراع غير الرسمية للحكومة البريطانية للتعامل مع حماس والتأثير على سلوكها. 

على سبيل المثال، في عام ٢٠٠٧، قامت المملكة المتحدة باتصالات سرية مع حماس لإطلاق سراح صحفي البي بي سي، آلان جونستون، والذي اختطفته جماعة متطرفة في غزة. وكانت حماس قد مارست ضغوطًا شديدة على الجماعة المتطرفة حتى إطلاق سراح جونستون. 

كان أوليفر ماكترنان رئيس مركز أبحاث بريطاني، يلعب دور الوسيط الأساسي في إطلاق سراح الأسير الإسرائيلي جلعاد شاليط من أسر حماس، كما أنه لعب دورًا قويًا في المصالحة الفلسطينية الداخلية بفضل اتصالاته القوية مع جميع الأطراف. لعب توني بلير أيضًا دورًا مؤثرًا في عملية وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس عام ٢٠١٤. 

الآن يمكن أن يواجه أي من هؤلاء الأفراد عقوبة ١٤عامًا في السجن بسبب مشاركته مع حماس، بغض النظر عما إذا كان هذا الارتباط يهدف إلى جهود صنع السلام أو تحسين الظروف المعيشية للفلسطينيين الخاضعين لسيطرة حماس. 

سيؤثر هذا التصنيف الجديد بشكل أكبر على القادة المعتدلين في حماس، بينما يعمل على تقوية تمكين الجناح المائل نحو سياسة أكثر انغلاقًا. لطالما جادل قادة حماس لتليين مواقف الحركة -بما في ذلك الإعراب عن دعم اللاعنف وحل الدولتين والانتخابات الديمقراطية- والذي من شأنه أن يفتح مساحة أكبر للمشاركة السياسية مع أوروبا. 

كانت اتصالات القنوات الخلفية للمعتدلين في المملكة المتحدة وأوروبا من الأسباب الرئيسية للحفاظ على الملاءمة والمكانة الجيدة بين قيادة الحركة. وبالتالي، فإن إغلاق هذا الطريق لن يؤدي إلا إلى إضفاء المصداقية على المتشددين داخل حماس الذين يعتقدون أن هذا قد يكون صحيحًا، وأن العالم لا يتفاهم سوى بالقوة. 

كما أن تصنيف المملكة المتحدة لحركة “حماس” برمتها كإرهاب لا يميز بين الحركة والحكومة وقوات الأمن في غزة. بالإضافة إلى أنه قد يثبط هذا بشكل خطيرعمال الإغاثة والجمعيات الخيرية البريطانية من العمل في غزة، حيث سيقومون بمواجهة حماس بالتأكيد خوفًا من التداعيات القانونية في المملكة المتحدة. 

قامت الحكومة البريطانية هذا الأسبوع برفض إعطاء تطمينات عامة لمنظمات الإغاثة، بل إنها قالت أنها ستنظر في القضية على أساس كل حالة على حدة. من المرجح أن يؤدي هذا التقويض لعمليات الإغاثة إلى تفاقم الأزمة الإنسانية في القطاع المحاصر، وبالتالي ستزيد من عزلة ومعاناة شعب غزة. 

في وقت سابق من هذا العام، قامت الأمم المتحدة بتحذير إدارة ترامب المنتهية ولايتها من وضع جماعة الحوثيين في اليمن تحت قائمة الإرهاب، لأن مثل هذا التصنيف من شأنه أن يغرق البلد الذي مزقته الحرب في أزمة إنسانية عميقة وسيؤدي بشكل خطير إلى عرقلة جهود تطبيق السلام. وبمجرد تولي إدارة بايدن السلطة، قامت بإلغاء تصنيف الحوثيين كإرهاب. 

وبالمثل، فإن الخطاب حول إدراج حماس في قائمة الإرهاب يجب أن يكون متمركزًا حول السكان وليس العدو. وعلى حماس بشكل حاسم أن تأخذ في الاعتبار التأثير السلبي لهذا التصنيف على السكان الفلسطينيين الخاضعين لسيطرتها وعلى الانقسامات السياسية الفلسطينية وعملية السلام. 

إن جعل حماس منبوذة يمكن أن يفسد أي محادثات سلام إسرائيلية فلسطينية مستقبلية، لأن حل أي صراع يتطلب سياسة شمولية محايدة من جميع الأطراف المعنية. 

أخيرًا، من المهم إدراك أن تصنيف المملكة المتحدة الأخير لحركة حماس في إطار الإرهاب لن يضعف الحركة أو يدفعها إلى تغيير سلوكها.

أجرت مؤسسة RAND المرموقة دراسة عميقة في عام ٢٠٠٨ بعنوان “كيف تنتهي الجماعات الإرهابية” والتي بحثت في ٢٦٨ مجموعة مسلحة. ووضحت الدراسة أن ٧٪ فقط منهم قد هُزموا عسكريًا وأن ٤٠٪ -مجموعات صغيرة بشكل أساسي أقل من ١٠٠٠ عضو- قامت الشرطة المحلية وأجهزة المخابرات بتفكيكهم  والتي قامت باعتقال وقتل أعضاء بارزين. 

الأغلبية منهم -٤٣٪- انتهى بهم المطاف بالانتقال إلى العملية السياسية والحوار والتحول إلى السياسة غير المسلحة، والتوافق السلمي مع حكومتهم.