العدسة: محمد العربي

على مدار ثلاثة أعوام استخدمت كل من السعودية والإمارات كل الإجراءات التي ترسخ أقدامهما في اليمن، إلا أن الأيام الأخيرة عكست فشل كل ما انتجته “عاصفة الحزم” التي بدأتها السعودية في مارس 2015، وكانت لصواريخ الحوثي الكلمة النهائية في شكل الصراع الذي اتخذ من أرض اليمن مكانا للحرب بالوكالة بين طرفين الأول: ايران من خلال تنظيم الحوثيين، والثاني: السعودية والإمارات من خلال تحالف الشرعية.

وقد كشفت الصواريخ التي أطلقها الحوثيين في يومين متتاليين على كل من مطار أبو ظبي وناقلة بترول سعودية بالبحر الاحمر (يقول الحوثيين أنها كانت بارجة عسكرية،) أن السعودية والإمارات اعتمدوا على وهم الحماية الأمريكية في حالة أي عدوان ضدهما بالمنطقة، واتخذا من الصمت الأمريكي على حصارهما لقطر فرصة للمزيد من إشعال الحرائق باليمن الذي لم يعد على يديهما سعيدا على الإطلاق.

اختبارات إيرانية

ويري خبراء العلوم السياسية أن صواريخ الحوثي ضد السفينة السعودية بالبحر الأحمر أيا كان نوعها، ثم ما راج عن قصف آخر لمطار أبو ظبي بالإمارات العربية المتحدة، كان بمثابة رسالة من إيران بأنها تستطيع أن تمد يديها للعمق السعودي والإماراتي، كما أنها رسالة أخري كانت متعلقة بقياس رد الفعل الأمريكي الذي بدأ هو الآخر يُليِن مواقفه تجاه إيران بعد خطوة سابقة للرئيس الأمريكي ترامب، بإلغاء الاتفاق النووي مع ايران والذي توصل إليه بارك أوباما قبل نهاية ولايته، ولذلكا كانت الصواريخ التي أنطلقت في اتجاهين تثير الغبار في اتجاهات أخري، وفي النهاية حصلت إيران على مبتغاها من رسائلها المتعددة.

ويري العديد من المحليين أن رد الفعل السعودي عكس حالة الخوف والفشل للسياسة السعودية التي يتبناها ولي العهد محمد بن سلمان والذي اكتشف أن كل ما قدمه لصالح الولايات المتحدة من أجل استمرار حمايتها لعرش المملكة لم يكن ذات جدوي بعد أن أعلنت الولايات المتحدة صراحة وعلى لسان وزير دفاعها أن حماية التجارة في مضيق هرمز هو من اختصاص دول الخليج، وهو ما يمثل صراحة بأن الولايات المتحدة لن تقبل بجر أقدامها صراحة لحرب في المنطقة مرة أخري، خاصة وأن إيران ليست شبيهة بالعراق.

نتائج الحصار

ومن هنا يتوجب على السعودية أن تحظي بتأييد كل دول الخليج قبل أن تُقدِم على أي خطوة عسكرية في المضيق الأهم لتجارة النفط، وهو الاتفاق الذي لا يمكن أن يحدث على الإطلاق، خاصة وان علاقات بعض دول الخليج مع إيران ربما تكون أكثر متانة من العلاقات الخليجية الخليجية، وبالتالي فلن تجد السعودية إلا نفسها في مواجهة مباشرة مع إيران.

وطبقا لقراءات عديدة قدمها مختصون بالشأن الخليجي فإن دولة الكويت مثلا تعتمد في سياساتها الحالية على إنشاء مسافة بينها وبين السياسة المتهورة لكل من السعودية والإمارات، ولذلك كان موقفها مختلفا مع الأزمة القطرية، وبالتالي فلن تشارك في أية حرب متوقعة ضد طهران.

وفيما يتعلق بالبحرين فإنها لن تجرأ على استفزاز إيران، لما يمثله الشيعة من أغلبية في البلد الذي ورط نفسه في الحصار الرباعي ضد قطر، وهي الأغلبية التي لن تقبل بإجراء مضاد تجاه إيران، نظرا للتركيبة السكانية في البلد الصغير.

أما موقف كل من قطر وسلطنة عمان فهو علي النقيض من مواقف السعودية في كثير من القضايا، وخاصة في الصراع داخل المنطقة، فقطر أكثر دول الخليج خلافا مع السعودية ومسئوليها، مما دفع الأخيرة لفرض حصار على الدوحة، وشن حروبا سياسية واقتصادية وإعلامية ضدها.

أما سلطنة عمان فهي وسيط الاتفاق التاريخي بين أمريكا وأوربا من جانب، وإيران من جانب آخر فيما يتعلق بالمفاوضات التي جرت على المشروع النووي الإيراني، كما أن سلطنة عمان تعد علي موقع قدم بالنسبة لطهران التي تسيطر فعليا على الموانئ الحيوية للسلطنة.

ولذلك فلم يتبق للرياض سوي أبو ظبي ومن هنا انطلقت الصواريخ الحوثية شكلا، والإيرانية مضمونا تجاه مطار أبو ظبي لتخترق الدفاعات والحصون الإمارتية في رسالة واضحة بأنه على أبو ظبي ألا تتسرع في مشاركة الرياض بحرب غير مأونة العواقب.

ما وراء الستار

إلا أن هناك قراءة أخري قدمها عدد من المحللين بأن ما يحدث هو سيناريو معد مسبقا لوضع اللمسات الأخيرة قبل كشف الغطاء عن التطبيع الخليجي الإسرائيلي، ومن الذين يتبنون هذا الرأي الخبير السابق بالأمم المتحدة الدكتور إبراهيم نوار والذي يري في إعلان وزير الدفاع الأمريكي بأن أمن مضيق هرمز هو شأن خليجي، خاصة بعد تهديد إيران بوقف حركة النقل بباب المندب في حال اعترضت الولايات المتحدة صادرات النفط الإيرانية.

وطبقا لقراءة الخبير الدولي فإن الحل الآن الذي يتم التمهيد له هو تشكيل ناتو عربي بقيادة أمريكية وإسرائيلية، مشيرا إلي أن ايران تحاول لي ذراع الولايات المتحدة بالضغط على حلفائها لتبرهن للرئيس الامريكي أن إعاقة صادرات النفط الايرانية سيكون عملا مكلفا جدا، ولأن السعودية لن تجد اجماعا في الخليج على اي خطوة عسكرية ضد التهديد العسكري الايراني، فإن الولايات المتحدة تشدد جهودها لوضع اطارين لحلف عربي- أمريكي- إسرائيلي يتولى مسئولية المواجهة مع إيران، وإن كان الإطار الأول اقتصادي، فإن الاطار الثاني سيكون عسكري، وهو ما بدأت الولايات المتحدة بالفعل التحرك تجاهه، حيث دعا البيت الأبيض لقمة تعقد بواشنطن في الاسبوع الثاني من شهر اكتوبر المقبل لمناقشة تفاصيل الإطارين، وهو ما يعني أن صفقة القرن أكبر بكثير من مجرد تبادل أراضي.

مراكز القوة

وطبقا لتقارير عسكرية متخصصة فإن النتائج التي خلفتها عاصفة الحزم بعد أكثر من ثلاث سنوات، جاءت على عكس الهدف من الحرب التي دخلتها السعودية، والتي كانت في الأساس تهدف لوقف الزحف الإيراني بالمنطقة، إلا أن الواقع يشير لخلاف ذلك حيث تحولت اليمن لقاعدة عسكرية متقدمة لايران في شبه الجزيرة العربية، ومع تعاظم القدرات الصاروخية والجوية للحوثيين باليمن، تستطيع ايران ان تشن هجمات منسقة على كل من السعودية والامارات وضرب اهداف لها في كل من مضيق باب المندب، ومضيق هرمز او أيهما.

وهو ما فطنت إليه الولايات المتحدة التي باتت تجارتها هي الأخري مهددة في البحر الأحمر بعد تنامي تنظيم القاعدة في اليمن نتيجة الحرب الدائرة هناك، وهو التنظيم الذي تخشاه الولايات المتحدة أكثر من خشيتها من الحوثيين، وبالتالي فإن مراكز القوة في المنطقة المشتعلة باتت لصالح إيران إلا إذا نفذت الولايات المتحدة مبتغاها بالناتو العربي الإسرائيلي، وهو أمر أصبح مشكوكا فيه أيضا، بعد أن أرسلت طهران برسالة لتل أبيب من خلال قصفها للجولان السوري المحتل بأن تل أبيب يمكن أن تكون أيضا في مرمي النيران لحزب الله التابع لإيران.

ما سبق يشير إلي أن الخاسر الأكبر من التغيرات التي جرت في اليمن هي السعودية، والتي ينطبق عليها المثل الشائع ” انقلب السحر علي الساحر” فالرياض التي دعمت الحوثيين والرئيس السابق علي عبد الله صالح، للانقلاب على الحكومة اليمنية التي انتجتها الثورة الشعبية، في ظل الحرب السعودية على دول الربيع العربي، أصبحت تكتوي بنيرانها الآن، وفي مقابل ما تتكبده السعودية من خسائر فإن شريكتها الإمارات لعبت من وراء ظهرها للاستيلاء على موانئ اليمن الهامة، وفي النهاية وجدت الرياض نفسها وحيدة، فلا نفعها شركاء الحرب والحصار، ولا دعمتها الولايات المتحدة رغم المقابل الكبير الذي حصل عليه ترامب.

فوائد أمريكية

ويري فريق أخر من الباحثين بشئون منطقة الشرق الأوسط، أن الولايات المتحدة هي أكثر الأطراف سعادة فيما يجري الآن بين إيران والسعودية والإمارات، حيث تري واشنطن هذا التوتر فرصة جيدة لزيادة مبيعاتها العسكرية للسعودية، والتي بلغت منذ بداية عاصفة الحزم وحتي نهاية يونيو الماضي 12 مليار دولار، بخلاف ما تقدمه أمريكا من دعم لوجستي للسعودية والإمارات، وكذلك تزويد أمريكا للمقاتلات العربية بالوقود في الجو وهو ما يمثل ميزانية منفصلة عن مبيعات الأسلحة.

أما السبب الآخر الذي يجعل الولايات المتحدة من أكبر المستفيدين، هو تحويل الصراع الإيراني الإسرائيلي، إلي صراع إيراني ضد التحالف العربي الإسرائيلي، وبلك تكون واشنطن حققت أحد أهم أهدافها بحماية أمن إسرائيل من جيرانها العرب، وإنهاء حقبة الصراع العربي الإسرائيلي ليحل محله التحالف العربي الإسرائيلي، وفي حال إتمام الناتو العربي الإسرائيلي فإن هذا سوف يزيد من أسهم الرئيس الأمريكي ترامب في الانتخابات الرئاسية القادمة والتي أعلن ترامب المنافسة عليها رغم حالة الاعتراض التي يواجهها.