حتى هذه اللحظة، لم يتسن لأحد تأكيد أو نفي ما أثير عن أن رئيس الوزراء التونسي، هشام المشيشي، تعرض للضرب والاعتداء الجسدي المباشر، داخل قصر قرطاج الرئاسي، ولإجباره على الاستقالة والقبول بقرارات الرئيس قيس سعيد، التي وصفها غالب السياسيين والدستوريين بأنها انقلاب غير دستوري.

لكن لا شك أنه حال صحت الأنباء المثارة عما حدث ليلة قرارات الرئيس مع المشيشي، فإن ذلك يجعل قيس سعيد عضوًا في ميليشيا أو عصابة وليس رئيسًا لدولة.

فضلًا عن أنه سمح بهذا الاعتداء في حضور مسؤولين أمنيين مصريين، كما ذكرت صحيفة ميدل إيست آي البريطانية، وهو ما يدمر شرعيته -كما يرى كثيرون- بل وأهليته كمواطن تونسي، بعد أن سمح للأجانب بمهاجمة مواطن تونسي، يحمل صفة رسمية في الدولة.

  • لم يظهر على الملأ..

لكن الآكد أن قبول المشيشي، رئيس الوزراء، لأمر إقالة الرئيس -بعد أن كان في قلب الخلاف بين البرلمان والرئاسة خلال الشهور الماضية- تم بسرعة كبيرة.  هذا إضافة إلى أنه لم يظهر على الملأ في الوقت الذي انتشرت فيه شائعات اعتقاله على نطاق واسع.  ربما فكرت السلطات في القبض عليه لكنها أدركت أن غيابه المفاجئ قد يدفع عائلته للإعلان عن اختطافه.  وهكذا تم وضع المشيشي قيد الإقامة الجبرية بهدف احتواء رد الفعل المتوقع من عائلته ، لكن هل حدث الاعتداء الجسدي حقًا؟

بالنظر إلى مواقف المشيشي السابقة، نجد أنه من العبث التصديق بأن رئيس الحكومة استقال أو قبل قرارات الرئيس بسهولة ما لم يتعرض لضغط هائل.  

وهنا يجدر الذكر أن نظام المخلوع محمد حسني مبارك في مصر مارس ضغوطًا على المشير محمد عبد الحليم أبو غزالة بعد أن قرر إقالته، بسبب شعبيته الهائلة في صفوف القوات المسلحة.  كان أمين نمر الأمين العام لجهاز المخابرات العامة “يتفاوض” مع أبو غزالة في القصر الجمهوري، بينما كان مبارك في الغرفة المجاورة.  على الرغم من نفوذه وسلطته، أذعن أبو غزالة تحت التهديد بالاعتقال. ثم تم تعيينه لاحقًا في منصب غير موجود كـ “مساعد رئيس الجمهورية”.

  • هجوم اللجان الإلكترونية..

من المعلوم أن رئيس الوزراء التونسي ليس شخصًا متشددا ولا مقاتلا.  إنه مجرد موظف حكومي قد يقف بحزم تحت الضغط الشديد في البداية، لكنه غالبًا سينحني في نهاية المطاف، خاصة عندما يواجه جميع أدوات الإقناع والضغط التي تكون تحت تصرف المحقق في مثل هذه الأمور.   

يرى كثيرون أن رد الفعل على تقرير ميدل إيست آي تشير إلى أن الهجوم قد وقع بالفعل.  حيث بدأت ما يسمى بـ “اللجان الإلكترونية” على الفور في محاولة تشويه سمعة موقع Middle East Eye على وسائل التواصل الاجتماعي، نقلاً عن “إنكار” المشيشي في هذه العملية. 

وعلى افتراض أنه نفى بالفعل تعرضه للهجوم ورحب بطرده، فلماذا لم يقل ذلك على العلن؟ إن إحجامه عن الظهور في الأماكن العامة -قسريًا أو غير ذلك- يشير إلى أنه يعاني من إصابات واضحة تؤكد الاعتداء.

  • مصداقية MME ليست محل شك..

مصداقية ميدل إيست آي ليست محل شك.  ومن الجدير بالذكر أن محاولات تشويه سمعة الموقع جاءت من القاهرة وأبو ظبي.  علاوة على ذلك، من الواضح أن لدى MEE مصادر داخل قصر قرطاج.  إذا كان منتقدوها واثقين من أدلتهم على أن التقرير عن الاعتداء ليس صحيحًا، بإمكانهم الطعن فيه في المحكمة العليا في لندن.

حصل رئيس مجلس النواب في تونس الشيخ راشد الغنوشي على تعويضات من قاضٍ بريطاني أثناء تواجده في المنفى وتعرضه لهجوم إعلامي، بما في ذلك حملة أطلقتها صحيفة الشرق الأوسط السعودية.  قوانين التشهير في بريطانيا قوية، لذا إذا كان موقع ميدل إيست آي غير دقيق، فيجب الطعن فيه، لكن يبدو أن ذلك لن يحدث، ولن يتمكن منتقدو الصحيفة من إثبات ادعاءاتهم وتكذيب الصحيفة البريطانية.

  • تضييق على الحريات..

لكن بغض النظر عن الاعتداء على شخص المشيشي، يبدو أن الأمور في تونس تسير في اتجاه تضييق الحريات والتنكيل بالمعارضين، فمنذ إعلان قرارات الرئيس 25 يوليو/ تموز الماضي، تتوالى القرارات بالقبض على عدد من السياسيين، بينهم نواب من مجلس نواب الشعب.

كما تتوالى إقالات وزراء في الحكومة، ومسؤولين أمنيين وعسكريين، دلالة على أن الرئيس لا يقبل حاليًا إلا أن يغير من هيكلة الدولة ليضمن ولاء المسؤولين الكبار له.

في المقابل، تتوالى تصريحات حركة النهضة وزعيمها راشد الغنوشي الداعية لتغليب المصلحة الوطنية وإجراء حوار وطني شامل، للخروج بالبلاد من أزمتها، والحفاظ على المسيرة السياسية الديمقراطية التي تمتعت بها تونس منذ ثورتها.