العدسة – منصور عطية
من جديد يبدو الليبي “محمود الورفلي” القيادي البارز فيما تسمى عمليات الكرامة على موعد مع الإفلات من العقاب بجريمة جديدة موثقة كسابقاتها، تكشف إلى أي حد وصل به التحدي.
الرجل القوي في القوات الخاصة الصاعقة (المنشقة عن الجيش الليبي في أعقاب الإطاحة بالعقيد معمر القذافي 2011) والذراع الأيمن لقائد القوات المنبثقة عن برلمان طبرق خليفة حفتر، أعدم الثلاثاء، بدم بارد 10 أشخاص ليكدس سجله بهذا النوع من الجرائم.
ورغم تعدد المطالب الأممية والحقوقية ووجود مذكرة توقيف بحقه من المحكمة الجنائية الدولية، إلا أنه يبقى ليس طليقا فحسب بل مستمرا بارتكاب جرائم أكثر وحشية فمن الذي يحميه؟
إدانات ومذكرة توقيف في الهواء!
وفور انتشار المقطع المصور الذي يوثق عملية الإعدام الأخيرة، أعربت بعثة الأمم المتحدة في ليبيا عن قلقها البالغ من تنفيذ إعدامات “وحشية” دون محاكمة في بنغازي، وطالبت بتسليم “الورفلي” إلى المحكمة الجنائية الدولية فورا.
وقالت البعثة الأممية في حسابها على تويتر إن “الأمم المتحدة وثقت ما لا يقل عن 5 حالات مشابهة في 2017 وحده، نفذها الورفلي أو أصدر أوامر بتنفيذها”، وأضافت: “منفذو عمليات إعدام دون محاكمة أو من أصدروا أوامر بتنفيذها مسؤولون جنائيا بموجب القانون الدولي”.
وأظهرت صور على مواقع التواصل الاجتماعي الورفلي، وهو يعدم 10 أشخاص مقيدين ومعصوبي الأعين في منطقة السلماني في بنغازي أمام مسجد بيعة الرضوان حيث وقع تفجيران الثلاثاء.
وعادة ما ترتكب جرائم الإعدام الجماعية تلك بحق أعضاء في مجلس شورى ثوار بنغازي الذي كانت له اليد الطولى في إسقاط نظام القذافي 2011، وظل مسيطرا على ثاني كبريات المدن الليبية حتى نجح حفتر بدعم إقليمي غير مسبوق في السيطرة على المدينة في يوليو الماضي.
المدعية العامة في المحكمة الجنائية الدولية “فاتو بنسودا” جددت في كلمتها أمام مجلس الأمن الدولي، نوفمبر الماضي، مطالبها لحفتر بتسليم “الورفلي”، بعد أن أصدر قضاة المحكمة منتصف أغسطس الماضي مذكرة توقيف بحقه.
ودعت كذلك في سبتمبر الماضي إلى اعتقال الورفلي، وقالت إنه “متهم بارتكاب جرائم قتل”، حيث أعدم أو أصدر الأوامر بإعدام 7 أشخاص بين مارس ويوليو الماضيين، وفي يونيو 2016، تم تصوير وقائع الإعدامات ونشرها على عدد من مواقع التواصل الاجتماعي، بينما قالت “بنسودا” لمجلس الأمن إنه تسبب في مقتل 33 شخصا “بدم بارد”.
تحدٍ سافر
اللافت أن عملية الإعدام تزامنت مع الزيارة التي قام بها المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى ليبيا، غسان سلامة، والتقى خلالها حفتر بمقر قيادة قواته في مدينة الرجمة إلى الشرق من بنغازي، حيث وقع الإعدام.
هذا التحدي السافر الذي يبديه حفتر ورجاله ليس الأول من نوعه، حيث كان السمة البارزة في ردة فعل حفتر على مطالبات المحكمة بتسليم الورفلي، حيث قال المتحدث باسم قوات عملية الكرامة في ليبيا “أحمد المسماري”: إن “الورفلي” لن يُسلم للمحكمة الجنائية الدولية “لأن قضيته جرت داخل ليبيا”.
وأكد المسماري في تصريحات له أواخر أغسطس الماضي، أن قضية “الورفلي” جرت على الأراضي الليبية، وأنهم لن يسلموا أي مواطن ليبي إلا إذا كان متهما في قضية ارتكبت خارج ليبيا، وأشار إلى أن التحقيق مع الورفلي -الذي قيل إنه اعتقل في وقت سابق من أغسطس – يجري وفقا للقانون.
هذا التحدي لا يكشف إلا حقيقة واحدة، وهي أن حفتر يرفض مخرجات العملية السياسية التي يفترض أن تؤول إلى انتخابات عامة العام الجاري، ويسعى لفرض أجندته القائمة على استخدام القوة والقوة فقط في سبيل السيطرة.
تلك القوة المدعومة إقليميا ودوليا لا تستخدم ضد التنظيمات الإرهابية مثل داعش وغيره، بل بحق خصوم حفتر السياسيين والمنتمين لتيار الإسلام السياسي، الأمر الذي يروق لدول عربية تتخذ نفس النهج.
علاقة حفتر بداعش مثلا، تبدأ من تراجعه عن حربهم في مدينة درنة الساحلية، والسماح بوصولهم إلى مدينة سرت دون أي اعتراض من قواته التي كانت مرابطة بالقرب من هذا المكان.
ليرد الطيار الحربي بسلاح الجو الليبي، والضابط برئاسة الأركان الليبية الآن، العقيد عادل عبد الكافي، بقوله، إن “قرابة 100 سيارة مسلحة على متنها أسلحة وجنود لـ(داعش) مرت بخمسة تمركزات لقوات حفتر بالإضافة لقاعدة عسكرية على طول طريق صحراوي مكشوف بطول 800 كيلومتر لتصل إلى سرت”.
من يحمي حفتر ورجاله؟
هنا يجب البحث عن إجابة للتساؤل الذي يفرض نفسه بقوة وهو من الذي يحمي حفتر وجاله من الملاحقة الدولية رغم ثبوت ما ارتكبوه من جرائم وتوثيقها؟.
الملاحقة لا تتوقف عن الورفلي فقط بل تنسحب إلى حفتر ذاته، الذي ربما أيقن أنه بات بمنأى عن أية ملاحقة هو ورجاله بفضل دعم قوي لا يزال يتلقاه، واستقبالات رسمية بقادة دول في المنطقة، تجعل من السهل الجزم بالداعمين الحقيقيين لحفتر والضامنين لنجاته ورجاله من أية ملاحقة.
في مايو الماضي، وبينما يشتد القتال بين حفتر وقوات مجلس شورى بنغازي، استقبل الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي حفتر في قصر الاتحادية بالقاهرة، ليس هذا فحسب، بل دعا الأول إلى رفع القيود الدولية المفروضة على توريد السلاح إلى قوات حفتر المسماة “الجيش الوطني الليبي”.
بعدها بشهرين، وفي أعقاب إعلان حفتر السيطرة الكاملة على بنغازي، استقبله ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد مقدما تهانيه إلى الرجل بمناسبة “تطهير مدينة بنغازي من التنظيمات الإرهابية”، بحسب بيان وكالة أنباء الإمارات الرسمية “وام”.
على الأرض فإن الضربات الجوية المصرية لأهداف مجلس شورى مجاهدي درنة المناوئ لحفتر تعددت على مدار العامين الماضيين بدعوى ملاحقة متورطين في أحداث عنف داخل مصر، مثل حادث الواحات نوفمبر الماضي، واستهداف أتوبيس الأقباط بالمنيا في مايو، فضلا عن التقارير التي تحدثت عن دعم مباشر بالسلاح.
ومؤخرا لاحقت أبو ظبي اتهامات أممية بتقديم مساعدات عسكرية لقوات حفتر ضاعفت أعداد الضحايا المدنيين، وطالما كانت الحماية التي يوفرها كل من السيسي وابن زايد لحفتر مستمرة، فإنها كذلك ترتبط ارتباطا وثيقا بأبرز قادته وهو الورفلي.
اضف تعليقا