أحمد فارس

 يبدو أنَّ الأوضاع في ليبيا لن تستقر خلال الفترة المقبلة، بما يمهِّد لإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية قريبًا؛ إذ لا تزال الخلافات تتصدر المشهد بلا منازع.

ولا تلوح في الأفق حلول واضحة بين المعسكرين الشرقي والغربي، في إطار التسويات السياسية لهذه الخلافات؛ إذ يصر الأول على محاولة فرض كلمته وإخضاع الثاني.

تقلبات بين الحين والآخر، تشي بأن الأمور تسير في الطريق الخاطئ، فهل يتمكن قائد القوات الموالية لبرلمان طبرق (المعسكر الشرقي) خليفة حفتر من بسط نفوذه وسيطرته على العاصمة الليبية طرابلس؟

أزمة المنشآت

قبل عدة أيام أعلن حفتر السيطرة على مدينة درنة، آخر المعاقل التي كانت خارج سيطرة قوات حفتر في الشرق الليبي، تحت مزاعم مواجهة الجماعات المسلحة، التي يعتبرها المعسكر الشرقي “إرهابية”.

وبغضّ النظر عن صحة ودقة توصيف المعسكر الشرقي الليبي للمجموعات المسلحة، والتي تشكّلت في الأساس لمواجهة الرئيس الليبي السابق معمر القذافي إبان ثورة 17 فبراير، التي انتهت بمقتله، فإنّ هذه الاتهامات تعتبر ستارًا لتوسعات حفتر للسيطرة على ليبيا عسكريًا.

ولم تكد قوات حفتر تعلن السيطرة الكاملة على درنة، بل كانت المعارك مستمرة، إلا ونجحت مجموعة مسلحة في السيطرة على المنشآت النفطية، المعروفة باسم “الهلال النفطي”.

وعلى الرغم من استعادة قوات حفتر السيطرة على المنشآت النفطية، إلا أنَّ طرد تلك القوات منها دليل على ضعف شديد في صفوف قواته؛ إذ لم تتمكن من حماية هذه المنشآت.

وقبل بضعة أيام أعلن حفتر عدم تسليم المنشآت إلى المؤسسة الوطنية للنفط، التابعة لحكومة الوفاق الوطني، المعترف بها دوليًا، ولكن تسليمها إلى المؤسسة الموازية لها التابعة للمعسكر الشرقي في بنغازي.

القرار الغريب من حفتر، كان مثار انتقادات واسعة دوليًا وإقليميًا؛ إذ إنها خطوة تعكس رغبته في الانفراد بالقرار تمامًا، مصدِّرًا فكرة أنه القائد العسكري الذي يحارب الإرهاب.

مواقف حفتر خلال السنوات الماضية فيما يتعلق بشنّ هجمات عسكرية وحصار عدة مدن في الشرق الليبي، كانت محل اهتمام بالغ لدى أطراف دولية، وتحديدًا ما يتعلق بممارسات قواته من انتهاكات واضحة، ونبش القبور، وحصار تسبب في كوارث إنسانية.

الضغوط الدولية لتراجع حفتر عن قراره بعدم إعادة المنشآت النفطية للمؤسسة النفطية التابعة لحكومة السراج، لم تكن كافية خلال الأيام الماضية، ولكن الواضح أنَّ حفتر اختفى عن الظهور منذ إعلانه عدم تسليم المنشآت النفطية.

وخرجت المؤسسة النفطية التابعة للمعسكر الشرقي، باتهام حكومة السراج بدعم الإرهاب، عبر الإشارة إلى ضلوع وزارة الدفاع في الحكومة بترتيب الهجوم على الهلال النفطي.

حديث المؤسسة النفطية التابعة للمعسكر الشرقي، يشبه إلى حدّ بعيد تصريحات حفتر نفسه، حينما أكّد على أنه لا يمكن تسليم النفط ومصدر دخل الليبيين إلى إرهابيين.

 

وساطة مصرية

الرفض الدولي لقرار حفتر المنفرد، دون تنسيق مع القوى الدولية والإقليمية في مسألة حساسة تتعلق بالنفط، دفع النظام المصري إلى استضافة اجتماعات بين ممثلين عن المعسكرين في القاهرة، خلال اليومين الماضيين.

الاجتماعات كانت تتعلق بالأساس بحلّ أزمة المنشآت النفطية، ولعب دور الوساطة لإنهائها بشكل سريع، حتى لا يكون هناك رفض دولي لدور حفتر في ليبيا خلال الفترة المقبلة.

وتعتبر القاهرة أكبر داعمي حفتر، إضافة إلى الإمارات، ولكن ثمّة تململ من سياسات حفتر وقراراته وعدم الانصياع في بعض الأحيان لإملاءات المسؤولين في مصر، خاصة فيما مضى من رفض حفتر الاجتماع مع حكومة السراج حينما تواجد الطرفان في القاهرة، لتسوية الخلافات.

الاجتماعات بين الفرقاء الليبيين في القاهرة لم تشمل حفتر، ولكن عقيلة صالح رئيس برلمان طبرق ممثلًا عن المعسكر الشرقي، وهو ما يشير إلى ربما تململ مشترك من المسؤولين في مصر وصالح لتصرفات حفتر، خاصة وأنه جزء من المشكلة الليبية وليس جزءًا من الحل، وهذا يتضح من خلال مجمل جلسات الحوار سواء في مصر أو تونس لحل الأزمات السياسية العالقة، والتي تتعلق بتعديل الاتفاق السياسي “الصخيرات”.

وفي سياق الحل ورفض تدخل حفتر، استقبل رئيس مجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط الليبية مصطفى صنع الله، القائم بالأعمال الأمريكي المؤقت لدى ليبيا جوشوا هاريس، بمقر المؤسسة في العاصمة طرابلس، لبحث التطورات الأخيرة بشأن منطقة الهلال النفطي.

وأوضحت السفارة الأمريكية في ليبيا، عبر صفحتها على موقع “فيسبوك”، أن هاريس جدّد التأكيد على أن المنشآت النفطية الليبية ملك الشعب الليبي خلال لقائه بصنع الله.

وتأتي هذه التحركات الأمريكية، عقب قرار المؤسسة بإعلان القوة القاهرة في منطقة المنشآت، ورفض التصدير من الحصول النفطية، بعد قرار حفتر بتسليم المنشآت للحكومة المؤقتة ببنغازي، وليس حكومة الوفاق.

 

محاولات السيطرة

السؤال هنا.. هل يدرك حفتر تداعيات هذا القرار الخطير الذي لا يتماشى مع رؤية المجتمع الدولي، باعتبار أنَّ حكومة الوفاق معترف بها دوليًا؟ الإجابة بالتأكيد هي “نعم”.

أما السؤال الثاني، هو لماذا يقدم حفتر على هذه الخطوة طالما يدرك العواقب؟ الإجابة على هذا السؤال ترتبط بالأساس، بنوايا حفتر التي لم يخفِها خلال العامين الماضيين؛ إذ تحدث في أكثر من مرة بالرغبة في اللجوء للحسم العسكري.

آمال حفتر في التوسع العسكري تصاعدت بعد السيطرة على مدينة بنغازي، وأخيرًا بعد السيطرة على مدينة درنة، وبدأت أحاديث عن الزحف باتجاه العاصمة طرابلس، مقر حكومة الوفاق الوطني.

وربما يكون قرار حفتر بعدم تسليم المنشآت النفطية جانبًا من الضغط على حكومة الوفاق للانصياع إلى مسألة توحيد المؤسسة العسكرية تحت قيادته، بما يتيح له السيطرة على الأوضاع تمامًا، وهو ما تسعى له القاهرة من خلال استضافة اجتماعات لمسؤولين عسكريين في الشرق والغرب، ولكن دون نتائج واضحة حتى الآن.

ولكن ثمة عراقيل تواجه أي طموح عسكري لحفتر خلال الفترة المقبلة، أبرزها رفض إقليمي ودولي للحسم العسكري، وهذا يتضح من خلال الاجتماع الأخير في فرنسا، الذي ضمَّ كل الأطراف الفاعلة على الساحة الليبية، وأطرافًا إقليمية ضالعة بمتابعة الملف الليبي.

ولكن يبدو أنَّ نتائج اجتماع باريس الأخير، ذهبت مع الريح؛ إذ تشير بعض التقارير الصحفية، إلى أنَّ حفتر يريد التملص من الاتفاق، بدعم مصري وإماراتي.

وبغضّ النظر عن الدعم المصري الإماراتي العسكري لحفتر، فإنَّه من غير المتوقع أن تكون معركة التقدم باتجاه العاصمة سهلة مطلقًا، خاصة مع تواجد مجموعات مسلحة شاركت في الثورة على القذافي، وداعمة لحكومة الوفاق، وتحديدًا في مصراتة.