يبدو أن الخلاف الحالي على الساحة الليبية مختلف عن الخلاف الذي دار قبل عام 2021. ويدور الخلاف الحالي على منصب رئاسة الحكومة بين رئيس حكومة الوحدة الوطنية الحالي، عبد الحميد الدبيبة، ووزير الداخلية السابق الذي اختاره مجلس النواب مجلس النواب مؤخرًا ليخلف الدبيبة في منصبه، فتحي باشاغا.
وكان الأمر مشابهًا لهذا الخلاف من هذه الناحية قبل 2021، حيث كان العنوان العريض للصراع بين قوات مجرم الحرب، خليفة حفتر، وحكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج، هو أن الحكومة غير شرعية.
لكن بعيدًا عن هذا التشابه البسيط، فإن أوجة الاختلاف بين الموقفين أكثر وأخطر في الوقت ذاته. ففي المرحلة السابقة، كان رئيس المجلس الرئاسي هو نفسه رئيس حكومة الوفاق، الأمر الذي يدعم موقف الحكومة ويقويها في وجه “حفتر”. لكن في المقابل، فإن المجلس الرئاسي منفصل عن الحكومة، وقد اتخذ موقف الحياد في الخلاف الدائر حاليًا بين “باشاغا” و”الدبيبة”.
المجلس الأعلى للدولة ينحاز لباشاغا
لكن الخلاف الأبرز، وربما المفاجئ للبعض، هو موقف مجلس الدولة الليبي، برئاسة خالد المشري. ففي الوقت كان فيه المجلس في الخلاف السابق مؤيدًا بشدة لحكومة الوفاق الوطني، وداعمًا لقتالها لقوات الانقلابي حفتر، يبدو مجلس الدولة اليوم أقرب لفتحي باشاغا، الذي اختاره النواب التابعون لحفتر في البرلمان لرئاسة الحكومة. ما يعني أن هناك موقفًا مشتركًا اليوم بين المجلس بقيادة “المشري” ومعسكر مجرم الحرب خليفة حفتر.
وقد صرح بذلك “المشري” بشكل واضح حين قال إن هناك توافقًا بين المجلسين (النواب والدولة) حول خارطة الطريق، التي ترسم مستقبل ليبيا ما بعد الدبيبة. وأضاف المشري: “جاهزون للتعاون مع مجلس النواب في مسألة منح الثقة لحكومة باشاغا”.
كما أشار رئيس “الأعلى للدولة” إلى تصريحات الدبيبة التي أكد فيها أن “المجلس الرئاسي هو من يختار الحكومة”. وأبدى المشري تعجبًا من هذه التصريحات، مشددًا على أن هذا حق مشترك بينه وبين مجلس النواب، الذي يترأسه، عقيلة صالح، التابع لحفتر.
علاوة على ذلك، عبر رئيس الأعلى للدولة عن استهجانه، لما اعتبرها “حملة موجهة من حكومة الدبيبة ضد مجلس النواب ومجلس الدولة”، داعيًا لزيادة التوافق بين المجلسين ورافضًا لأي دعوات أخرى لفرض الرأي بالقوة.
المشري يبرر إزاحة حكومة الدبيبة
كما برر المشري إزاحة الدبيبة واختيار باشاغا بأن تغيير رئيس الحكومة لم يكن أمرًا مفاجئًا، بل كان ناجمًا عن نهاية ولايته في 24 كانون الأول/ ديسمبر الماضي. وأشار المشري إلى أن 52 عضوًا في مجلس الدولة (نحو 39 بالمئة) منحوا تزكياتهم لباشاغا، و26 لخالد البيباص، و5 لمرشح آخر.
في حين تم الاتفاق على أن المرشح لرئاسة الحكومة لا بد أن يحصل على 30 تزكية على الأقل من مجلس الدولة و40 من مجلس النواب، ولم يستوف هذا الشرط سوى باشاغا.
وفي الوقت الذي كان من المنتظر أن تعقد جلسة للمجلس الأعلى للدولة، السبت الماضي، لمناقشة اختيار مجلس النواب في طبرق لرئيس حكومة جديد، تم تأجيل الجلسة “لأسباب أمنية”. لكن رغم ذلك، يمكن القول إن سياق حديث المشري – المتمثل في الطعن في شرعية حكومة الدبيبة وتبرير طريقة اختيار فتحي باشاغا- يؤكد دعم المشري لباشاغا. وهو الموقف الذي يشترك فيه حاليًا مع معسكر مجرم الحرب خليفة حفتر، كما أسلفنا.
ضغوط متزايدة على المجلس الأعلى للدولة
وبسبب هذه النقطة، وهي اتفاق المجلس الأعلى للدولة في سياسته الحالية مع مجلس النواب الذي تتبع رئاسته لمعسكر حفتر، يتعرض “الأعلى للدولة” لضغوط من الشارع الليبي، الذي باتت شعبية الدبيبة فيه كذلك واسعة بعد فترة رئاسته للحكومة.
حيث شهدت العاصمة الليبية طرابلس، الجمعة الماضية، مظاهرات مطالبة بإسقاط البرلمان في طبرق، رفضًا لتسليم باشاغا رئاسة الحكومة. ودعا مئات المحتجين في ميدان المدينة الرئيسي إلى وضع حد لتصرفات البرلمان، متهمين باشاغا بدعم خليفة حفتر. كما تظاهر عدد من الليبيين أمام مقر المجلس الأعلى للدولة، داعين إلى المطالب ذاتها.
كذلك، فإن الكتائب المسلحة الداعمة للدبيبة حشدت قواتها في طرابلس رفضًا لتولي باشاغا رئاسة الحكومة. لذا فإن هذا الوضع المفخخ في طرابلس، يضغط بدوره على المجلس الأعلى للدولة، ورئيسه خالد المشري، للعدول عن تأييد الإطاحة بالدبيبة.
إضافة لذلك، فإن “الأعلى للدولة” ليس موحدًا في توجهه تأييد باشاغا. بدليل قول الدبيبة إن 52 عضوًا في مجلس الدولة (نحو 39 بالمئة) منحوا تزكياتهم لباشاغا، و26 لخالد البيباص، و5 لمرشح آخر. ما يعني أن 83 من إجمالي 134 منحوا تزكياتهم لثلاث مرشحين لرئاسة الحكومة، أي أن نحو 62 بالمئة من أعضاء المجلس يؤيدون تغيير الحكومة، بينما يعارض هذا التوجه 38 بالمئة من النواب.
قرارات غير نهائية
وفي ظل هذا الضغط، أكد المجلس الأعلى للدولة، الأحد الماضي، أن “التعديل الدستوري الثاني عشر الصادر عن مجلس النواب وكذلك تغيير رئيس الوزراء هي قرارات غير نهائية”، منوهًا بأن “هناك العديد من الملاحظات حولها”.
وقال المجلس في بيان نشره مكتبه الإعلامي إن قراره بشأن التعديل الدستور الثاني عشر وتغيير رئيس الوزراء “سيكون خلال جلسة رسمية وبشفافية كاملة”، مؤكدًا حرصه “على سلامة الوطن ووحدته وحرمة الدم الليبي بعيدًا عن أية مكاسب سياسية ومصالح ضيقة قد يفكر البعض فيها”.
كما أكد المجلس الأعلى للدولة في البيان “التزامه العميق بأهداف ومبادئ الثورة وحفاظه وصونه للدماء والتضحيات التي عبدت الطريق لهذه الثورة”، مهنئًا الليبيين بالذكرى الحادية عشرة لثورة السابع عشر من فبراير.
ويبدو أن الأيام القادمة ستتمحور حول قياس موازين القوى بين الطرفين، المؤيدين لباشاغا والمؤيدين للدبيبة. وتقدير المواقف هذا من الجانبين سيحدد، ليس فقط قرار المشري، بل ربما مستقبل ليبيا بشكل عام.
اضف تعليقا