العدسة-  هادي أحمد

“بدي كرر وأكد أنا بألف ألف خير وأنا راجع إن شاء الله على لبنان الحبيب مثل ما وعدتكم”.

هكذا غرد رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري السابق، على حسابه على موقع تويتر اليوم الأربعاء 15 نوفمبر، بعد مرور 11 يوما على إعلانه استقالته بشكل مفاجئ وطارئ من المملكة العربية السعودية في الرابع من نفس الشهر.

وكانت الطريقة الصادمة التي استقال بها الحريري أقوى مثال يسلط الضوء على الأغلال السياسية التي كبلته طوال وجوده في سدة الحكم، سواء من الخارج أو الداخل، لكنها أظهرت أنه لا يمكن الاستغناء عن دوره، وربما سيعود إلى لبنان أقوى من ذي قبل.

فقد ضربت الاستقالة كافة العصافير بحجر واحد، وقلبت الطاولة على رؤوس الجميع، حيث عملت ليس فقط على رفع الضغوط الشديدة المفروضة عليه – ولو بشكل مؤقت – من أطراف متعددة ومتناقضة (أبرزها السعودية وحزب الله)، بل ووضعت اللبنانيين في حالة نادرة من الوحدة للمطالبة بعودته إلى بلاده.

كبح السعودية

ويري محللون أنه على الرغم من دعم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الكامل للسعودية إلا أنه يبدو أن الولايات المتحدة تشير إلى رغبة في اتخاذ الرياض موقفا أكثر حذرا في صراعها الإقليمي مع إيران، لا سيما في الملف اللبناني، بعدما ما أبدته القيادة السعودية من تهور مبالغ فيه، قد يؤدي إلى زعزعة استقرار المنطقة.

قال “راي تاكيه” وهو عضو كبير في مجلس العلاقات الخارجية إنه يعتقد أن إدارة ترامب مازالت تسعى لمساعدة تعزيز السعوديين مصالحهم في مواجهة إيران، لكن دون زعزعة استقرار المنطقة، وفقا لـ“وكالة رويترز”.

وأضاف “هذه عملية توازن دقيقة، إنها تنطوي على دعم الحلفاء في سياسة توافق عليها الإدارة في الوقت الذي تحاول فيه تخفيف مظاهرها التي (تجعلها تبدو) مبالغا فيها”.

وعلى نفس المنوال، قال بول سالم كبير نواب رئيس معهد الشرق الأوسط، وهو معهد بحثي بواشنطن: إن تيلرسون “لا يتفق مع الموقف السعودي في وصف الدولة اللبنانية بأنها رهينة لحزب الله.”هذا مهم، وفيه إشارة أيضا إلى الإسرائيليين أن هذا ليس الوقت المناسب لمواجهة لبنان”.

كما ألمحت تقارير لبنانية  إلى أن القلق الأمريكي من التهوّر السعودي صار كبيراً، إلى درجة أن الوزير السعودي ​ثامر السبهان​ تلقّى توبيخاً حاداً من مسؤولين أمريكيين خلال زيارته الأخيرة لواشنطن.

ونقلت التقارير أن السبهان سمع التوبيخ القاسي في اجتماعين منفصلين، ومن جهتين مختلفتين في ​الإدارة الأمريكية​؛ الاجتماع الأول في وزارة الخارجية بحضور ممثّل عن وكالة الأمن القومي، والثاني في وزارة الدفاع، حيث قال الأمريكيون للسبهان إن “التصرّفات السعوديّة حيال لبنان هوجاء”، مضيفين أن “هذه التصرفات تضر بمصالح الولايات المتحدة في لبنان”.

” بن سلمان بصحبة ترامب “

تغيير المعادلة الداخلية

ويري محللون أن الحريري، لديه رؤية لإعادة بناء الثقة مع الرئيس “ميشال عون” والذي يمثل التيار المسيحي اللبناني أكبر تيار بلبنان، لعمل توافق بين التيارين السني والمسيحي.

ومن شأن حدوث هذا التوافق – وفقا للمراقبين-  إحداث تغيير في المعادلة اللبنانية على المستوى السياسي والاستراتيجي والاجتماعي مما يحرم “حزب الله” من أي غطاء، وهذا التغيير في المعادلة نتائجها مضمونة وأكثر أمناً من التصعيد في لبنان.

وقد تكون عودة الحريري المرتقبة، خلال الأيام القادمة مرتبطة بالاتفاق مع الرئيس “عون” مع التركيز على مطلب انسحاب “حزب الله” من اليمن.

” سعد الحريري “

إحراج حزب الله

أظهرت الاستقالة المفاجئة للحريري – سواء أكان أجبر على تقديمها أو بمحض إرادته – قدرة المملكة على لعب دور حاسم، وخلط الأوراق في لبنان بشكل كبير في أي وقت، متى أرادت في لبنان، ولهذا سيكون مطلوبا من “حزب الله”، بعد عودة الحريري المرتقبة إلى لبنان ، أن يأخذ خطوات فيما يتعلق بانسحابه من اليمن تحديدا.

ويري السعوديون أن تدخل حزب الله في اليمن هو الذنب الذي لا يغتفر، ولا يمكن السكوت عليه ويجب مواجهته حتى لو كلفها ذلك قلب الطاولة فوق رؤوس اللبنانيين الحلفاء قبل الأعداء.

وهذا ما أوضحه بشكل صريح مقال لرئيس تحرير صحيفة العرب السعودية الناطقة بالإنجليزية فيصل عباس قال فيه: إن ” أهم ما يمكن استنباطه من مقابلة الحريري مع بولا يعقوبيان، أن السعودية غاضبة من تورط حزب الله في اليمن، كما يشير الحريري بشكل ضمني، وربما لم تكن الرياض تحب المليشيات المدعومة من قبل إيران، ولكن هناك فرق كبير الآن، وهو أن السعوديين يموتون نتيجة الحرب في اليمن“

” والحريري بصفته رئيسًا للحكومة اللبنانية التي تضم حزب الله، يمكن أن يكون مسؤولًا بشكل مباشر عن تلك الأعمال العدائية، ولا يريد الحريري تحمل مسؤولية العواقب الناتجة عن تلك التدخلات لحزب الله، وهذا دافع الاستقالة “.

كما يضع الحزب في الحسبان، المساعي السعودية التي كانت ترمي إلي حدوث تحرك عربي لمقاطعة لبنان على غرار قطر وهو الأمر الذي كان سيترتب عليه تدمير لبنان نظرا لاقتصادها الهش، ويمكن لإيران المحرك الرئيس للحزب أن تقتنع بأن استمرار تواجد الحزب في اليمن سيصاحبه خسائر كبيرة.

فيما يظل وجود الحزب في سوريا معلقا حتى إشعار آخر بسبب تعقيدات الملف السوري إذ يتواجد الحزب بموافقة النظام السوري ذاته.

” حسن نصر الله “

دعم عربي وأوروبي

عدد من الدول العربية اختلفت مع الموقف السعودي، رأت أنه لا يجب معاقبة لبنان بسبب “حزب الله”، كما يمكن للعقوبات التي تتخذها الولايات المتحدة والدول العربية ضد حزب الله حال توسيعها أن تكون فعالة.

كما دعت بعض الدول الموالية للنظام السوري إلى ضرورة إعطاء فرصة للحوار وترك المجال للحلول السلمية لحل الأزمة اللبنانية، بدلا من اللجوء للمواجهات المباشرة، لاسيما وأن المنطقة لا تحتمل المزيد من الاضطرابات، يمكن لهذا التهور السعودي أن يعمل على إشعال المنطقة .

وعلى الصعيد الأوروبي قالت وزارة الخارجية الفرنسية يوم الجمعة إنها تريد أن يكون رئيس الوزراء اللبناني المستقيل سعد الحريري حرا في تحركاته وقادرا بشكل كامل على القيام بدوره الحيوي في لبنان.

قال وزير خارجية بريطانيا بوريس جونسون يوم الأحد إنه يأمل أن يعود سعد الحريري إلى بيروت “دون أي تأخير إضافي”.

أضاف جونسون في بيان أنه تحدث مع وزير خارجية لبنان جبران باسيل يوم الأحد، وأكد له مجددا دعم بريطانيا للبنان، وقال جونسون ”يجب عدم استخدام لبنان كأداة لصراعات بالوكالة“ كما ينبغي احترام استقلاله.

كما حث الاتحاد الأوروبي يوم الاثنين رئيس الوزراء اللبناني المستقيل سعد الحريري على العودة إلى لبنان داعيا كل القوى السياسية اللبنانية إلى التركيز على جدول الأعمال الداخلي للبلاد ومحذرا السعودية من التدخل في الشأن اللبناني.

“بوريس جونسون” وزير خارجية بريطانيا

 

وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان

“جان إيف لودريان” وزير خارجية فرنسا

توحد نادر

وبعيدا عن دعم الأحزاب السياسة، وجد اللبنانيون أنفسهم بعد الاستقالة تقسمهم الصراعات منذ وقت طويل أمام لحظة نادرة للوحدة.. فاللبنانيون من كل المشارب يريدون عودته من السعودية كي يواصل عمله رئيسا للحكومة.

كما تنتشر لافتات وملصقات في أنحاء بيروت تطالب بعودة الحريري، وتقول لافتة ضخمة “نريد رئيس وزرائنا”.

وعبر مشاركون في ماراثون بيروت السنوي يوم الأحد عن نفس المطلب، وارتدى البعض قمصانا قطنية طبع عليها وجه الحريري وكتب عليها “كلنا ناطرينك”، “جميعنا في انتظارك” .