ترجمة مقال للكاتب والصحفي البريطاني ديفيد هارست

عندما غزت الولايات المتحدة أفغانستان في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2001، أعلن غلاف مجلة تايم: “آخر أيام طالبان”.

وهكذا بدأ ما أصبح يعرف بـ “الحرب على الإرهاب”، سعي المحافظين الجدد لاستبدال الاتحاد السوفييتي المفكك بـ “الإسلام” كتهديد عالمي، وبحلول ديسمبر/كانون الأول من ذلك العام، أنشأ مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة القوة الدولية للمساعدة الأمنية للإشراف على العمليات العسكرية وتدريب قوات الأمن الوطنية الأفغانية.

ومنذ ذلك الحين تم إنفاق أكثر من 2 تريليون دولار، وقتل في منطقة الحرب في أفغانستان وباكستان حوالي 241 ألف شخص في مقابل مقتل 2448 جندياً أمريكياً و454 جندياً بريطانياً، كان أحد أكبر أهداف المجهود الحربي الأمريكي هو تدريب الجيش الأفغاني على محاربة طالبان، وبعد مرور 20 عاماً، عادت طالبان إلى السيطرة.

احتلت أفغانستان المرتبة 165/180 في أكثر الدول فساداً، حيث تم اختلاس المليارات من المساعدات الاقتصادية، ولم يتم توفير الخدمات اللازمة للمواطنين، انتشر الفقر، ومعدلات الوفيات لا تزال من بين أعلى المعدلات في العالم.

القول وقتها، كما قالت بي بي سي الأسبوع الماضي في شرح على موقعها على الإنترنت، إنه خلال 20 عاماً من الاحتلال: “أشرفت الولايات المتحدة وحلفاؤها على الانتخابات وشكلوا قوات أمن أفغانية، لكن طالبان لم تتوقف أو تنهار”.

 انهيار الغرب

ما يحدث الآن على أرض الواقع، يخبرنا الكثير عن سيكولوجية إمبراطورية آخذة في التلاشي، تلك الإمبراطورية الغربية التي تسعى لفرض الليبرالية في غرب آسيا والشرق الأوسط.

ديفيد بتريوس، القائد الأعلى للقوات الأمريكية في أفغانستان؛ الجنرال السير نيك كارتر، رئيس أركان الدفاع في المملكة المتحدة، وكل جنرال أمريكي وبريطاني خدم هناك يتحمل عبئاً ثقيلاً من المسؤولية عن حرب لا يستطيع الشعب الأفغاني تحملها ولا يريدها.

لم يجد أي منهم في نفسه مسؤولية تحمل هذه الكارثة والاعتذار للشعب الأفغاني، ويبدو أنهم لن يفعلوا ذلك، بل يتذمر بتريوس من الخيانة السياسية كما لو أن عقدًا آخر من قيادته كان سيحل المشكلة التي لا يمتلك أحد حلها من الأساس.

القوة الجوية التي دعمت الوجود الأجنبي لم تكن جيدة، لم تساعد في تحسين أوضاع حقوق الإنسان وخصوصاً المرأة، لقد كانت آلة قتل.

بين عامي 2017 و2019، غيرت البنتاغون قواعد الاشتباك الخاصة به فيما يتعلق بالضربات الجوية، وبالتالي زادت الوفيات بين المدنيين بشكل كبير.

بحلول عام 2019، قتلت الضربات الجوية 700 مدني أفغاني – أكثر من أي عام منذ بدء الحرب، وكذلك فعلت القوات الجوية الأفغانية. في النصف الأول من عام 2020، قتلت القوات الجوية الأفغانية 86 أفغانياً وجرحت 103 آخرين، في الأشهر الثلاثة التالية تضاعف هذا المعدل، مما أسفر عن مقتل 70 مدنياً وإصابة 90 آخرين.

الانغماس في الوهم القائل بأن جيشي الولايات المتحدة والمملكة المتحدة كانا في أفغانستان للقيام بأشياء جيدة هو أبعد ما يكون عن الواقع مثل القول القائل بإن الأنظمة العميلة التي فرضتها الحكومات الغربية على البلاد تتمتع بشرعية شعبية.

تم انتخاب أشرف غني مرتين كرئيس، واستمرت شرعية أشرف غني خمسة أسابيع بالضبط بدأت في 8 يوليو/تموز، وعندما حدد الرئيس الأمريكي جو بايدن موعدًا نهائيًا للانسحاب من أفغانستان (من 15 أغسطس/آب حتى 31 أغسطس/آب) فر أشرف غني من كابول مع عائلته.

 تداعيات الهزيمة

هذه الهزيمة كان لأربع رؤساء أمريكيين على الأقل يداِ في صنعها، لقد كان جهد مشترك من الحزبين، لذا فليس من المبالغة القول إن الهزيمة في أفغانستان لها آثار تتجاوز حدود ذلك البلد المنهك.

إذا كانت الهزيمة السوفيتية، قبل 32 عاماً، قد شكلت بداية نهاية الإمبراطورية السوفيتية، وبالتأكيد نهاية جميع القوات الروسية الاستكشافية لفترة امتدت حتى عام 2015 عندما أرسلوا قوات إلى سوريا، فإن هذه الهزيمة تمثل بداية نهاية الإمبراطورية الغربية، باعتبارها النظام العالمي العسكري والاقتصادي المنظم المهيمن.

هذا النظام لم ينهار لأنه واجه أعداء أقوياء، بل انهار بسبب الغطرسة وعدم القدرة على تحليل وفهم الناس الذين قاموا باحتلال أرضهم، في الواقع لقد انهارت في وقت لم تتحداها فيها أي قوة أخرى، في وقت كانت فيه تحتكر القوة الدولية بصورة تمامة.

مثل ما حدث مع الاتحاد السوفيتي، انهارت القوى الغربية، لقد فقدت الإيمان بنفسها وبقادتها، فقد قادتها أي إحساس بأهمية الخدمة العامة، واصطفوا في وظائف مربحة بعد أن فقدوا السلطة.

في السلطة، خصخصوا الحرب، حتى فقد هدف التدخل ذاته أي معنى، وأصبحت السياسة الخارجية فاسدة بسبب السعي وراء الأرباح التجارية، وتم الاستعانة بمصادر خارجية لحلفاء إقليميين بأجندتهم الخاصة.

 رسالة تقشعر لها الأبدان

كل هذا يبعث برسالة تقشعر لها الأبدان إلى الأمراء والجنرالات في الشرق الأوسط الذين سيستمرون لفترة أقل مما فعل غني إذا سحبت الولايات المتحدة قواتها أو دعمها العسكري. يجب أن تسأل المحاكم الملكية في الرياض وأبو ظبي وعمان والقصر الرئاسي في القاهرة نفسها كم عدد الأسابيع التي ستستغرقها في حالة وقع تمرد إسلامي شعبي- قادم بالنسبة لهم-.

قال الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب إن المملكة العربية السعودية ستستمر أسبوعين إذا غادرت الولايات المتحدة، في الواقع لم يكن يمزح.

إذا لم يقاتل الجيش الأفغاني من أجل غني، فهل يعتقد ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وزير الدفاع، أن الحرس الوطني، الذي لم يتوقف بن سلمان عن التخلص من كبار جنرالاته بانتظام، سيقاتل من أجله؟

غرد المحلل السياسي والأكاديمي السعودي خالد الدخيل: “حالما سقطت كابول في يد طالبان سرت لدى البعض قشعريرة المؤامرة والخوف من عودة الإسلام السياسي للمنطقة. أن تخاف وتتحسب حصافة واستعداد. لكن أن تظل خائفا لعقود وعقود فهشاشة وضعف بصيرة. أما المؤامرة فليست أكثر من أداة من أدوات السياسة والصراع. وهي بذلك أقل من أن تفسر التاريخ وحركته.”

المؤامرة التي تحدث عنها الدخيل كانت تشير إلى مزاعم أن الأمريكيين والإسلاميين يعملون يداً بيد، مثلما اشتبه السعوديون أن الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما قام بفعله عندما تخلى عن الرئيس المصري الراحل حسني مبارك خلال ثورة 25 يناير.

عندما يقاتل الإسلاميون الجنود الأمريكيين، سينتهي الأمر بالولايات المتحدة بالتحدث معهم كما فعلوا مع طالبان في اجتماعات الدوحة، وتقبل بالهزيمة كما يفعلون الآن في كابول.

لكن إذا أعلنت حركة إسلامية، مثل حماس، صراحةً أن قتالها ليس مع الولايات المتحدة، ولم تقتل جنديًا أمريكيًا واحدًا، فسوف تتجاهل واشنطن أن حماس عرضت وقفاً طويل الأمد لإطلاق النار، وتعلن أنها منظمة إرهابية، وتمنع على أي فصيل فلسطيني آخر تشكيل حكومة وحدة معه، ويبذل قصارى جهده لمحاصرة غزة.

وبالمثل، ستفعل الولايات المتحدة الشيء نفسه لأولئك الإسلاميين الذين نبذوا العنف واختاروا الانتخابات والديمقراطية والبرلمانات، وستسعى الولايات المتحدة إلى حظرهم.

قبل ثماني سنوات عندما ارتكب الجيش المصري أسوأ مذبحة للمدنيين العزل منذ مظاهرات ساحة تيانانمن في الصين، حيث قام وباستخدام القوة المفرطة، بتفريق المعتصمين بصورة عنيفة في اعتصام في ميدان رابعة في القاهرة. قبل هذه المذبحة قام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بانقلاب عسكري للإطاحة بمحمد مرسي، رفض أوباما وصف ما حدث بانقلاب.

دمر السيسي ونظامه الديمقراطية في البلاد، في المقابل، غضب الولايات المتحدة الطرف عما يحدث. احمل السلاح في وجه الولايات المتحدة، حينها ستتحدث وتنسحب.

أما إن حاولت الاستقلال عن الولايات المتحدة والخروج عن عباءتها، سوف تنهار دولتك، سوف تستنزف الأسواق المالية شريان الحياة من اقتصادك، وستتم معاقبة بنوكك وأعمالك، وسيتم اغتيال علماءك النوويين.

إن الاعتقاد الإمبريالي بالتفوق الاجتماعي والعسكري والاقتصادي الغربي وافتراضه المتأصل بأن الغرب لديه الحق الأخلاقي في القيادة، لا يفتقر إلى المصداقية فحسب، بل إنه كارثة استراتيجية أيضاً. تفقد الولايات المتحدة نفوذها في عهد بايدن بالسرعة نفسها التي خسرت بها في عهد ترامب، لأن سياساته لا تختلف كثيراً عن سياسيات ترامب.

لا يزال المحتلون والدكتاتوريون الذين ينتهكون صراحةً المعايير الأساسية لحقوق الإنسان يكافئون بالمال والسلاح، لا يزال الفساد يتغذى من أموال دافعي الضرائب الأمريكيين، لذلك لا عجب أن الأفغان لم يقاتلوا طالبان.

 الحقيقة المرة

هناك بديل لهذا المنطق المجنون للاعتقاد بأنك تروج للديمقراطية من خلال إسقاط طائرات بدون طيار على الفقراء على بعد آلاف الأميال. فقط تخيل لو أن الولايات المتحدة أنفقت 2 تريليون دولار على الشعب الأفغاني نفسه، فقط تخيل لو أنها سعت للتأثير على الحركات الدينية المحافظة مثل طالبان، ليس من خلال الحرب، ولكن من خلال المشاركة، ليس من خلال الطائرات بدون طيار، ولكن من خلال الحوار.

فقط تخيل أين ستكون أفغانستان الآن، وتخيل فقط مقدار القوة الناعمة التي ستظل لدى الغرب.

الولايات المتحدة في حالة انسحاب تهتم بدرجة أقل بالناس الذين تتخلى عنها بقدر اهتمامها بالناس الذين تحتلهم، هناك نزوح جماعي الآن في مطار كابول، أين سينتهي الأمر هؤلاء الأفغان؟

بالتأكيد سيصل جزء صغير منهم إلى المملكة المتحدة أو الولايات المتحدة، سيتوجهون إلى تركيا وأوروبا كما فعلوا في الماضي، على الفور سوف يتحولون في الوعي الليبرالي الغربي من اللاجئين الفارين من الاضطهاد الإسلامي إلى مهاجرين غير مرغوب فيهم.

انعكست مشاهد الذعر في مطار كابول يوم الاثنين في جميع أنحاء عواصم أوروبا اليوم.

قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إن أوروبا “يجب أن نتوقع ونحمي أنفسنا من تدفقات الهجرة غير النظامية الكبرى”، وقال وزير الداخلية الألماني هورست سيهوفر إنه يتوقع فرار ما يصل إلى خمسة ملايين شخص من أفغانستان.

قبلت ألمانيا مئات الآلاف خلال تدفق المهاجرين في عام 2015، في حين تمسك الحزب الديمقراطي المسيحي الألماني أرمين لاشيت بقوله إن “عام 2015 لا ينبغي أن يتكرر”، إن الدول ذاتها التي ساهمت بقوات وجنرالات في القوة الدولية للمساعدة الأمنية غير مستعدة الآن لقبول العواقب الإنسانية لأعمالهم.

للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا