أحمد حسين

تطورات متلاحقة تشهدها الجزائر، فيما يخص مخاض انتخابات الرئاسة المقررة أبريل المقبل، وسط غموض حاد حول خليفة الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، أو سيناريوهات بقاء الرجل في السلطة لولاية خامسة.

وفي الوسط من هذه التجاذبات، كانت حركة مجتمع السلم المحسوبة على جماعة الإخوان المسلمين، والتي أثير الجدل مؤخرا حول موقفها من الانتخابات وبوتفليقة.

لقاءات مريبة

رئيس الحركة “عبدالرزاق مقري” ألقى حجرا في المياه الراكدة، بإعلانه مؤخرا لقاء السعيد بوتفليقة شقيق الرئيس، الأمر الذي وجه أصابع الاتهام صوب الحركة بإظهار خلاف ما تخطط في الخفاء وأنها قريبة من السلطة.

الاتهامات المتواصلة دفعت الحركة إلى إصدار بيان قالت فيها إنها “لن تبيع ولن تشتري رغم كثرة المعروضات”، وأضاف عبدالله بن عجمية المكلف بالإعلام في الحركة، في تصريح صحفي: “نعم، التقينا في الآونة الأخيرة كل من يخطر على البال ومن لا يخطر، داخل الدولة وخارجها، صوريين وحكاما فعليين، لأننا ببساطة حزب كبير جدا ومحل احترام.. وليس لدينا أي عقدة أو مركب نقص”.

(عبدالرزاق مقري رئيس حركة مجتمع السلم)

وأشار إلى أن قيادة الحركة قالت لهم خلال اللقاءات المباشرة والحاسمة وحملتهم مسؤولية أي انزلاق خطير سيحدث بالبلد، وعرضت عليهم تفاصيل مبادرة التوافق الوطني.

تلك المبادرة أطلقتها الحركة العام الماضي، وتتلخص في تأجيل الانتخابات الرئاسية لمدة عام، يتم خلاله التوافق بين مكونات المجتمع والسلطة والمعارضة على وضع أسس لإجراء انتخابات بشفافية ونزاهة ضمن خطة أكبر للإصلاح السياسي والاقتصادي.

وتابع المتحدث: “أكدنا لهم خطورة الوضع الاقتصادي بالأرقام والحقائق الصادمة التي اعترفوا بها بشكل مباشر، وعبرنا لهم عن استعدادنا في حال نجاح التوافق أن نضع مصلحتنا الحزبية تحت أرجلنا لمصلحة البلد والشعب وفقط”.

هل يخلف السعيد أخاه؟

الغموض الدائر حول تلك اللقاءات وأهدافها الحقيقية، فضلا عن الصفة التي التقى بها شقيق الرئيس زعيم الحركة، ربما تدفع جميعها بتساؤل هام: هل طوت حركة السلم صفحة بوتفليقة إلى الأبد، وهل تعد تلك اللقاءات مؤشرا على دعمها شقيقه “السعيد” لخلافته، وها هي تلتقيه للاتفاق؟.

قبل أيام قليلة نشر “مقري” تدوينة عبر حسابه الرسمي على فيسبوك، قال فيها: “العهد البوتفليقي انتهى، مهما تكن الخيارات فهو في رمقه الأخير ولكن.. الفاسدون والعلمانيون المتشددون والانتهازيون والمتعطشون للسلطة يريدون أن يرثوه ولو على حساب الجزائر والجزائريين”.

وتابع: “السذج والمتأزمون والمزايدون والمتنطعون والانتقاميون يريدون إنهاءه (عهد بوتفليقة) ضد أنفسهم وضد بلدهم وهم لا يعلمون أو يكابرون”، واختتم مقري تدوينته بالقول: “الوطنيين الصادقين الواعين يريدون إنهاءه لصالح الوطن والمواطن ولو على حساب أنفسهم وركوب المخاطر وهم يدركون”.

(كرسي بوتفليقة المتحرك يهدد البلاد)

قبلها بأيام جددت الحركة تمسكها بـ”مبادرة التوافق الوطني” الداعية إلى تأجيل الانتخابات الرئاسية، مؤكدة أنها ستقاطع الانتخابات إذا ترشح الرئيس بوتفليقة لفترة خامسة، كما أنها سترفض التمديد له “دون توافق ولا إصلاحات”.

بيان الحركة أشار إلى أنها ومع سعيها لتحقيق التوافق الوطني فإنها تحافظ على استعدادها الكامل للتعامل مع كل السيناريوهات المحتملة الأخرى.

ولعل وجود شقيق الرئيس بقوة في هذه التحركات بصفة غامضة، يدفع إلى التكهن بأنه قد يكون الوجه الأنسب لرئاسة البلاد خلفا لشقيقه، كما يعيد إلى الأذهان الصراع الدائر حول خليفة بوتفليقة بين السعيد ورئيس الحكومة أحمد أويحيى، بعد إلغاء الرئاسة اتفاقا وقعته الحكومة مع هيئة تمثل “الكارتل المالي” – وهو تكتل اقتصادي يضم مستثمرين ورجال أعمال كبار – واتحاد العمال يقضي بفتح رأس مال لشركات ومؤسسات اقتصادية عمومية لصالح رجال الأعمال المستثمرين من القطاع الخاص “الخصخصة”.

(حظوظ شقيق بوتفليقة في تولي الرئاسة تتزايد)

وأصدرت رئاسة الجمهورية التي يسيطر عليها شقيق الرئيس تعليمات عاجلة موجهة إلى أويحيى والوزراء لمطالبته بوقف تنفيذ كل قرارات الحكومة، الأمر الذي أزاح الستار عما يمكن أن نسميه “حكومة ظل” في رئاسة الجمهورية تعارض مسار حكومة أويحيى وتتدخل في قراراتها، على خلفية صراع يرتبط بالانتخابات الرئاسية.

مسؤولون قالوا إن “الرئاسة استشرفت وجود نوايا غير سليمة، وأبدت انزعاجًا كبيرًا من الطريقة التي سيرت بها الحكومة تصفية مؤسسات اقتصادية عمومية، خصوصًا بعد ورود تقارير عن وجود صفقات بين الحكومة ومستثمرين بعينهم للفوز بالحصة الأكبر من الأسهم في مؤسسات عمومية”.

تقارير إعلامية، وصفت ما يواجهه أويحيى الأمين العام لحزب التجمع الوطني الديمقراطي الشريك الثاني في الحكومة بعد حزب بوتفليقة، بأنه حملة لتقليم أظافره في إطار محاولات قطع الطريق أمامه للترشح وخلافة بوتفليقة.

وليس أدل على ذلك من الخسارة الموجعة التي تلقاها حزب أويحيى في انتخابات التجديد النصفي لمجلس الشورى.

خلفية تاريخية

وليس معروفا على وجه الدقة التاريخ الرسمي لنشأة تنظيم جماعة الإخوان المسلمين في الجزائر، لكن عام 1976 شد ميلاد تنظيم سري تحت اسم حركة “الموحدين” يتبنى أفكار الجماعة، لكن هذا التنظيم حُل عام 1980 ثم عاد للعمل في ذات العام باسم “جماعة البليدة”.

الآن لا يوجد أي حزب أو جماعة تحت اسم “الإخوان المسلمين” في الجزائر، لكن تنشط عدة أحزاب تنتمي فكريا لتنظيم لإخوان ولكنها غير مرتبطة عضويا به كحركة مجتمع السلم، وجبهة التغيير، وحركة البناء الوطني، وحركة النهضة، وحركة الإصلاح الوطني.

(محفوظ نحناح.. رحيل أذن بالتفرق)

وتعد حركة مجتمع السلم التي أسسها الراحل “محفوظ نحناح” عام 1990 مع فتح التعددية الحزبية أكبر هذه الأحزاب، حيث شاركت في الحكومة الجزائرية منذ العام 1994 وإلى 2012 قبل أن تتحول إلى المعارضة.

تنشط الحركة حاليا في البرلمان ضمن تكتل برلماني يسمى “الجزائر الخضراء” يضم حزبين إسلاميين آخرين إلى جانبها هما النهضة والإصلاح، ويضم هذا التحالف 47 نائبا برلمانيا من بين 462 عضو يضمهم المجلس الشعبي الوطني (البرلمان).

منذ وفاة “نحناح” في 2003، شهدت حركة مجتمع السلم انقسامات عدة أرجعها كثيرون إلى غياب القائد الكاريزمي، وتعدد الخيارات السياسية بعد المشاركة في السلطة، ومن أشهر هذه الحركات المنشقة: حزب التغيير، حزب حركة تجمع أمل الجزائر، حزب الحركة من أجل الدعوة والتغيير، حزب حركة البناء الوطني.