مؤيد كنعان

 

لم يكن أكثر المتشائمين يتصور أن يصل الحال بالمملكة العربية السعودية، بثقلها السياسي والمعنوي، وحتى المادي، إلى أن يقف مندوبها الدائم في الأمم المتحدة ليسرد الإيجابيات التي صنعتها بلاده في اليمن، والمصائب التي صنعتها ميليشيات الحوثي، لحث الأمم المتحدة على دعم جهود الرياض في حملتها ضدهم، مستنكرا ما وصفه بدعم المنظمة الدولية لميليشيات الحوثي، بعد ما ورد في تقريرها بأنها قدمت مبلغ 14 مليون دولار إلى وزارة التعليم اليمنية، الخاضعة لسلطة الحوثيين.

حديث المندوب السعودي، مساء الأربعاء 1 نوفمبر الجاري، بدا موحيا بأن تلك الميليشيات المدعومة إيرانيا باتت طرفا دوليا مساويا للمملكة في أكبر وأهم محفل دولي، وهو مكسب شديد الأهمية والضخامة للحوثيين، وخسارة كبيرة للرياض، التي حشدت جهودها القصوى، ومعها ما تيسر من الحلفاء لشن حملة بدت شرسة في بدايتها على الحوثيين ومن تحالف معهم من القوات الموالية للرئيس اليمني الأسبق علي عبد الله صالح، ومن فرط شراسة عمليات القصف الأولي لـ “عاصفة الحزم”، كما أطلق عليها “بن سلمان”، والذي يعد مهندسها وباعثها، تخيل كثيرون أن شوكة الحوثي ستكسر في أيام معدودات أو حتى أسابيع، لكن اللعبة التي تتقنها إيران جيدا (حرب العصابات) بدت ناجعة في أول مواجهة شبه مباشرة مع السعودية، الخصم اللدود.

شواهد الغضب

ومع الانحدار الميداني لـ “عاصفة الحزم”، حدث ما لم يكن يتصوره السعوديون، حيث بدا المجتمع الدولي متوجها بعين الغضب نحو الرياض، وهو غضب دلت عليه مجموعة من الشواهد، وهي:

أولا: في 29 أغسطس الماضي، وجهت منظمة هيومان رايتس ووتش و66 منظمة أخرى رسالة إلى الممثلين الدائمين للدول الأعضاء والمراقبين في “مجلس حقوق الإنسان” التابع للأمم المتحدة، إن على المجلس فتح تحقيق دولي مستقل في الانتهاكات التي يرتكبها “جميع أطراف النزاع” في اليمن.

لكن التقرير أسهب في سرد ما قال إنه تورط للتحالف العربي الذي تقوده السعودية في الأمر، حيث أورد نصا أن “التحالف بقيادة السعودية منذ ذلك التاريخ شن عشرات الضربات الجوية غير القانونية التي قد يرقى بعضها إلى جرائم حرب”، وحمل الرياض جزءا من مسؤولية تفشي وباء الكوليرا هناك.

ثانيا: في 5 سبتمبر، طلب المفوض السامي لحقوق الانسان في الأمم المتحدة “زيد رعد الحسين”  تحقيقا دوليا مستقلا حول النزاع في اليمن معتبرا اللجنة الوطنية “منحازة”.

ومن المعروف أن تلك “اللجنة الوطنية” التي اتهمها “رعد الحسين” بأنها منحازة، قد شكلت بموافقة وتشجيع السعودية.

المفوض السامي لفت في تقريره إلى أنه خلال الفترة بين مارس 2015، وهو التاريخ الذي بدأت فيه المفوضية العليا إحصاء الضحايا المدنيين، و30 أغسطس 2017، سقط في هذه الحرب 5144 قتيلا على الأقل و8749 جريحا مدنيا بينهم 1184 قتيلا و1592 جريحا من الأطفال، منهم نحو  نحو 3233 كانوا ضحية عمليات التحالف الذي تقوده المملكة.

ثالثا: في 11 سبتمبر، جدد المفوض السامي “رعد الحسين” اتهامه للتحالف، بقيادة السعودية، بالتسبب في مقتل العدد الأكبر للمدنيين في الصراع باليمن.

رابعا: في 6 أكتوبر، كانت الضربة الأكبر من الأمم المتحدة إلى السعودية، عندما أدرجت المنظمة الدولية التحالف، بقيادة السعودية، في اليمن على القائمة السوداء، بسبب دوره في مقتل وإصابة المئات من الأطفال وهجمات على مستشفيات ومدارس خلال العام الماضي.

وجاءت القائمة مع تقرير سنوي للمنظمة الدولية حول الأطفال في النزاعات المسلحة.

وأوضح تقرير الأمم المتحدة أن التحالف بقيادة السعودية مسؤول عن مقتل وإصابة 683 طفلا و38 هجوما على مدارس ومستشفيات خلال العام الماضي.

كما ذكر التقرير أن الحوثيين والقوات المتحالفة معهم مسؤولون عن مقتل وإصابة 414 طفلا خلال 2016، وفقا لوكالة رويترز.

خامسا: في 1 نوفمبر، استنكر ممثل السعودية في الأمم المتحدة، ما ورد في إحدى تقارير المنظمة بأنها قدمت مبلغ 14 مليون دولار، إلى وزارة التعليم اليمنية، رغم أنها تحت سلطة وتحكم ميليشيات الحوثي، أي أن الدعم وصل مباشرة لتلك الميليشيات وبشكل رسمي من المجتمع الدولي.

وخلال كلمته أمام لجنة المسائل السياسية الخاصة وإنهاء الاستعمار ( اللجنة الرابعة ) حول البند 50 والخاص بالأعمال المتعلقة بالألغام، أخذ مندوب المملكة يتحدث عن أفعال الحوثيين المشينة وزراعتهم أكثر من 50 ألف لغم على الحدود السعودية – اليمنية، وبزرع عشرات الآلاف من الألغام في المدن والقرى اليمنية الآهلة بالسكان وبزرع الألغام البحرية في البحر الأحمر بالقرب من الحدود السعودية.

واستعرض المندوب مجهودات المملكة في نزع تلك الألغام وبعض الجهود الإنسانية الأخرى في اليمن، “مستغربا من عدم الإشارة في التقرير المقدم أمامها لهذه الحقائق، مما لا يعكس الواقع على الأرض”.

نجاح حوثي مهم

من واقع ما سبق فإنه، وميدانيا، نجح الحوثيون في حشر المملكة في الزاوية، عندما استغلوا التضاريس الجغرافية شديدة الصعوبة في اليمن ليخبئوا فيها أسلحتهم ويجعلوها نقاطا ساخنة لإمداد وانطلاق المقاتلين التابعين لهم، دون أن يقدر سلاح الطيران السعودي المتطور، ومعه الإماراتي، على ضرب تلك الأعماق المحصنة، بالإضافة إلى تحليلات أشارت إلى ابتلاع التحالف العربي بقيادة السعودية أكثر من طعم بمعلومات استخباراتية خاطئة بوجود قيادات ومقاتلين للحوثيين في عدة أماكن بالبلاد، فيتم ضرب تلك الأماكن بالطيران، لكن الحصيلة تكون فقط ضحايا من المدنيين اليمنيين.

تكرار تلك الممارسات دفع السعودية إلى تغيير خطتها سريعا للتحول من تكثيف الضربات الجوية، والتي لم تحقق أهدافها، إلى تجنيد أكبر قدر ممكن من الميليشيات المناوئة للحوثيين على الأرض، بالإضافة إلى دعم وتمويل بقايا الجيش اليمني للقتال ضدهم، وبالفعل أنتجت تلك الاستراتيجية تقدما طفيفا على محاور مختلفة، لكن بعد أن نجح الحوثيون في إيقاع الرياض وأبو ظبي “جويا” في الفخ، حتى تحركت الأمم المتحدة ضدهم.

نسي السعوديون أو تناسوا أن الولايات المتحدة بكل إمكانياتها الهائلة في سلاح الجو، وامتلاكها قنابل شديدة الفتك بالجبال والمغارات والجبال، عندما تريد اصطياد قيادة مهمة في تنظيم القاعدة مثلا، تلجأ إلى أسلوب الإنزال البري لجنود من القوات الخاصة، مع غطاء جوي عبر الطائرات بدون طيار الموجهة بالأقمار الصناعية، بسبب الطبيعة الوعرة لليمن، وهو ما تم في عهد أوباما وترامب عدة مرات.

تجاهل أطراف دولية

واقعيا، فإن جزءا من أزمة المملكة مع الأمم المتحدة في اليمن نابعة من عدة عوامل، أبرزها عدم التنسيق الكافي مع الأطراف الدولية الفاعلة قبل شن الحملة على اليمن، حيث بادر محمد بن سلمان بشنها، مكتفيا بالتنسيق السريع مع واشنطن، والتي يبدو أنها اعتبرت أن الفرصة باتت سانحة لتوريط المملكة في أمر ستكون له تبعاته، وذلك في سياق الإرادة الأمريكية لاستنزاف السعودية ماديا، والتي حاول أوباما فعلها بشكل متدرج وبغطاء قضائي أمريكي، بينما كان ترامب أكثر مباشرة في التناول والحديث.

بالإضافة إلى الفخ الأمريكي، إن جازت تسميته بهذا الاسم، هناك الاستياء الأوروبي من انخراط السعودية في إظهار الولاء لواشنطن، وسيرها خلف الإمارات في مختلف الملفات الاستراتيجية الإقليمية، وهو ما ظهر في التصعيد السعودي المفاجئ ضد الإخوان في مصر، بعد أن عكست سياسة الملك سلمان، في بداية حكمه، هدوءا واضحا حيال الجماعة.

من ناحية أخرى، مثلت الأزمة الخليجية القطرية منعطفا جديدا نحو الاستياء الدولي والأوروبي تحديدا من الرياض، وانحيازها الكامل لـ “أبو ظبي” إلى الحد الذي أحدث أزمة كبيرة في منطقة الخليج، وجعل الصورة من الأعلى تبدو كتحركات سعودية إماراتية لتغيير خريطة تلك المنطقة الحساسة بتنسيق أحادي (متسرع) مع الولايات المتحدة، أو بالأحرى مع رئيس الولايات المتحدة، والذي لا يزال يواجه مأزقا داخليا وجوديا بسبب ذلك النزق في التعامل مع الحلفاء والأتباع.