العدسة: محمد العربي
“أردوغان مهووس بإسرائيل. إنه يعلم تماما ماذا هو جيش أخلاقي وماذا هي ديمقراطية حقيقية خلافا لجيشه الذي يذبح النساء والأطفال في القرى الكردية. دولته تصبح أكثر طغيانية يوما بعد يوم” بهذه الكلمات بدأ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يومه عبر تويتر الأحد الماضي، ليفتح عليه أبواب جهنم التركية التي تنوعت في ردودها من جانب، وفي شخوصها من جانب آخر، ولعل أبرز الردود التي لم تحمل كثير الكلمات ولكنها حملت كثير المعاني تلك التي رد بها الرئيس التركي رجب طيب اردوغان قائلا:” طرقت الباب الخطأ، أردوغان هو صوت المظلومين أمّا أنت فإنك صوت الظالمين، وتمارس إرهاب الدولة” وأضاف اردوغان قائلا: ” لا حق لإسرائيل في توجيه الاتهامات لأي طرف، قبل أن تحاسب على خطاياها وجرائمها ضد الإنسانية والمذابح، التي ارتكبتها والدمار الذي تسببت به “.
هذا التصعيد الجديد ربما لن يكون الاخير بين الرئيس التركي ورئيس الوزراء الإسرائيلي، حيث يواجه الاخير أزمة سياسية طاحنة بعد اتفاق أحزاب الائتلاف الحاكم بإجراء انتخابات مبكرة في نيسان/ ابريل المقبل، واعلان الكينست الإسرائيلي، ليصبح نتنياهو في مأزق سياسي حاول تجنبه منذ عدة شهور.
قبارصة أم أكراد
وفي إطار الحرب الكلامية المتصاعدة بين تركيا وإسرائيل دخلت أييلت شاكيد وزيرة العدل في حكومة نتنياهو علي خط الأزمة، ولكنها هذه المرة وجهت الحرب ضد أردوغان في اتجاه الأكراد وليس قبرص كما فعل نتنياهو، حيث دعت لحماية تنظيم “ي ب ك/ بي كا كا” الذي تصفه أنقرة بالإرهابي، واكدت شاكيد في حديث لإذاعة الجيش الإسرائيلي الأربعاء أن انسحاب الولايات المتحدة من سوريا، “سيقوي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بينما سيضر باسرائيل”، متمنية أن ينتصر الأكراد في حربهم ضد الأتراك، وأن يمنع المجتمع الدولي أردوغان من قتل الأكراد.
وفي أول رد فعل تركي علي تصريحات شاكيد أكد المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية عمر جليك في مؤتمر صحفي عقده للرد علي شاكيد، بأن وزيرة العدل الإسرائيلية ليست في حجم الرئيس رجب طيب أردوغان كي تنتقده، وأضاف جليك أن “وزيرة العدل المذكورة هي من دعت سابقا إلى قتل الأمهات الفلسطينيات، لهذا فهي بحالة نفسية منحرفة إلى هذه الدرجة”، مؤكدا أنه ليس غريبا علي الوزيرة الإسرائيلية التي دعت لقتل الأمهات الفلسطينيات ان تقوم بتقديس “ب ي د-ي ب ك” و”قوات سوريا الديمقراطية” الإرهابية.
وأشار جليك إلى أن تصريحات الوزيرة الإسرائيلية مهمة من حيث إظهار العقلية المنحرفة التي تقدس “ب ي د-ي ب ك-قوات سوريا الديمقراطية” والكشف عن الجهة المتحالفة مع التنظيم الإرهابي، مؤكدا أن أردوغان من أكثر القادة الذين يقفون ضد معاداة السامية بالعالم، رافضا التصريحات التي تسعى للترويج على أن الرئيس التركي يعادي اليهود.
ودعا جليك، جميع الأكراد لرؤية الذين يعتبرون منظمة “بي كا كا” الإرهابية أصدقاء لهم، مؤكدا أن هؤلاء هم نفس الذين يدعون لقتل الأمهات الفلسطينيات.
صواريخ تركية ساخنة
وحسب المتابعون فإن تركيا قرأت المشهد مبكرا، ولذلك حرص مسؤوليها علي إطلاق صواريخ بعيدة المدي لنتنياهو، بألا يهرب من أزمته الداخلية عن طريق انتقاد تركيا، وهو ما عبر عنه الناطق باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن، الذي أكد أن رئيس الوزراء الإسرائيلي يحاول صرف الأنظار عن الدعاوى القضائية التي تلاحقه في بلاده، ولكن محاولاته هذه لن تتكلل بالنجاح.
وأوضح قالن أن نتنياهو لن يفلح بأي شكل من الأشكال، في التستر على سياسات الظلم والاحتلال التي تمارسها إسرائيل, موجها كلامه لقادة إسرائيل قائلا “لن يستطيعوا إسكات الرئيس أردوغان”.
كما شارك وزير الخارجية التركي تشاووش أوغلو في الهجوم الموجه ضد نتنياهو، ووصفه في عدة تغريدات نشرها عبر حسابه بتويتر، بأنه قاتل بدم بارد في العصر الحديث، ومسؤول عن مقتل آلاف الأبرياء من أبناء الشعب الفلسطيني.
وأكد الوزير التركي أن بلاده لن تتوقف عن كشف الحقائق، مبينا أن نتنياهو قصف الأطفال الفلسطينيين وهم يلعبون في الشواطئ.
وطبقا لوكالة الأناضول فإن أوغلو دعم تغريدته بصور لرموز المقاومة الفلسطينية، مثل الطفل فوزي الجنيدي الذي تعرض للاعتقال من قِبل عدد من الجنود الإسرائيليين والشهيد المُقعد فادي أبو صلاح.
لماذا التصعيد
ووفقا لتحليلات عديدة فإن نتنياهو قام بتصعيده الاخير ردا علي حديث أردوغان لشباب أتراك مساء السبت الماضي في الاحتقفال بذكري ابن الرومي والذي قال لهم: “لا تركلوا عدوّكم بعد طرحه أرضا، فأنتم لستم يهودا في إسرائيل”.
وتشير نفس التحليلات إلي أن العلاقات بين تركيا واسرائيل تشهد توترا ملحوظا في الأشهر الأخيرة خاصّة بعد الخطوات الأخيرة التي تهدف لتهويد القدس، وكنتيجة كذلك للتقارب بين إيران وروسيا وتركيا.
وحسب وصف المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية التركي، عمر جليك، فإن نتنياهو، منزعج من العمليات العسكرية التي تقوم بها القوات التركية ضد أهداف منظمة “بي كا كا” التي تقوم بأعمال إرهابية، دون تمييز بين طفل أو مسن أو إمرأة.
وأوضح جليك أن نتنياهو يظن أن بإمكانه طمس الحقائق عبر التهجم على أردوغان والجيش التركي، مشيراً في هذا السياق إلى الدعاوى القضائية التي تلاحق رئيس الوزراء الإسرائيلي في بلاده، مؤكدا أن نتنياهو يتهم تركيا باحتلال شمال جزيرة قبرص، وأود أن أذكر نتنياهو بأن قضية جمهورية شمال قبرص التركية من أكثر القضايا العالمية شرعية، وتركيا من أكبر الداعمين والضامنين لهذه القضية.
وأضاف جليك أن “جميع الذين يحملون الجنسية التركية، هم مواطنون من الدرجة الأولى في بلادنا، ونتنياهو الذي يدافع عن مفهوم الدولة القومية القائمة على العرق والدين، لا يستطيع أن يدرك ذلك، وتركيا هي الدولة الأكثر كفاحا ضد التنظيمات الإرهابية، التي تقتل الأطفال والنساء”، مؤكدا أن تركيا بقيادة أردوغان، هي الدولة التي فتحت أبوابها في وجه المظلومين الفارين من ظلم “التنظيمات الإرهابية”، وأن تركيا تدرك جيدا الجهات التي تدعم الإرهابيين الذين يقتلون الأطفال والنساء.
إلي أين؟
وفيمنا يبدوا فإن السؤال السابق يتزامن مع كل أزمة تشهدها العلاقات التركية الإسرائيلية، وهو ما دفع العديد من التحليلات لقراءاة السيناريوهات المتوقعة في شكل العلاقة بين أنقرة وتل أبيب.
وحسب هذه التحليلات فإن الرئيس التركي ورئيس الوزراء الإسرائيلي مارس كل منهما سياسة عض الأصبع ضد الآخر، وكلاهما في انتظار من يصرخ أولا، وكلما زادت حدة أسنان أحدهما، أطلق الآخر التصريحات التي تعيد إليه التوازن مرة أخري، ولكن في النهاية يظل التصعيد الكلامي غير محسوب، بينما التصعيد الفعلي سيكون بحساب دقيق، نظرا لتشابك العلاقة بين الطرفين.
ويري الخبراء أن تركيا كانت في السابق تحتاج لإسرائيل في عدة مجالات، منها التعاون الأمني وتطوير الأسلحة والصناعات الدفاعية في سنوات حكم العدالة والتنمية الأولى، وهي الحاجة التي تراجعت كثيرا مع مرور السنوات لكنها لم تنته تماما.
ووفقا لنفس التحليل فإن حاجة إسرائيل إلى تركيا أكبر من حاجة الأخيرة إليها، ونتيجة لذلك تنازلت إسرائيل في العام 2016 “ورضخت” وفق تعبير البعض لمطالب تركيا بالاعتذار والتعويض لضحايا سفينة مرمرة كشرط لاستئناف العلاقة بينهما، ولذلك فإن كثير من النخب الإسرائيلية تدرك أن تركيا دولة ذات حضور ونفوذ آخذ في التصاعد في منطقة الشرق الأوسط ولديها العديد من أوراق الضغط على إسرائيل ولذلك ليس من مصلحتها استفزاز تركيا بشكل مستمر ودفعها نحو خيار القطيعة معها.
اضف تعليقا