العدسة – باسم الشجاعي

يبدو أن “الكيمياء”– مصطلح أطلقه “ترامب” أثناء لقاء له على قناة “فوكس” التلفزيونية- التي كان يشعر بها الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب”، تجاه قائد الانقلاب في مصر “عبدالفتاح السيسي”، ستتحول على المدى القريب لـ”غضب”.

بوادر هذه الغضب، كشفتها صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية في تقرير لها، “السبت” 3 مارس؛ حيث نقلت عن مسؤولين في الأمم المتحدة والولايات المتحدة قولهم إن مصر اشترت أسلحة كورية شمالية وسمحت لدبلوماسيي “بيونج يانج” باستخدام سفارة بلادهم في القاهرة مركزا لبيع الأسلحة بالمنطقة.

وتعتبر مصر إحدى ثلاث دول عربية بما فيه سوريا وفلسطين التي تحافظ على وجود سفارات لها في بيونج يانج، وأنها إحدى خمس دول عربية بما فيه سوريا والجزائر والكويت وليبيا التي تحتفظ بسفارة لكوريا الشمالية على أراضيها.

ومن المتوقع أن يحدث هذا الأمر توترات جديدة مع توقعات بنشر تقرير للأمم المتحدة خلال الأسابيع المقبلة بشأن ضبط شحنة أسلحة كورية شمالية عند السواحل المصرية، في أكتوبر الماضي، وهو ما يخشاه قائد الانقلاب “عبد الفتاح السيسي”، وخاصة مع قرب الانتخابات الرئاسية في نهاية مارس الجاري.

فقد سبق وأن قرر “ترامب”، تقليل المعونة الأمريكية بمبلغ وصل إلى 95.7 مليون دولار من المعونة الأمريكية السنوية لمصر، والتي تُقدَّر قيمتها الكلية بمبلغ 1.5 مليار دولار، بالإضافة إلى تأخير وتعليق تسليم 195 مليون دولار كمساعدة عسكرية لمصر؛ كان 22 أغسطس 2017، أي قبل شهرين من كشف جهاز الاستخبارات الأمريكية صفقة السلاح الكورية.

التصريحات لا تعكس الحقيقة

والمتابع للعلاقة بين الطرفين يجد أن التصريحات لا تعكس حقيقة الأمر، فقرار إدارة “ترامب” كان صادمًا لمصر؛ خاصةً في ظل التقارب بين الطرفين، واستقبال الأول للأخير في البيت الأبيض خلال شهر أبريل  الماضي، والذي صرَّح وقتها قائلًا: إن “السيسي قام بعملٍ رائع في مصر في وقتٍ صعب للغاية.. نحن نقف وراء “السيسي”، ومصر، وشعب مصر، والولايات المتحدة تدعم مصر بقوة”، ولم تمر شهور قليلة حتى تم تخفيض المعونة.

فالغضب الأمريكي سيكون له مبرر قوي؛ من السلطات المصرية، فقد قام “السيسي” بخرق العقوبات الدولية “متعمدًا” والتي فرضتها إدارة “ترامب” ضد كوريا الشمالية، حينما سمح لدبلوماسيي هذا البلد باستخدام سفارة بلادهم في القاهرة كقاعدة لبيع الأسلحة في المنطقة.

فـ”ترامب”، كان أعلن في 23 فبراير الماضي، عن عقوبات هي “الأقسى على الإطلاق” التي تفرض على كوريا الشمالية، عبر استهداف أصول نقل بحري تابعة لبيونج يانج.

واستغل “ترامب” خطابا أدلى به أمام المحافظين خارج واشنطن بولاية ماريلند لتكثيف حملته بهدف فرض “أقصى درجات الضغط” على كوريا الشمالية لإجبارها على التراجع عن برامج التسلح.

ويتركز الخلاف الأمريكي مع كوريا الشمالية بشكل خاص على قيامها بتطوير صواريخ قادرة على حمل رؤوس نووية قد يصل مداها الى مدن رئيسية في الولايات المتحدة؛ وتستهدف العقوبات الأخيرة تضييق الخناق على اقتصاد كوريا الشمالية الضعيف أصلا وإمداداتها من الوقود.

لماذا ضحى “السيسي” بعلاقته مع “ترامب”؟

تمثل العلاقات “المصرية- الكورية الشمالية” أحد الملفات المثيرة للجدل في تاريخ مصر المعاصر، فعلى الرغم من الانضواء الكلي تحت لواء الولايات المتحدة عقب اتفاقية السلام مع “إسرائيل”، وتحوّلها إلى ثاني أكبر متلقٍ للمساعدات العسكرية الأمريكية في العالم، تتشبث القاهرة بموقفها الخاص في شبه الجزيرة الكورية.

ويبدو أن “السيسي”، أراد أن يحفظ الجيمل للكوريين؛ حيث كانت سلمت إلى مصر الدراسات الفنية والتصاميم، وكل ما هو متعلق ببرنامج تطوير صواريخ “سكود”، وبفضلها أنتجت القاهرة نسختها الخاصة من الصواريخ السوفياتية “سكود- بي”، التي يمكنها حمل رؤوس نووية أو كيميائية لمسافة أكثر من 300 كلم، كما طوّرت نسخة متقدمة من “سكود – سي” التي يمكن أن تهدد جميع أنحاء “إسرائيل” وتصل إلى ليبيا وسوريا والسودان، وفق ما كشف معهدويسكونسين بروجيكت، في تقرير يعود لعام 1996.

كما أن مصر تسعى من خلال العلاقات مع كوريا الشمالية لتطوير الأسلحة وتنويعها بعيدًا عن “القائمة المحددة” التي تقدمها الولايات المتحدة الأمريكية.

كيف تهرب كوريا الأسلحة في مصر؟

عملية تهريب الأسلحة الكورية الشمالية تتم في الخفاء، وذلك من خلال شركة “Ocean Maritime Management”، والتي اعتادت على تهريب الأسلحة، وعملت مع أشخاص وكيانات في مصر، وذلك وفق ما كشفته لجنة خبراء تابعين للأمم المتحدة في 2015، وذلك بعيدا عن أعين مجلس الأمن.

وأدرجت اللجنة ميناء بورسعيد ضمن الأماكن التي تمتلك كوريا الشمالية عملاء شحن فيها، وذكرت أن موظفين تابعين للشركة الكورية المذكورة تمكنوا من التخفي داخل شركة في بورسعيد على الأقل حتى عام 2011.

كما انخرط أشخاص من كوريا الشمالية بشكل مكثف في عمليات تقديم الدعم اللوجستي للسفن الكورية، ومن بينها تسهيل مرورها عبر قناة السويس، بحسب الأمم المتحدة.

وفي بداية 2017 وثق محققون تابعون للأمم المتحدة عمليات تجارية لكوريا الشمالية لمعدات لها علاقة بالاتصالات العسكرية المشفرة وأنظمة دفاع جوية محمولة وصواريخ موجهة بالأقمار الصناعية في المناطق المذكورة.

ما مصير العلاقات؟

يبدو أن الرئيس الأمريكي سيحفاظ لحد ما على علاقته بـ”السيسي” رغم إخفاقه في الملفين الكوري وحقوق الإنسان.

فالملف الأهم لـ”ترامب” الآن هو إتمام “صفقة القرن”، والتي يسعى لإتمامها خلال الفترة المقبلة، والذي سيلعب قائد الانقلاب المصري دورًا كبير فيها.

وهذا ما يعيه ويلعب عليه “السيسي” في علاقته مع الولايات المتحدة الأمريكية، للحفاظ على دعمها، وإن كان بصورة شكلية، ولكن ربما يحتفظ “ترامب” في جعبته بشيء آخر.

فقد سبق وأن صرح “السيسي” خلال لقائه مع “ترامب” في البيت الأبيض العام الماضي، قائلًا: “إن السلام بين “إسرائيل” وفلسطين سيكون صفقة القرن”، وأَضاف قائلا للرئيس الأمريكي: “ستجدنى بكل قوة ووضوح داعماً لأي مساع لإيجاد حل للقضية الفلسطينية، وأنت تستطيع حلها سيد ترامب”.

وبحسب تقرير لصحيفة ألمانية فإن إقامة دولة فلسطينية في سيناء بدلا من الضفة الغربية وقطاع غزة يمثل أساس “صفقة القرن” التي تتحدث التسريبات عن إبرامها بين الولايات المتحدة وإسرائيل من جهة، وأطراف عربية من جهة أخرى.

ولكن مراقبين ومحللين سياسيين، يرون أن الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” أخطأ عندما تصور أنه يمكن الاعتماد على قائد الانقلاب بمصر، في جلب الاستقرار للمنطقة، مما يؤكد أن الإدراة الأمريكية الجديدة لديها قصور في الرؤى، وهو ما سوف ينعكس عليها سلبا.