العدسة: محمد العربي
في حملة هي الأكثر منذ سنوات بدأت السلطة الفلسطينية برئاسة الرئيس المنتهية ولايته محمود عباس، في سلسلة من الإجراءات العقابية ضد قطاع غزة، في تبادل واضح للأدوار بينه وبين الاحتلال الإسرائيلي.
وحسب وكالة سوا القريبة من السلطة الفلسطينية فإن عباس حصل من القاهرة على الضوء الأخر لهذه الإجراءات التي صاحبتها تهديدات صريحة من بارزين بحركة فتح بضرورة قطع الهواء والحياة عن قطاع غزة.
هذه الإجراءات التي بدأها عباس بقرار حل المجلس التشريعي الفلسطيني، وإجراء انتخابات لاختيار أعضاء المجلس الجديد في غضون 6 أشهر، كشفتها تصريحات عباس قبل شهرين بعد توصل القاهرة لاتفاق تهدئة بين حماس وإسرائيل، والذي بمقتضاه وافقت إسرائيل على وصول مساعدات مالية قطرية لقطاع غزة لمواجهة حملة التأديب التي يمارسها عباس منذ عدة أشهر ضد القطاع.
القاهرة على الخط
ووفقا للمتابعين فإن موقف القاهرة من هذه الإجراءات غير واضح حتى اللحظة، وهل هو مؤيد لعباس، أم أن هذه الإجراءات تخالف توجهات القاهرة التي تريد الحفاظ على الأوضاع الهادئة في قطاع غزة، وسبق لها أن انتقدت موقف حركة فتح الرافض للورقة المصرية التي طرحتها المخابرات المصرية مؤخرا لإنهاء الانقسام الفلسطيني.
ويرى الخبراء أن تسريب معلومات من مصادر فلسطينية لوسائل الإعلام بأن عباس أبلغ نظيره المصري عبد الفتاح السيسي بالقرارات القاسية التي سيتخذها ضد حركة حماس في قطاع غزة أثناء زيارة عباس للقاهرة، إنما تهدف لتوريط القاهرة، وسحب أوراق المناورة من يد حركة حماس.
وحسب تقارير صحفية تناولت زيارة عباس فإن الأخير أبلغ القاهرة بأنه سوف يتخذ سلسلة من الإجراءات القاسية ضد حركة حماس في قطاع غزة، سعياً لتقويض سلطتها هناك أو إجبارها على تسليم القطاع، بما في ذلك نيته سحب عناصر السلطة من معبر رفح الحدودي.
ويرى المتابعون أن عباس قرر بإجراءاته الأخيرة الانتقال من مرحلة التهديد لمرحلة التنفيذ تحت شعار كل شيء أو لا شيء، وهو ما ترجمه عباس بسحب موظفي فتح من معبر رفح بالفعل، بما يعني عملياً إعادة إغلاق المعبر الذي يعد المنفذ الرئيسي لسكان القطاع، خاصة وأن القاهرة كانت تحافظ على فتح المعبر بشكل شبه منتظم منذ الاتفاق الثلاثي بينها وبين حركتي فتح وحماس عام 2017 بأن تتولى السلطة إدارة المعبر.
إقليم متمرد
ويشير المراقبون إلى أن ما أعلنه القيادي بحركة فتح عزام الأحمد قبل يومين بأنه تلقى نصيحة من مقربين منه بأن تعلن السلطة غزة إقليما متمردا، كان بمثابة التمهيد الأساسي لانطلاق حملة تأديب قطاع غزة، في ظل قناعة الجانب الإسرائيلي بأن أية تحركات عسكرية ضد القطاع أصبحت مكلفة له سياسيا وعسكريا، على عكس ما كان يحدث في الماضي، وبالتالي فإن الدور أصبح مفروضا على السلطة بأن تقوم بدورها في إطار الحرب المشتركة مع إسرائيل لتجويع أهل القطاع والقضاء على المقاومة الفلسطينية التي تمثل أكبر تحد لجيش الاحتلال الإسرائيلي.
وقال الأحمد خلال لقائه في برنامج ملف اليوم الذي أذيع على تلفزيون فلسطين الاثنين الماضي: “إذا استطعتم قطع الهواء عن قطاع غزة فاقطعوه”، مشددًا على ضرورة إعلان غزة “إقليمًا متمردًا حتى تعود إلى حضن الوطن”.
وشبّه الأحمد قطاع غزة بـ”الطائرة المخطوفة”، واصفًا حركة حماس بأنها ميليشيات مسلحة قامت بخطف أهلها، وأنه يجب أن تدفع حركة حماس الثمن، أو أن تنهي اختطاف غزة، مؤكدا أن إعلان غزة “إقليمًا متمردًا” سيكون خطوة تعقبها خطوات لإنهاء سيطرة حماس على قطاع غزة، زاعما أن الانقسام من طرف واحد فقط، وهو حركة حماس.
وحسب رصد المتابعون فإن الرد على تصريحات الأحمد كان سريعا من باقي الفصائل الفلسطينية بما فيها قيادات من حركة فتح نفسها، وحسب وصف عبد الحميد المصري القيادي بالتيار الإصلاحي لحركة فتح، فإن الأحمد شخص تافه ومشكوك في وطنيته وحديثه عن أمنيته بقطع الهواء عن غزة يتماشى مع رابين الذي كان يقول أنه يحلم بأن يستيقظ ويرى غزة قد أكلها البحر.
وحسب كلام المصري فإنه إذا كان الأحمد يريد قطع الهواء عن غزة، فكيف سيرسل الهواء لمن يؤيده ورئيسه؟ هل سيرسل لهم عبر زجاجات عن طريق “إسرائيل”، مؤكدا أن الأحمد ولد خارج الصف الوطني.
خيارات حماس
ويرى المتابعون أن حركة حماس لديها العديد من الخيارات لمواجهة توجه السلطة الفلسطينية، خاصة وأن ما تملكه حماس الآن من أوراق مختلف بشكل كبير عما كانت تملكه أثناء الحسم العسكري في القطاع عام 2007، فحماس الآن رقم سياسي وعسكري لا يمكن الاستهانة به، كما أن استطاعتها المحافظة على استقرار القطاع طوال أكثر من 11 عاما على الحصار يجعل بينها وبين أهل القطاع علاقة تصب دائما في صالحها.
ورصد المتابعون أن أول رد من حماس على قرارات السلطة كان بإعلان المجلس التشريعي الفلسطيني نيته عقد جلسة لمناقشة نزع الأهلية السياسية عن رئيس السلطة محمود عباس، ووفق الدعوة التي وجهها المجلس لوسائل الإعلام، فإن المجلس ينوي عقد جلسة الأربعاء لمناقشة نزع الأهلية السياسية عن محمود عباس.
ووفقا للمتابعين فإن حرب الشرعية التي بدأت منذ أسبوعين بين عباس وحماس، يمكن أن تصل بالأمور لطريق مسدود، خاصة وأن القاهرة مازالت بعيدة عن أي رد فعل تجاه الفريقين، ويبدوا أنها في انتظار ما سوف تسفر عنه الأحداث، إلا أن كلمة السر في ذلك ربما تصل من الإمارات وتحديدا من محمد دحلان الذي يعد ورقة رابحة في يد حماس، إذا أرادت استخدامها في الوقت المناسب.
ويري المراقبون أن السلطة الفلسطينية بدأت بالفعل الترويج لخيار حماس السابق، حيث نشرت عدد من وسائل الإعلام المقربة من السلطة أن حماس بدأت تعمل على إنهاء وجود حركة فتح التابعة لعباس، والسماح لأنصار التيار الإصلاحي في الحركة والذي يتزعمه محمد دحلان العمل في القطاع، وتسليم مقرات فتح لدحلان بشكل رسمي، بالإضافة لسماح حماس للتيار الإصلاحي بفتح في تنظيم الاحتفال بالذكرى الـ54 لانطلاقة الحركة، وإيقاد الشعلة في ساحة الجندي المجهول، في الوقت الذي منعت حماس تيار عباس بطريقة غير مباشرة من تنظيم أية فعاليات في هذا الإطار.
ونسبت وسائل إعلام لمصادر بحركة حماس تأكيدها بأنه لا يوجد حتى الآن قرار نهائي بالسماح لتيار دحلان بالعمل بحرية في قطاع غزة، وأن ما جرى كان رداً على قرار السلطة بحل المجلس التشريعي، وحملة الاعتقالات الواسعة بحق نشطاء حماس بالضفة الغربية، وفي حال الاستمرار بهذه الإجراءات سيتم اتخاذ خطوات أخرى، أهمها تسليم كل مقرات فتح في القطاع لأنصار دحلان، مع الاعتراف بهم ممثلين فعليين لحركتهم في غزة بدلاً من تيار عباس، وأنه في حال تسليم كافة مقرات فتح لتيار دحلان، فإنه سيتم منع أي أشخاص آخرين تمثيل فتح في القطاع ضمن أي فعاليات أو لقاءات من خارج “التيار الإصلاحي”، وأن من يخالف ذلك سيكون عرضة للمساءلة، بوصفه ينتحل صفة فصائلية ليست من حقه.
القاهرة أيضا
وتمثل القاهرة خيارا آخر بالنسبة لحماس حسب ما أكده المتابعون الذين قرأوا طلب حماس من القاهرة بالتدخل لوقف هذا التصعيد الأخير لعباس، وقدموا اقتراحات واضحة تتمثل في تشكيل لجنة فصائلية أو وطنية لإدارة معبر رفح إذا استمر انسحاب موظفي السلطة من المعبر وأن تشرف وزارة الداخلية في غزة على إدارة المعبر حتى تشكيل اللجنة خاصة وأنها ترى أن هدف عباس الدفع إلى مواجهة مع الاحتلال والذهاب إلى حرب شاملة وهو ما سيكون له أثر سلبي كبير في المنطقة الحدودية مع مصر.
وحسب صحيفة الأخبار اللبنانية فإن المقترح جاء خلال اتصالات مكثفة أجرتها حماس مع القاهرة على مدى اليومين الماضيين في محاولة لتجاوز الأزمات المستجدّة في ملفَّي المصالحة والتهدئة مع إسرائيل، بهدف الضغط المصري على عباس لوقف إجراءاته ضد القطاع.
ونقلت الصحيفة عن مصدر بحماس أن الاتصالات تركزت حول ملفين، الأول خطوات عباس ومحاولاته إثارة الفوضى في غزة وإحداث صدام بين العناصر الفتحاوية والأجهزة الأمنية، بما يمهّد لاتخاذ خطوات عقابية وإعلان القطاع إقليماً متمرداً، وهي الخطوات التي تنسف الوساطة المصرية في ملف المصالحة، والتفاهمات التي توسطت فيها القاهرة مع إسرائيل.
اضف تعليقا