لست أشك أن المجتمعين في قمة المناخ في شرم الشيخ قد تلقوا رسالة شعبنا لكنهم يتغافلون عنها فليس من المنطقي أن تشارك كل هذه الحكومات دون أن تتلقى تقارير مخابراتها حول درجة الأمان في الدولة المضيفة والتي بالضرورة تقود للتعرف على أوسع عملية قمع عرفتها مصر في تاريخها وأنها لازالت ضرورية لاستمرار نظام الحكم فيها.. لست أشك أن دعوات الداعين لمظاهرات ١١|١١ وإن لم أكن منهم قد بلغتهم وأنهم بطبيعة الحال قد علموا بحجم الحشود الأمنية في الشوارع لمنعها ومدى التوسع في الاعتقالات لملاحقة كل العازمين على المشاركة فيها وتخويف الجميع من مجرد التماهي معها.. ولست أشك أن المؤتمرين جميعا يعلموا كيف تدار الانتخابات في مصر وكيف تم تعديل دستورها ليسمح للحكام بالحكم مدى الحياة.. لست أشك أن كثيرا من بلاد ضيوفنا قد استقبلت على أراضيها عددا من طالبي اللجوء المصريين الذين أصبحوا بعشرات الالاف خارج بلادهم يبحثون عن مأوي يحميهم من القمع والاعتقال الذي أصبح سيد الموقف في بلادنا وأنهم بالضرورة يمنحونهم هذا الحق لانطباق القواعد القانونية للحماية من تعسف وجور السلطات.
وإن كانوا في الحقيقة لم يعرفوا شيئا من ذلك فلا أظنهم لم يتلقوا رسالة سناء سيف في ذات القاعات التي يقيمون فيها وكيف أنها صرخت: إن جيل الربيع العربي يعاقب منذ ٩ سنوات لأنه تجرأ وطالب بالحرية والعيش والكرامة الإنسانية.. وإن لم يبلغهم ذلك فهل لم يبلغهم أيضا أن النظام المضيف قد سلط عليها أحد عملائه ليفسد مؤتمرها ويكبت صوتها مما اضطر الأمن التابع للأمم المتحدة أن يطرده؟!
لم أشك لحظة أنهم يعرفون كل هذا بل ويعرفون أكثر من هذا ويعرفون في هذا المجال أكثر مما نعرف لكنهم لا يواجهون الحقيقة لحسابات المصالح التي أصبحت هي أم الحقائق في عالم اليوم فلم يعد في عالمنا تقديرا لحقوق الإنسان إلا بقدر ارتباطها ومواكبتها لمصالحهم بل ولم يعد للإنسان قيمة إلا بقدر ركوعه للآلة الرأسمالية الهائلة التي تحكم العالم وفيما عدا ذلك فليذهب الإنسان وتذهب حقوقه للجحيم!
إنني لن أبعد كثيرا وأنا أدلل على ما أقول حين ألقي نظرة سريعة على سوريا التي لاتزال تصدر منها اشارات أخطر وأهم إدانة لعالم اليوم فالمقارنة فادحة وفاجعة وواضحة وأنت تنظر لتعامل العالم من الاوكراني وتعاملهم مع السوري برغم أن كلاهما يتلقى ذات الصواريخ والقذائف الروسية!
لهذا لست مع من يتصورون أن الحكومات المشاركة إنما تحضر في مؤتمر دولي يخص الأمم المتحدة في شأن المناخ وحده وأنهم لا علاقة لهم بالدولة المضيفة ولا بقضايا أخرى فهي مجرد مقر للمؤتمر ولا يستلزم ذلك معرفتهم بنظامها السياسي ولا مدى معايير الشفافية المطبقة في الدولة المضيفة ولا مدى علاقتها بقضية المناخ ولا ما يجرى على أراضيها من انتهاكات لحقوق الإنسان على أرضها فهذا شأن ومجال أخر! وإذا كان الأمر حقيقة كذلك وأنهم لا يعرفون شيئا مما سبق فمن واجبنا أن نعرفهم شيئا من ذلك عسى أن يستيقظ الضمير الأممي ويرى ما يراه شعبنا كل يوم ويسمع ما ضجت له الآذان طوال تسع سنوات.
د. طارق الزمر.. مركز حريات للدراسات السياسية
اضف تعليقا