يواجه الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” في الوقت الحالي، معضلة تلاحقه منذ وصوله إلى البيت الأبيض، فهو من جهة يسعى إلى تقديم نفسه بصورة الرئيس القوي، لكنه من جهة ثانية يريد الوفاء بالتزاماته الانتخابية بطي صفحة التدخل العسكري لبلاده في منطقة الشرق الأوسط، الذي يعتبره مكلفا.
وقبل 3 أشهر تراجع “قبل 10 دقائق من موعد الضربة” عن تنفيذها حسب قوله، موضحا أنه فضل تجنب رد لا يتناسب مع هجوم بطائرة مسيرة لم يوقع أي قتيل أمريكي.
لكن بعد القصف غير المسبوق الذي تعرضت له منشأتا نفط تابعتان لشركة “أرامكو” السعودية، يري الكثيرون أنه بات على “ترامب” الآن اتخاذ أحد أهم الخيارات منذ تسلمه الرئاسة، الذي ربما يتمثل في الانحياز إلى الخيار العسكري للمرة الأولى في مواجهة إيران.
وبعيد القصف الذي استهدف السعودية، السبت، سارع وزير الخارجية “مايك بومبيو” إلى اتهام إيران بشكل مباشر، فيما تابع “ترامب” عادته باتخاذ مواقف غامضة تحمل اتجاهين.
أكد “ترامب” أن الولايات المتحدة “مستعدة للرد “مستعيدا نفس التعبير الذي كان استخدمه في يونيو/حزيران الماضي.
ورأى مراقبون أن “ترامب” بدا هذه المرة أكثر حذرا من وزير خارجيته عندما ظهر كأنه يريد كسب بعض الوقت عبر القول بأنه ينتظر “التحقق” لكشف مصدر الهجوم، موضحا أيضا أنه ينتظر ما ستكشفه الرياض.
ويدور النقاش حاليا حول المسؤولية الفعلية لإيران عن قصف منشآت نفطية في شرق المملكة تابعة لشركة “أرامكو”، ما أدى إلى توقف الرياض عن إنتاج نصف كمية نفطها. ونفت إيران اتهامات “بومبيو” واعتبرت أنها “لا أساس لها من الصحة”.
مواقف غامضة
ويستخدم “ترامب” في الوقت نفسه سياسة تهدئة وتصعيد مع إيران ما يجعل من الصعب التكهن بما يمكن أن يتخذه من قرارات بعد القصف الأخير.
وبعد أن كان كرر مرارا استعداده للالتقاء بنظيره الإيراني “حسن روحاني” على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، عاد وكتب الأحد في تغريدة: “أن الأخبار الكاذبة تدعي بأنني جاهز للالتقاء بإيران من دون شروط.. هذا غير دقيق”.
لكن العودة إلى التصريحات الأخيرة لكبار معاونيه والعاملين في إدارته تؤكد العكس، وقبل أيام قليلة قال وزير الخزانة “ستيفن منوشين”: “الرئيس قالها بشكل واضح فهو مستعد للقاء من دون شروط مسبقة”.
وقال “ريتشارد هاس” رئيس مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي: “إن الغموض لا ينتاب فقط الموقف الأمريكي من حرب محتملة في الشرق الأوسط بعد القصف على المنشآت النفطية السعودية، بل يطال كل السياسة الخارجية الأمريكية”.
وأضاف: “الرئيس يتهم إيران من دون إثباتات، وينفي أن يكون موافقا على محادثات من دون شروط، ولا أهداف واضحة له بشأن كيفية التعامل مع إيران”.
سياسة فاشلة
من جهته اعتبر “بن رودس” المستشار السابق لـ”أوباما” أن التطورات خلال الساعات الـ48 الأخيرة، تكشف أن استراتيجية “ترامب” بشأن إيران، هي عبر الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني.
وتابع، في تغريدة على “تويتر”، أن إعطاء السعوديين شيكا على بياض في حرب اليمن، وتكثيف العقوبات والتهديدات، إنما تدل على فشل سياسته.
وخلص “رودس” إلى القول: “لقد وضعتنا سياسة ترامب الكارثية على حافة حرب واسعة”، محذرا من تدخل عسكري أمريكي ستكون عواقبه وخيمة.
عسكرية أم دبلوماسية
وبعد أشهر من التوتر الشديد بين واشنطن وطهران، تتزايد تساؤلات حول إمكانية انتقال “ترامب” إلى الفعل، ولو أدى الأمر إلى مواجهة عسكرية بدلا من الحرب الكلامية، أم أنه سيختار في النهاية طريق الدبلوماسية بعد أيام على رحيل مستشاره للأمن القومي “جون بولتون” المعروف بمواقفه المشجعة على الحرب خصوصا مع إيران؟
والمعادلة باتت معقدة بالنسبة لـ”ترامب” الذي كان يأخذ على سلفه “باراك أوباما” تردده في اتخاذ القرارات الصعبة.
فقد كرر “ترامب” القول مرارا أن “الكارثة السورية” كانت ستنتهي في عهد “أوباما” لو أنه التزم برفض تجاوز الخط الأحمر الذي كان وضعه في سوريا عام 2013، وبعد أن كان “أوباما” أعلن استعداد بلاده لقصف مواقع للنظام السوري إثر هجوم كيميائي على مدنيين، عاد وتراجع وسط ذهول الجميع.
لكن “ترامب” عاد اليوم لممارسة هوايته المفضلة في اتخاذ مواقف غامضة، حيث قال إن إيران ربما تكون المسؤولة عن هجوم “أرامكو”، لكنه يرغب “بكل تأكيد” في تجنب الحرب معها.
وأضاف “ترامب” في تصريحات نقلتها وسائل إعلام أمريكية “أنه لم يعد السعوديين بحمايتهم”، معتبرا أن “الدبلوماسية لا تستنفد أبدا عندما يتعلق الأمر بإيران”.
اضف تعليقا