يغلق عام 2019 أبوابه وما تزال الأزمة الخليجية مستمرة، رغم تطورات سياسية ورياضية وإعلامية كسرت جليد النزاع، ودفعت نحو تكهنات بتدفق مياه المصالحة في 2020، رغم عراقيل عديدة.

هذه الأزمة بدأت في 5 يونيو/ حزيران 2017، وهي الأسوأ منذ تأسيس مجلس التعاون لدول الخليج العربية عام 1981، حيث عصفت بأركان المجلس، الذي يضم السعودية، قطر، الإمارات، الكويت، سلطنة عمان والبحرين.

وقطعت السعودية والإمارات والبحرين ومصر علاقاتها مع قطر، ثم فرضت عليها “إجراءات عقابية”؛ بزعم دعمها للإرهاب، وهو ما تنفيه الدوحة، وتتهم الدول الأربع بمحاولة فرض السيطرة على قرارها السيادي.

ولأول مرة منذ اندلاع الأزمة، أعلن وزير خارجية قطر، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في 13 ديسمبر/ كانون أول الجاري، عن وجود قناة تواصل بين الدوحة والرياض واتفاقهما على المباديء الأساسية للحوار، وكذلك على وقف الهجمات الإعلامية المتبادلة.

لكنه استدرك مشددًا على أنه “من المبكر الحديث عن تقدم حقيقي في الحوار مع السعودية.”

وللمرة الأولى، أعلنت السعودية وجود مفاوضات لحل الأزمة مع قطر، حيث قال وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، في 10 ديسمبر/ كانون أول الجاري، إن “المفاوضات مستمرة”.

وتابع: “والدول الأربعة تستمر في دعم هذه الجهود، وحريصون إن شاء الله على نجاحها، والأفضل أن يبقى الموضوع بعيدًا عن الإعلام”.

** العام الأفضل

2019 هو العام الأفضل على مسار معالجة الأزمة الخليجية، حيث شهد انكسارًا في جليد العلاقات، عبر مشاركة منتخبات السعودية والإمارات والبحرين في بطولة كأس الخليج لكرة القدم (خليجي 24) بقطر، في تراجع عن قرار سابق بمقاطعة البطولة.

ووصل منتخبا السعودية والبحرين إلى العاصمة القطرية الدوحة عبر طيران مباشر، في ظل “حصار” جوي يفرضه البلدان على قطر، بينما توجه المنتخب الإماراتي إلى الدوحة، عبر الكويت.

وهو ما قد يشير، وفق مراقبين، إلى تفاهم سعودي-بحريني على اقتراب حل الأزمة، مقابل تعنت إماراتي.

كما شهد 2019 تراجعًا في التوتر بين شعوب دول الأزمة؛ بعد تعبئة إعلامية صاحبت الأزمة منذ اندلاعها.

وشارك مشجعو دول الأزمة في تشجيع منتخابتهم في البطولة، التي فازت بها البحرين، للمرة الأولى، إثر تغلبها على السعودية بهدف من دون رد.

واتسمت البطولة بروح رياضية مرتفعة واستضافة قطرية متميزة لمشجعي منتخبات السعودية والبحرين والإمارات.

واعتبر كثيرون أن قطر فازت “أخلاقيًا” في بطولة كأس الخليج، من خلال تعاملها مع هذه الفعالية الرياضية، رغم الأزمة.

ورفعت قطر مستوى تمثيلها في الدورة الأربعين للقمة الخليجية، بالعاصمة السعودية الرياض في 10 ديسمبر/ كانون أول الجاري، حيث شارك رئيس وزراء قطر، الشيخ عبد الله بن ناصر بن خليفة آل ثاني.

وخلال القمة، استقبل العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز، رئيس الوزراء القطري، وهو أرفع مسؤول قطري زار المملكة منذ بدء الأزمة، في لقاء وصفه مراقبون بـ”الدافىء”.

وأظهر مقطع مصور، بثه التلفزيون السعودي الرسمي، استقبال الملك سلمان وعدد من الوزراء والمسؤولين السعوديين للوفد القطري.

وتبادل الجانبان الحديث والسلام والابتسامات، بينما كان المعلق على الخبر يقول: “أهلاً وسهلاً بأهل قطر في بلدكم الثاني”، ووصفه بـ”الاستقبال الكبير” للمسؤول القطري البارز”.

ويعد ذلك اختلافًا واضحًا في لهجة الإعلام السعودي، الذي عمل، منذ بدء الأزمة، على استهداف الدوحة والتحريض المباشر ضدها، دون سبب مقنع، وفق مسؤولين قطريين.

وصرح رئيس الوزراء الكويتي، الشيخ صباح الخالد الصباح، في الأول من ديسمبر/ كانون أول الجاري، بأن القمة الخليجية الأربعين ستكون “محطة مهمة جدًا للمصالحة الخليجية”.

** عراقيل أمام المصالحة

في ظل التطورات الأخيرة، تفيد تكهنات بأن المصالحة الخليجية قد تتم عبر مستويات، تبدأ بتطبيع العلاقات بين قطر والسعودية، ثم بين قطر والإمارات والبحرين.

ومقابل أحاديث عن انفراج محتمل، ثمة تحديات ربما تعرقل المصالحة، خاصة وأن أنماط التفكير الاستراتيجي لم تتغير، والعقل السياسي الذي أوجد الأزمة هو نفسه من ينتج السياسات، بحسب مراقبين.

ومن بين التحديات أيضًا، البحث عن ضمانات لعدم تكرار مثل هذه الأزمة، وغياب الثقة بين أطراف الأزمة في الجوانب الأمنية والسياسية والاقتصادية.

ويرى مراقبون أن الأزمة الخليجية الراهنة ليست حدثًا عارضًا، وليست كسائر الأزمات التي شهدتها المنطقة، سواءً من حيث آثارها الجيوسياسية المدمرة أو ارتداداتها النفسية والأخلاقية على المستوى الشعبي.