التوازن مطلوب  

صرخة مبررة أم فخ لحركة حماس؟

سؤال مازال مطروحا في الساحة الفلسطينية مع استمرار أسبابه وتواصل نداءات حملة “بدنا نعيش” مع تحرك حركة حماس لتصحيح الأخطاء التي جرت ضد الحملة ، والرد على المزاعم التحريضية ضدها أثناء التصعيد الصهيوني على قطاع غزة.

“العدسة” يرصد عن قرب قصة معاناة فلسطينية تحولت إلى أزمة كبرى تحت وطأة المزايدات والحملات المضادة من أعداء الربيع العربي والذين تحولوا فجأة إلى داعمين للربيع العربي بشرط أن يكون في غزة وضد حماس!!

ولكن يبدو أن حماس تخطت الفخ بخسائر قليلة، داعمة الصرخة المبررة بشروط الوعي بالمرحلة والأسباب الحقيقة للأوضاع وفي مقدمتها الحصار الصهيوني والعقوبات الفتحاوية.

الوضع في غزة

لم تكن غزة بحاجة إلى دق كل أجراس الخطر، كما هو الحال الآن بحسب المراقبين، الذين حذروا من انفجار لا يستثني أحد.

ودفعت خطورة الأوضاع السفير القطري محمد العمادي إلى الوصول إلى قطاع غزة الأحد الماضي عبر حاجز ايرز، وأعلن لاحقا عن صرف الدفعة المالية القطرية الرابعة للأسر الفقيرة في قطاع غزة، بواقع 100 دولار أمريكي لكل أسرة، يستفيد منها 55 ألف أسرة.

إنها الأزمة الاقتصادية التي تضرب الجميع في القطاع ، حتى طالت المقاومة ذاتها التي دعت إلى طرق جديدة لجلب الدعم والمساندة المالية في ظل الحصار ، بجانب زيارات متتالية لمسئولين دوليين باتت تصريحاتهم بحسب ما هو مرصود متطابقة منذ 2018  تتحدث عن انفجار وشيك جراء تدهور كبير للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في القطاع المحاصر.

وفي هذا السياق أكدت اللجنة الشعبية لمواجهة الحصار أكثر من مرة أن “أوضاع القطاع باتت كارثية بشكل سريع ومتسارع حيث ارتفعت معدلات الفقر منذ فرض الحصار على غزة منذ عام 2006 مما أخضع أكثر من مليون ونصف مليون غزي لتلقي مساعدات تشكل مصدرًا أساسيًا لهم للعيش سواء عبر المؤسسات الدولية أو العربية.

وانضم إلى ذلك في هذه الأيام التصعيد العسكري الصهيوني، والذي أقلق نيكولاي ملادينوف منسق الأمم المتحدة الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط، حيث أعرب الثلاثاء 26 مارس عن قلقه البالغ من التصعيد في قطاع غزة ، كونه يؤثر على جهود دعم السكان ، موضحا أن “الوضع في غزة لا يمكن أن يستمر.

وفي المشهد المتوتر تستمر فعاليات الإرباك الليلي في مخيمات العودة الخمسة شرقي قطاع غزة بشكل متزامن، ومسيرات الهيئة الوطنية العليا لمسيرات العودة الكبرى وكسر الحصار كل جمعة بغرض إيصال رسالة للعدو الصهيوني بأن مسيرات العودة الكبرى مستمرة وأن الحصار يجب أن يرفع عن قطاع غزة مع إبقاء جنود الاحتلال في حالة استنفار دائم على الحدود لاستنزافهم وإرباكهم.

استغلال مفضوح

وفي هذا المشهد المعقد في هذه البقعة المحاصرة منذ العام 2006 ، فرضت حملة “بدنا نعيش” نفسها على أجندة الجميع ، ولكن استغلت أبواق الثورات المضادة للربيع العربي وحركة فتح الحراك للتحريض ضد حركة حماس ، ما شوه مطالب الحراك وفق المراقبين.

حركة “فتح” والسلطة الفلسطينية المنتهية ولايتها في رام الله التي تفرض عقوبات على قطاع غزة ، كشفت اللثام عن أهدافها ، ودعا أكثر من قيادي وناطق باسمها إلى ما أسموه الثورة على حماس ، وصفوا الحراك الشعبي بأنه “ثورة جياع” بحسب الناطق باسم فتح أسامة القواسمي ، وهو ما جدد الحديث عن تصريحات مماثلة ظهرت منذ عام 2017 تحديدًا، أيدت “قطع الهواء عن غزة” وترفض قيام مصر “بتنفيس” الحصار عن غزة وتعطيل إجراءات السلطة بمعاقبة “حماس”.

 

capture_20190328150358.png

 

في هذا السياق انضمت نخبة الكيان الصهيوني للمزايدة ، واحتفى سياسيون و مرشحون في الانتخابات وصحفيون بالمظاهرات التي خرجت في غزة، واعتبرها أوفير جندلمان، المتحدث باسم رئيس الوزراء الصهيوني بأنها عقاب لحماس التي صرفت المليارات على الإرهاب وباعت غزة لإيران وفق مزاعمه، وانضم له وزير الداخلية الصهيوني السابق والمرشح عن حزب الليكود حالياً، جدعون ساعر، قائلا :” أهل غزة يستحقون حياة كريمة، وإن ذلك لن يكون تحت حكم الحركة القمعية الحمساوية التي تخدم إيران” بحسب زعمه.

 

المفارقة أن منصات السعودية والإمارات ومصر الرسمية تبنت الحراك رغم رفضها للمظاهرات وحظرها ، وكثفت من خلاله هجومها على حركة حماس ، وما سمته سياسياته التجويعية وتجاهلت الحصار الصهيوني للقطاع تماما ، فيما ذهب الإعلامي المصري المقرب من السلطة عمرو أديب إلى القول :” إن هناك ربيع عربي جديد في غزة”!!.

موقف “حماس”

هذه المعاناة المتصاعدة في غزة، ترى حماس أنها غير مسئولة عنها وحدها رغم البروباجندا التي صنعت ضدها وحدها ، لكنها حريصة كذلك على عدم الوقوع في فخ تبرير العنف أو السماح للفوضى في مجتمع مسلح وأثناء حرب .
ولكن في ظل هذا التعقيد، أقرت حماس سريعا بوجود “خشونة ” في التعامل مع الفعاليات الاقتصادية، لكنها مع احترامها لأسبابها ، تصر في نفس الوقت على نقل حيثياتها إلى الحصار الصهيوني وصفقة القرن اللذين يريدان منظموهما تجويع الشعب الفلسطيني من أجل الاستسلام.

وتستند دوائر حماس إلى الاستطلاع الذي أجراه “المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية” في الضفة الغربية وقطاع غزة، بتاريخ 20 مارس 2019، والذي ترجم المزاج العام للقطاع ، حيث يحمل 62% من الفلسطينيين سلطة رام الله والكيان الصهيوني مسؤولية أزمات القطاع، ويطالب 82% منهم السلطة الفلسطينية برفع الإجراءات العقابية المتخذة ضد قطاع غزة، مثل: خصومات الرواتب أو تقليل ساعات الكهرباء.

وأشارت حماس في العديد من تصريحات قياداتها  إلى أن الأحداث جديدة على الأمن الداخلي في توقيت حرج، ولكن خضعت للمراجعة لعدم تكرارها والسقوط في أي ملامح أو بدايات لـ”الفخ” الذي كان منصوبا لها ، فيما ركزت على ضرورة نقل الصرخة كذلك للعالم للتصدي للحصار الصهيوني والعقاب الفتحاوي الذي زايد على حركة حماس بشكل كبير في هذه الفعاليات.

وأوضحت الحركة موقفها في بيان أصدرته عقب تلك الأحداث، حيث قالت بعد اعتذار : “نستنكر كل أشكال الاعتداء على أي مواطن، فسيادة القانون هي التي تحكم غزة، والقضاء والنيابة يعملان بلا توقف في خدمة المواطنين ومتابعة شؤونهم، ونُعرب عن أسفنا عن أي ضرر مادي أو معنوي أصاب أحد أبناء شعبنا، داعية  الأجهزة الأمنية بإعادة الحقوق المعنوية والمادية لأي طرف وقع ظلم عليه.

ولكن حماس لا تريد بلع الطعم ، وتشير عبر دوائرها كذلك إلى بُعد آخر وهو أن الأمر ما يزال في طياته تحركات غير بريئة تشوه الحراك النقي حسب أوصافه ، وذهب محللون محسوبون على حماس إلى القول إلى أن التجربة الحالية مكررة، وحدثت مع منظمة التحرير الفلسطينية قبل اتفاقيات أوسلو موضحا أنه بعد أن تم توقيع أوسلو، وبدأت الأموال تتدفق من الدول المانحة وحصلت “إسرائيل” على الشرعية فلسطينيا وعربيا ودوليا وعلى منجزات أمنية واقتصادية لا آخر لها، حصلت منظمة التحرير على الرواتب بعد قطعها عنها ليتحول كل كوادر الثورة إلى رجال أمن في 13 جهاز أمن فلسطيني وظيفتها التنسيق الأمني، وهو ما لا تريد حماس أن تقع فيه.