العدسة – منصور عطية

ظهور إعلامي متوالٍ، وإفراجات معلنة عن بعض الأمراء ورجال الأعمال المعتقلين على خلفية ما تقول السلطات السعودية إنها قضايا فساد.

هذه المستجدات، تأتي وسط حالة غضب وانتقادات واسعة يتعرَّض لها ولي العهد محمد بن سلمان بسبب الحملة التي شنها ضد الموقوفين في فندق الريتزكارلتون بالرياض، والاتهامات التي يواجهها بالسعي إلى سلب أموالهم بالقوة.

 

العساف ومتعب

الشاهد الأحدث فيما يخصّ “معتقلي الريتز” سجلته صور نشرها موقع وكالة الأنباء السعودية الرسمية “واس”، وأظهرت مشاركة وزير المالية السابق إبراهيم العساف الذي كان محتجزًا في الريتز بالاجتماع الأسبوعي للحكومة الثلاثاء.

العساف ظهر في جلسة مجلس الوزراء التي عُقدت في قصر اليمامة بمدينة الرياض ورأسها العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، وكان مجاورًا لوزيري الصحة توفيق الربيعة والشؤون الإسلامية والأوقاف صالح آل الشيخ.

وبحسب وسائل إعلام سعودية محلية عاد العساف الذي يشغل حاليًا منصب “وزير دولة” وعضو بمجلس الوزراء لممارسة عمله في المجلس بعد “ثبوت براءته من التهم التي وُجهت له”.

“العساف” يعود إلى مجلس الوزراء

 

واكتشفت جهات التحقيق عدم صحة جميع البلاغات التي وردت خلال فترة عمل العساف كوزير للمالية بعد مراجعتها وعلى ضوء ذلك غادر الفندق بعد ثبوت براءته، وفق وسائل الإعلام.

اللافت أنَّ العساف كان المعتقل الوحيد تقريبًا، الذي لم يصدر بحقه أي قرار بالإعفاء من منصبه عقب تلقي البلاغات وبدء التحقيقات معه، على غرار ما حدث مع مسؤولين سابقين مثل وزير التخطيط عادل فقيه.

“العساف” كان ثاني شخصية بارزة تظهر للعلن من بين الموقوفين بتهم الفساد في المملكة، بعد أن ظهر السبت الماضي الأمير متعب بن عبدالله بن عبدالعزيز، وزير الحرس الوطني السابق، ونجل الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز.

ففي أول ظهور علني له منذ إطلاق سراحه، شوهد الأمير متعب في فيديو بثته قناة الإخبارية السعودية الرسمية، وهو بصحبة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.

والتقط الفيديو خلال رعاية الأمير محمد بن سلمان، حفل سباق الخيل السنوي على كأسي ولي العهد لجياد الإنتاج والمستورد في ميدان الملك عبد العزيز للفروسية بمنطقة الجنادرية في الرياض.

“متعب” بصحبة ابن سلمان

كما نشرت وكالة الأنباء السعودية الرسمية صورًا جمعت الأمير متعب مع ولي العهد السعودي، وخبرًا أفادت فيه بأن الأمير متعب كان من بين مستقبلي ولي العهد لدى وصوله ميدان الملك عبد العزيز للفروسية.

ويعد هذا أول ظهور للأمير متعب منذ أن أصدر العاهل السعودي أمرًا ملكيًا في 4 نوفمبر الماضي، بإعفائه من منصب وزير الحرس الوطني، أعقبه توقيفه في اليوم نفسه على خلفية شبهات فساد.

وأُطلق سراحه لاحقًا بعد سداده مليار دولار لولي العهد، مقابل الإفراج عنه وإسقاط التهم الموجهة إليه، وفق تقارير إعلامية.

وسبق هذين الظهورين الإفراج عن اثنين من أبناء الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز، وهما الأمير مشعل الذي كان يشغل منصب أمير منطقة مكة المكرمة في عهد والده، والأمير فيصل، فضلًا عن عدد آخر من المسؤولين ورجال الأعمال الموقوفين.

 

إضراب الأمير طلال

تزامن مع تلك التطورات المتلاحقة ما كشفه موقع “ميدل إيست آي” البريطاني، الذي نقل عن مصادر سعودية خاصة، دخول الأمير طلال بن عبد العزيز، الأخ غير الشقيق للملك سلمان، في إضراب عن الطعام، “احتجاجًا على حملة التطهير التي طالت ثلاثة من أبنائه”.

وبدأ إضراب الأمير البالغ من العمر 86 عامًا، يوم 10 نوفمبر الماضي، بعد أسبوع من القبض على ابنه الأول رجل الأعمال “الوليد”، وفقد حتى الآن 10 كيلو من وزنه، وفي الأسبوع الماضي، أدخل في جوفه أنبوب تغذية، إلا أنّ حالته ليست مستقرة.

الملك سلمان يقبل يد أخيه الأمير “طلال بن عبدالعزيز”

المثير أنّ الأمير طلال ظهر للعلن أواخر نوفمبر الماضي، حين زاره الملك سلمان ليعزيه في وفاة أخته الأميرة “مضاوي بين عبدالعزيز”، وظهر الملك وهو يقبل يد طلال الذي كان حينها يجلس على كرسي متحرك.

تلك القبلة تثير الشكوك بشأن الغرض من زيارة الملك لأخيه، حيث إنها جاءت بعد إضرابه عن الطعام ربما في مسعى شخصي من الملك لتهدئته ودفعه لعدم الدخول في مزيد من الإجراءات التصعيدية احتجاجًا على اعتقال أبنائه.

أحد زوار الأمير طلال في المستشفى، قال للموقع إنّ “الأمير لم يثر في تلك المناسبة مع الملك قضية اعتقال أبنائه الثلاثة؛ لأنه لم يرد استغلال علاقته بالملك، للمطالبة بإطلاق سراح أبنائه، بينما يبقى الآخرون في السجن”.

وألقي القبض على ثلاثة من أبناء طلال، أولهم كان الوليد بن طلال، رئيس شركة المملكة القابضة، والثاني أخوه الشقيق خالد، الذي اعتقل بسبب أنه دخل في مجادلة مع مسؤول حكومي بسبب اعتقال الوليد، وشقيقهما الأصغر، الذي ألقي القبض عليه بتهمة التشاجر.

 

هل يبيض وجهه؟

الإفراج عن موقوفين والظهور الإعلامي لآخرين، ربما يشير إلى توجه سعودي لدى ولي العهد بمحاولة تغيير الصورة الذهنية ودفع الاتهامات التي تلاحقه منذ شن الحملة، بتحصيل أموال من المحتجزين أو التمهيد لجلوسه منفردًا على عرش المملكة.

راجت تلك الأنباء خلال الفترة الماضية، خاصة مع كشف صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية عن تعرض الأمير الوليد بن طلال لمساومات من أجل الإفراج عنه تتضمن تنازله عن 6 مليارات دولار نقدًا، في حين طلب أن يكون التنازل على شكل أسهم أو ممتلكات أخرى.

” الوليد بن طلال “

 

ويمتلك الأمير الوليد أسهم عديدة في شركات كبرى، أبرزها موقع التدوين المصغر “تويتر”، كما أن ثروته تبلغ 18.7 مليار دولار، بحسب آخر تصنيفات مجلة “فوربس” الأمريكية، ما يجعله أغنى شخص في الشرق الأوسط.

وأشارت المصادر إلى أن الأمير الوليد بن طلال يسعى بكل قوة ألا تؤدي التسويات إلى تفكيك الإمبراطورية المالية الكبرى، التي بناها على مدار أكثر من 25 عامًا.

وكالة “فيتش” للتصنيف الائتماني قالت إن حملة الاعتقالات التي طالت بعض رجال النخبة، في السعودية، تزيد من الغموض السياسي في المملكة.

وأضافت في تقرير لها نُذر نوفمبر الماضي أن “تركيز السلطة في أيدي ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان، من شأنه أن يسهم في الجهود الرامية لإجراء الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية، ولكنه يزيد من مخاطر هيمنة الرجل الواحد، ومن الممكن أن تحدث هزات عنيفة”.