العدسة – معتز أشرف:
خمس قوى عالمية تعلن دعمها لإيران ضد عقوبات واشنطن، لكن إيران تقول: إنها تنتظر الأفعال، فيما تظهر مؤشرات هنا وهناك عن إصرار سعودي إماراتي على عرقلة النجاح الإيراني بأي ثمن.
“العدسة” رصدت تحركات الأميرين محمد بن سلمان ومحمد بن زايد وأجهزتهما في الفترة الأخيرة، بالتزامن مع تحركات إيران لكسب الاتحاد الأوروبي، وهي تحركات تقول شيئًا واحدًا: لن يستمر الاتفاق النووي مع الاتحاد الأوروبي، وهو ما نستعرض ملامحه ومظاهره.
المخاوف حاضرة!
رغم الولادة المتعثرة للبيان الصادر عن وزراء خارجية دول ( مجموعة 4+ 1) بالالتزام بحماية الشركات المستثمرة في إيران من آثار إجراءات الحظر الأمريكية وتحفيز استثمارات جديدة، إلا أن المخاوف تبدو كما هي لم تراوح مكانها، فيما سارعت إيران عبر وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف لإحراز انتصار معنوي في ظل حصار وجبهات كثيرة بقوله: “إنه لمس خلال الاجتماع وجود إرادة سياسية لدى الدول الأوروبية للتصدّي للخطة الأمريكية”.
مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي فيدريكا موغيريني حثّت القوى العالمية وإيران على مواصلة المحادثات التي تشمل إجراءات اقتصادية بشأن كيفية إنقاذ الاتفاق النووي، لكن لغة البيان كانت تحمل تطمينات وإجراءات جزئية دون إجراءات كبرى، حيث أكد دعم وتطوير علاقات اقتصادية وصناعية أوسع مع إيران والحفاظ على قنوات مالية فعالة مع إيران ومواصلة تصدير إيران النفط والغاز المكثف والمنتجات النفطية والبتروكيماوية ودعم قروض الصادرات، كما جرى التشديد على تحفيز استثمارات جديدة في إيران.
كما حمل البيان طموحات كبيرة مازالت تحتاج وقتًا للتنفيذ، بحسب مراقبين، ومنها أن تحل بريطانيا محل الولايات المتحدة بصفة الرئيس المشارك في فريق عمل لتحديث مفاعل “آراك” للأبحاث، فضلًا عن تحديث ولاية بنك الاستثمار الأوروبي من أجل مواصلة الإقراض الخارجي لإيران التفافًا على العقوبات الأمريكية السارية، واستمرار التعاون مع إيران في مجال المواصلات في البر والبحر والجو.
ضغوط سعودية!
اقتنصت إيران اجتماع وزراء خارجية دول ( مجموعة 4+ 1) بصعوبة بالغة، بعد ضربة ممنهجة من خصومها أسفرت عن تصعيد دبلوماسي متزامن بين أوروبا وإيران قبل الانعقاد التاريخي لوزراء الخارجية، بعد توقيف دبلوماسي إيراني، وهو ما يعني بحسب مراقبين أنَّ البيان يحتاج إلى أفعال عاجلة قبل دقّ إسفين جديد بين الشركاء.
الأمير محمد بن سلمان ولي عهد السعودية الذي يلاحق إيران في كل مكان، مازال يبحث عن دوره في مواجهة طهران، وكواليس مقابلاته في الاتحاد الأوروبي مؤخرًا تكشف عن تربص لن يتوقف، وهنا يبرز لقاء 8 مارس 2018 في بريطانيا حيث اتفق مع رئيسة الوزراء تيريزا ماي بعد محادثات حول الأوضاع السياسية في الشرق الأوسط، على «مواجهة التدخلات الإيرانية”، وبحسب المصادر “شدد الطرفان على أهمية «التصدي للتدخلات الإيرانية التي تزعزع الأوضاع في غير بلد في المنطقة، خصوصًا في اليمن وسوريا»، وكان المقابل المعلن هو ما صرَّحت به ناطقة باسم ماي بأن الرياض ولندن تعملان لرفع حجم التبادل التجاري بينهما في الأعوام المقبلة. وقالت في بيان: «تم الاتفاق على هدف طموح للتبادل التجاري وإيجاد فرص استثمار بنحو 65 بليون جنيه استرليني، بما في ذلك استثمار مباشر في المملكة».
في 10 أبريل 2018، كان المؤتمر الصحفي الذي يجمع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بولي العهد السعودي في قصر الإليزيه بالعاصمة الفرنسية باريس، والذي أعلنا فيه عن توقيع عقود ثنائية بقيمة 18 مليار دولار، في مقابل واضح لنقاش دار حول إيران، حيث أكد ماكرون أنه يتفق مع السعودية على ضرورة كبح توسع إيران بالمنطقة وبرنامجها للصواريخ الباليستية، لكنه أكد وجوب الحفاظ على اتفاق إيران النووي، ولكن ولي العهد السعودي الأمير محمد قال: إن حكومة إيران لا تخدم مصالح شعبها وتدعم الإرهاب وتعمل ضد مصلحة السعودية، في دلالة على الرشاوى المقدمة للتخلي عن إيران، وفق مراقبين.
في 14 يونيو الماضي، كان بن سلمان حاضرًا في روسيا لحضور افتتاح المونديال، لكن أفادت وكالة رويترز بأن وزراء الدفاع والطاقة الروس والسعوديين سيشاركون في لقاء بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وولي العهد السعودي، فيما أكد “بن سلمان ” أن الزيارة ستعزز العلاقة السياسية والاقتصادية بين الدولتين «بغضّ النظر عن نتيجة مباراة الافتتاح»، وهي الزيارة التي جاءت في خضم مساعي إيران لدى الاتحاد الأوروبي لاقتناص خطوات جادة منه لحماية الاتفاق النووي.
وكان الأمير محمد بن سلمان، دعا المجتمع الدولي في 30 مارس الماضي لفرض مزيد من العقوبات الاقتصادية والضغوط السياسية على إيران، وذلك تفاديًا لأي مواجهة عسكرية في المنطقة.
خطة إماراتية!
محمد بن زايد ولي عهد أبوظبي، لم يترك بن سلمان في التحركات بمفرده، حيث بحث خلال اتصال هاتفي مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الأربعاء 13 يونيو علاقات الصداقة والتعاون بين البلدين، وسبل تعزيزها ودعمها، مؤكدًا أن العلاقات السياسية والتجارية والاقتصادية والثقافية، بين الإمارات وفرنسا، تشهد تطورًا ملحوظًا على جميع المستويات وفي كافة المجالات.
وكان ماكرون، أكد في زيارة رسمية لأبوظبي في نوفمبر 2017 أنه يرغب في مواصلة الحزم مع إيران فيما يتعلق ببرنامج الصواريخ الباليستية ونفوذ طهران في الشرق الأوسط، محذرًا من تصعيد التوتر، مشددًا على حرصه على الاتفاق النووي، إلا أنّه لابدّ أيضًا بالنسبة لنا مواصلة الحزم مع إيران فيما يتعلق بأنشطتها الإقليمية وبرنامجها للصواريخ الباليستية”.
وفي مطلع يناير 2018، أكد عبدالله بن زايد وزير الخارجية والتعاون الدولي، أنَّ هناك حاجة ماسة إلى جهد دولي منسّق لاحتواء السياسات العدائية الصارخة لإيران والحد من برنامجها للصواريخ الباليستية، مضيفًا في مقالة نشرها في صحيفة «فايننشال تايمز» البريطانية، أنّ الإمارات كانت تأمل أن يؤدي الاتفاق النووي مع إيران إلى تشجيع طهران على تبنّي سلوك معتدل في المنطقة، إلا أنَّ ذلك لم يحدث.
وكان خطاب الإمارات واضحًا للاتحاد الأوروبي من منصة بريطانية، حيث قال: «في الوقت الذي تتوحد فيه الجهود العالمية لمواجهة التهديدات النووية، نحتاج الآن إلى شركائنا الدوليين بما فيهم الاتحاد الأوروبي لمواجهة هذا التحدّي، وقد يقول البعض إنّ هذا أمل غير واقعي، وإن القضايا الأمنية في المنطقة لم ولن تكون ضمن مناقشات الاتفاقية النووية مع إيران، وسوف تختفي حتميًا في ثنايا الاتفاقية، غير أن دولة الإمارات لا توافق على ذلك، ومن دون تحقيق تقدم كبير في حل هذه المشكلات، فإنَّ الاتفاقية سوف تفشل لا محالة، وإذا سمحنا لإيران أن تستمر في طريقها العدواني، سوف تفقد الاتفاقية فحواها ومعناها».
التحرك المطلوب من الاتحاد الأوروبي، بحسب عبدالله بن زايد، “اتفاقية جديدة مع إيران لكبح جماح سلوكها الإقليمي تحقق ثلاثة أهداف: تخفيض قدرة طهران على دعم الجماعات الإرهابية والميليشيات الطائفية في المنطقة، وتخفيض قدرة الحرس الثوري على إشعال النزاعات وتدمير الدول الأخرى، وتجفيف فعالية برنامج إيران للصواريخ الباليستية لتكون في حدود معقولة، ومنعه من التوجه إلى المدنيين الأبرياء في الدول المجاورة”.
توقعات متشائمة!
وبحسب دراسة لمركز الجزيرة للدراسات بعنوان “توجهات السياسة الخارجية الإيرانية.. الأولويات والأدوار” فإنّ أي نجاح أو فشل يرتبط بصورة كبيرة بقوة وكفاءة الطرف الأوروبي في تقديم إجراءات عملية تكون قادرة على حماية الشركات الأوروبية وتمكينها من تحدّي الموقف الأمريكي، لكن تصريحات المسؤولين في طهران حتى أولئك الذين انخرطوا في المفاوضات وأسهموا في إنجاز الاتفاق النووي، والتي سبقت القرار الأمريكي عكست حالة من التشاؤم بشأن كفاءة الطرف الأوروبي.
وشددت علي أن إنجاح الاتفاق مع الأوروبيين يرتبط بصورة أساسية بقدرة هذه الأطراف على مواجهة الضغوط الأمريكية، وانتهاج سياسة لا تتفق والسياسة الأمريكية، وهو ما تقول مؤشرات عديدة بأنّه سيكون صعبًا على الرغم من أن التصريحات الأوروبية تعكس رغبة واضحة بإدامة الاتفاق، كما توقعت الدراسة أن لا يبقى الإيرانيون في الاتفاق في حال لم تقدم الأطراف الأوروبية إجراءات صلبة تقنع الإيرانيين بجدوى البقاء وتجنب التبعات السيئة للانسحاب الأمريكي من الاتفاق.
اضف تعليقا