العدسة – منصور عطية
يبدو أن دماء ألف ضحية وأكثر– حتى الآن- من أهالي الغوطة الشرقية في سوريا لم تشبع بعد شهية النظام السوري وحليف الروسي التوَّاقين إلى مزيد من أنهار الدماء، واستمروا في القصف العشوائي للمدنيين مع تطبيق سياسة جديدة تحاول تجميل الوجه من ناحية والسيطرة على مزيد من الأراضي من ناحية أخرى.
ولم تعد مشاهد القصف والدمار والأشلاء مستغربة أو تثير تعاطفًا لم يترجمه المجتمع الدولي إلا بهدنة الخمس ساعات، وبقوافل إنسانية لا تسمن ولا تغني من جوع.
الغوطة تنشطر لنصفين
وبالتزامن مع القصف المستمر والمتواصل لطائرات النظام السوري على الغوطة، يستعد جيش بشار الأسد لشطر المنطقة التي تسيطر عليها المعارضة المسلحة هناك إلى قسمين.
وبعد سيطرتها على “بيت سوا”، باتت قوات النظام على بعد كيلومترين من شطر الغوطة الشرقية إلى قسمين، شمالي يتكون من دوما ومسرابا وحرستا، وجنوبي يمتد من حمورية وعربين حتى جسرين وجوبر، إضافة الى العمل على تقطيع الجيوب الكبيرة، كما هو الحال مع كتلة دوما وجارتها حرستا التي اقترب النظام لمسافة كيلومتر واحد من فصلها عن دوما.
وبدا واضحًا، وفق تقارير إعلامية، منذ بدء العمليات العسكرية أن النظام يعمل على شطر الغوطة الشرقية؛ إذ إنه تقدم من الأطراف الشرقية؛ حيث المناطق الزراعية الخالية من الكتل السكانية الكثيفة، التي تؤمن لفصائل المعارضة إمكانية التحصن، وتخفف من تأثير التفوق الجوي للنظام، وعندما وصل النظام للكتل السكانية الكبيرة الممتدة من دوما شمالًا حتى جوبر شمالاً، لجأ لعزلها قبل العمل على اقتحامها.
واختار النظام أضعف الجبهات في الغوطة “جبهة المرج” والتي باتت تشبه الصحراء، بعدما تم قطع معظم الأشجار فيها من قبل المحاصرين في الغوطة على مدى سنوات الثورة السورية، لاستخدامها كحطب للتدفئة.
ويتهم المسلحون جيش النظام السوري باستخدام تكتيك “الأرض المحروقة”، قائلين إنهم ينتهجون في المقابل أسلوب حرب العصابات وينشرون كمائن في المناطق التي فقدوها في محاولة لوقف تقدم القوات الحكومية.
ممرات التهجير وقوافل التجميل!
وقالت وسائل إعلام سورية رسمية، إنَّ قوات النظام فتحت ممرًا ثانيًا لإخراج المدنيين من الغوطة الشرقية المحاصرة، ونقلت وكالة “سانا” عن مراسل لها إنه تمت تهيئة ممر جديد لإخراج المدنيين المحاصرين عبر طريق جسرين المليحة جنوبي الغوطة.
وبالتوازي مع تصعيد النظام السوري وحلفائه لعملياتهم العسكرية، تهدف سياسة الممرات الآمنة إلى إفراغ محيط الغوطة المحاصر بالقوة المفرطة، ودفع الأهالي إلى الخروج منها.
وحصلت الأمم المتحدة على تقارير تفيد بأنَّ القتال العنيف في الغوطة الشرقية، الجيب الخاضع لسيطرة المعارضة المسلحة في ريف دمشق، قد دفع أكثر من 50 ألف شخص للفرار من ثلاث مدن باتجاه دوما.
في السياق ذاته، قالت المنظمات الدولية في سوريا: إنَّ قافلة إغاثة تضم 13 شاحنة دخلت إلى الغوطة الشرقية لتسليم مساعدات غذائية للمنطقة الخاضعة للمعارضة، الخميس، بعد أن توقفت عمليات إدخال مواد الإغاثة الإنسانية إلى الغوطة في نفس يوم بدئها الاثنين الماضي، بسبب استمرار القتال وعمليات القصف.
وأجّلت اللجنة الدولية للصليب الأحمر إرسال قافلة المساعدات الإنسانية التي كان مقررًا إدخالها بسبب تطور الوضع في الميدان، وكانت قافلة مساعدات دخلت مدينة دوما الاثنين الماضي، ولكن النظام صادر منها الإمدادات الطبية ولم يتسنَّ تفريغ كامل القافلة بسبب القصف.
وقال مصدر عسكري من داخل مدينة دوما، إن “دوافع النظام السوري بممره الإنساني هذا يحاول تلميع صورته أمام العالم، وخاصة بعد منع قافلات المساعدات الأممية من إفراغ حمولتها”.
وتابع أنَّ النظام يرغب في إجبار أهالي المناطق الأكثر استهدافًا على الهروب ليظهر بأنه حامي حماهم وقد هرع الأهالي إلى “حضن الوطن”، وفي المقابل فإن كل من بقي داخل الغوطة المحاصرة هم إرهابيون سوف يشرعن قتلهم وإبادتهم، على حد وصفه.
نهاية العالم!
تلك التطورات المتلاحقة، تأتي في أعقاب الدعوة التي طالب فيها مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان “زيد بن رعد الحسين” بإحالة الملف السوري بالكامل إلى المحكمة الجنائية الدولية.
واتهم المفوض السامي النظام السوري بالتخطيط لما يشبه “نهاية العالم” باستهدافه الغوطة الشرقية، وقال إنَّ المحاولات الأخيرة لتبرير الهجمات “الوحشية” في الغوطة على المدنيين بسبب الحاجة لمحاربة بضع مئات من مقاتلي المعارضة هي تبريرات “غير أخلاقية وقانونية”، مضيفًا “عندما تكون مهيأ لقتل شعبك يصبح الكذب سهلًا”.
وتابع المفوض في تقريره السنوي عن حقوق الإنسان في العالم قائلًا إن “مزاعم الحكومة السورية بأنها تتخذ كل الاحتياطات لحماية شعبها سخيفة. هذا الشهر كان دور الغوطة، الشهر المقبل قد تكون منطقة أخرى حيث يواجه الناس ما يشبه نهاية العالم”.
وفي السياق دعا مجلس الأمن الدولي، الأربعاء، إلى تنفيذ وقف إطلاق النار في أنحاء سوريا، وقال “كاريل فان أوستيروم” سفير هولندا بالأمم المتحدة والرئيس الحالي لمجلس الأمن: إنه بعد اجتماع مغلق للمجلس استعرض خلاله أحدث تطورات الوضع في سوريا بناء على طلب بريطانيا وفرنسا: “بحث المجلس وقف القتال وجدد دعوته لتنفيذ القرار 2401”.
وكان المجلس قد أصدر قرارًا بالإجماع يوم 24 فبراير الماضي دعا إلى هدنة في سوريا مدتها 30 يومًا، إلا أنَّ قوات النظام السوري وحليفها الروسي ضربا به عرض الحائط ومزّقوه بعيد ساعات قليلة من دخوله حيز التنفيذ.
اضف تعليقا