القاهرة: محمد العربي

بقدر ما كانت دموع وزيرة الرياضة الإسرائيلية أثناء إذاعة نشيد كيانها في سماء دولة الإمارات العربية المتحدة، تعبيرا عن سعادتها بهذا التطور في العلاقات الخليجية الإسرائيلية، بقدر ما كانت هذه الدموع إعلانا بوفاة كثير من الثوابت العربية والإسلامية والقومية التي وقفت لسنوات ضد هذا الإنجراف العربي نحو التطبيع مع إسرائيل.

الدموع التي تبعتها زيارات للمسئولة الإماراتية لمعالم الإمارات وارتدائها العباءة الإماراتية وزيارتها لمسجد الشيخ زايد بأبو ظبي، صاحبتها كذلك تصريحات لا تحمل مجالا للشك أو التخمين بأن قطار التطبيع الرسمي بين دول الخليج وإسرائيل، انطلق ولن يتوقف، وأنه لم يعد بحاجة إلى توقيع معاهدات سلام أو اتفاقيات في كامب ديفيد أو أوسلو، فالموضوع مع حكام الخليج بات أبسط من كل هذه التعقيدات، وجولات المفاوضات، التي كان هدفا أساسيا منها الحفاظ على ما تبقى من حمرة الخجل لدى أنظمة كانت تعرف أن هناك شعوبا تقف ضد خطواتها. تلك.

لهذا غَيَّبُوهم

ويرى المحللون أن سبب أساسي في إنطلاق قطار التطبيع الخليجي مع إسرائيل دون خجل، يأتي كمكافأة لها على موقفها الداعم لأنظمة الإمارات والسعودية والبحرين ومصر في القضاء على الربيع العربي، الذي كان يهدد عروش هذه الممالك كما كان يهدد استقرار إسرائيل، وبالتالي كان التوافق الخليجي الإسرائيلي للقضاء على الربيع العربي وفي القلب منه ثورة 25 يناير بمصر، اعتبارها القلب والعقل لباقي الدول العربية.

وانطلاقا من هذا الرأي فإن الحرب التي شنها رباعي الشر العربي الذي مثلته أنظمة القاهرة والرياض وأبو ظبي والمنامة، ضد جماعة الإخوان المسلمين تحديدا لم يكن بسبب أنها كانت في صدارة مشهد الحكم بمصر فقط، وإنما كان بسبب القضاء على هذه الجماعة ومشروعاتها الرافضة لوجود إسرائيل، وعندما غابت الجماعة غاب معها حركة الشارع المقاوم والمناهض لإسرائيل وتحركاتها الخبيثة.

ويضيف هذا الفريق أن الجماعة في مصر كان لها أخطائها في التعامل مع الأحداث التي تلت ثورة 25 يناير، وبعد تولي الرئيس محمد مرسي مقاليد الحكم، إلا أن الإنقلاب الذي جرى ضدها، وما تبعه من إجراءات عنيفة أمنية وسياسية واقتصادية ودولية، تؤكد أن الهدف من هذا التغييب لم يكن بسبب الأخطاء، وإنما بسبب الأيدلوجية الفكرية والحركية التي تنطلق منها الجماعة في أهم قضية تشغل بال العرب والمسلمين وهي القضية الفلسطينية.

ويضع هذا الفريق تعاطي نظام مرسي مع الحرب التي شهدها قطاع غزة في ديسمبر 2012، في مقارنة مع تعاطي أنظمة مبارك والسيسي مع نفس الحروب في سنوات مختلفة، وهو ما يجعل المقارنة لصالح القضية الفلسطينية التي شعر أبناؤها للمرة الأولى أن هناك من يقف وراءهم ويتصدى للطغيان الإسرائيلي، وهو ما أدى لحدوث ما يسميه علماء الاستراتيجية توازن إنتاج الضغط.

أين هم؟

وفي بحث للمحللين عن مصير لجان مقاومة التطبيع المصرية والعربية التي كانت تحيط بسماء الوطن العربي من أقصاه لأقصاه، وجدوا أن هذه اللجان رغم أن قوامها كان من الإسلاميين والقوميين العرب واليسار المناهض للتطبيع، إلا أن المحرك الأساسي لها والعقل المفكر فيها، كان الإخوان المسلمين، وبغيابهم غابت هذه اللجان التي لم تكن تخلو منها نقابة أو هيئة جماهيرية أو رسمية أو برلمانية.

ويشير البحث ذاته أن هذه اللجان مازالت موجودة ولكنها أصبحت مجرد هياكل فارغة، حيث غاب من كان يملأ كيانها شخصيات نقابية وسياسية وجماهيرية وبرلمانية من جماعة الإخوان المسلمين، إلا أن الأخطر من ذلك كما يرى هؤلاء المحللين هو أن الحرب التي شنتها الأنظمة على الإخوان من أجل شيطنتها، جعلت كل من كان يتفاعل معها شخصيات قومية ويسارية وناصرية يتوارون خلف أنفسهم حتى لا يصيبهم ما أصاب الإخوان المسلمين، ولذلك غابت أصوات ملأت الدنيا ضجيجا مثل حمدين صباحي وسامح عاشور وأمثالهما عما يجري على الساحة العربية الآن.

لا تنزلقوا

وفي وجهة نظر من تبقى من الرافضين لهذا التطبيع فإن هذه الهرولة الخليجية نحو إسرائيل تأتي ضمن صفقة القرن تمهيدا لتصفية ​القضية الفلسطينية​ ضمن منهجية باتت معلومة والتي بدأت بنقل ​واشنطن​ لسفارتها إلى ​القدس​ الشريف، ثم وقف دعم وتمويل وكالة غوث لدعم ​اللاجئين الفلسطينيين​ “​الأونروا​” ووصولا إلى رفض السلام المزعوم والانصياع والخضوع والاستسلام والتطبيع نهائيا.

وحسب بيان للمنسق العام لجبهة العمل الإسلامي​ في ​لبنان، الشيخ زهير الجعيد، فإن انزلاق وهرولة بعض ​الدول العربية​ والخليجية نحو التطبيع مع العدو الصهيوني الغاصب، وهذا التدفق للوفود الصهيونية يشكل طعنة للقضية الفلسطينية وخيانة لدماء الشهداء وغدرا بالشعب الفلسطيني​ المظلوم الموعود منذ عشرات السنين بالعودة”.

وفي مقابل هذا التحذير خرجت دعوات أخرى تطالب الشعوب العربية لليقظة مرة أخرى، واستعادة حركتها في  مقاومة ملف التطبيع الذي ينطلق بشكل لم تعرفه القضية العربية من قبل، لأن الخطر لم يعد في مجرد الإعتراف بقبول إسرائيل كجزء من منطقة الشرق الأوسط، وفتح قنوات اتصال سياسية واقتصادية معها، وإنما الخطر أن هذه بداية لتصفية القضية الفلسطينية، دون حتى التباكي عليها.

ما وراء زيارة مسقط

وتشير قراءة مختلفة عن الأسباب الخفية لزيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي لسلطنة عمان، وما تبعها من خطوات إسرائيلية نحو الولوج إلي منطقة الخليج بشكل سهل، وهو أن إسرائيل تريد فتح قنوات اتصال مع إيران ولكن بيد خليجية وتحديدا عُمانية.

ويؤيد هذه القراءة مقال للكاتب اللبناني منير الربيع الذي أكد أن الفراغ السياسي والعجز المهيمن على العالم العربي يجسدان زيارة نتنياهو لسلطنة عُمان، والتي حوّلت الأنظار (ولو مؤقتاً) إلى مكان آخر بعيداً عن قضية الصحفي السعودي جمال خاشقجي، مشيرا إلى أن عُمان منحازة لإيران، على الرغم من انفتاحها على الأميركيين والإسرائيليين. وهي من الدول التي حافظت على علاقات ممتازة مع إيران منذ أيام الشاه إلى أيام الخميني فخامنئي، كما أنها تقع قبالة إيران مباشرة وتتشارك معها مضيق هرم، تتخذ من نفسها صلة وصل بين المتناقضين، موضحا أن الدور الذي تلعبه السلطنة كوسيط تحتاجه إيران، وهو ما يبرر لماذا لم يطال اختلاف طهران مع كل الدول العربية سلطنة عُمان، ولهذا معان كثيرة. استثنائية متأتية من قدرة الدبلوماسية العُمانية على تلبية الحاجات الإيرانية إزاء القوى المتخاصمة معها، أي مع الأميركيين والإسرائيليين.

وطبقا للكاتب نفسه فإن العمانين لابد أن يكونوا قد حصلوا على ضوء أخضر من الطرفين، لترتيب تفاوض غير مباشر بين الإسرائيليين والإيرانيين. استنادا لسوابق تؤكد هذا الاستنتاج، منها استضافة مسقط المفاوضات السرية بين الإيرانيين والأميركيين للوصول إلى الاتفاق النووي. وبما أن اللحظة الحالية هي للتوافق على رسم مناطق النفوذ في المنطقة، فأغلب الظن أن إيران تسعى للتخفيف من عداواتها، وبالتالي، من غير المستبعد أن تمهّد زيارة نتنياهو لمفاوضات سرية، في ظل مناخات توحي أن الجميع يبحث عن مخارج من الصراعات الدامية والمكلفة.

فارق توقيت خليجي

وأطلق العديد من الباحثين والخبراء في ملف التطبيع مع إسرائيل تحذيرا للدول الخليجية التي هرولت بشدة تجاه إسرائيل، بأن عليهم قراءة كما جرى مع سابقيهم في ملف التطبيع وتحديدا مصر والأردن وكذلك السلطة الفلسطينية، فما حصدته هذه الدول العربية من تطبيعها مع إسرائيل لا يلائم على الإطلاق ما قدمته من تخاذل للقضية الفلسطينية.

وتشير دراسة للكاتب اللبناني ساطع نور الدين، أن الخليجيين، وبسبب فارق الزمن، لم يتلقوا الأخبار التي تؤكد أن الإسرائيليين انقلبوا على الاتفاقيات التي وقعوها واغتالوا الموقعين عليها، وقرروا أن السلام مع الفلسطينيين سابق لأوانه، مضيفا أن الخليجيين، وبسبب الخلل في متابعتهم للوضع الإسرائيلي لم يلاحظوا تحول إسرائيل الجذري إلى دولة يغلب عليها اليمين المتطرف القومي والديني، وأن نتيناهو بالذات هو طليعة هذا التحول ورمزه وذروته القصوى، وهو باق في السلطة منذ تسع سنوات بقوة تصميمه على منع قيام دولة فلسطينية مهما كانت حدودها وعاصمتها، وعلى نسف حل الدولتين الذي لاح في الأفق. وقد نجح في المهمتين نجاحاً ساحقاً، بفضل شراكته الأخيرة مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

ويعود ساطع نور الدين ليؤكد أن نتنياهو لم يكن يستحق هذا التكريم العماني، مثلما لم تكن الوفود الإسرائيلية الرياضية التي تتسلل هذه الأيام إلى الدوحة أو إلى أبو ظبي أو سواهما، بذريعة منافسات دولية مقررة سابقا، تبرر هذا التطبيع الموارب، الذي كان في الماضي يمكن أن يطرح للنقاش حول ما إذا كان يخدم المفاوض الفلسطيني، أو ما إذا كان يعبر عن حركة سلام إسرائيلية فعلية، لا عن موجة من الصراع ، تعيد إلى الأذهان حرب التأسيس الأولى للكيان الإسرائيلي، وتنذر الفلسطينيين والعرب بنكبة ثانية أكبر وأخطر من النكبة الأولى.