يبدو أن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان استيقظ على كابوس تفكك العائلة المالكة وتشرذمها، بعد حملته تحت شعار مكافحة الفساد، والمعروفة إعلاميا باعتقالات الريتز، والتي طالت العديد من مشاهير الأمراء بالعائلة.

وتكررت في الآونة الأخيرة اللقاءات الودية بهؤلاء الأمراء من أبناء عمومته، خاصة الذين أثاروا جدلا واسعا.

عبدالعزيز بن فهد

من بين هؤلاء الأمير عبدالعزيز بن فهد نجل الملك السعودي الراحل فهد بن عبدالعزيز، والذي كان صاحب الظهور الأحدث مع ابن سلمان، في مقطع مصور انتشر بكثافة عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

المقطع الذي نُشر بعد عام من أنباء راجت بقوة عن مقتل ابن فهد في محبسه، نشره الأمير نواف بن فيصل، ويُظهر زيارة ولي العهد ووزير الداخلية، الأمير عبدالعزيز بن سعود، للأمير عبدالعزيز بن فهد، في منزله بالرياض.

ويظهر في مقطع الفيديو قيام ابن سلمان بتقبيل الجوهرة، ابنة الأمير عبدالعزيز بن فهد، فيما بدا الأخير غير مكترث لابن عمه ولي العهد، ومنشغلا بتقبيل ابنته داعيا ابن سلمان لتقبيلها أيضا.

لقاء ودي أم ابتسامات مصطنعة؟

اللافت أن هذا الظهور ليس الأول لابن فهد مؤخرا، فقبل نحو 3 أشهر نشر الأمير نواف بن فيصل، أيضا مقطع فيديو ومجموعة من الصور لعمه الأمير عبد العزيز بن فهد، بصحبة ابنتيه الجوهرة ولطيفة.

وفي خضم حملة الاعتقالات التي شنها ابن سلمان قبل عام على بعض الأمراء ورجال الأعمال والمسؤولين نقلت تقارير إعلامية غربية، عن عميل خاص سابق لمكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي يُدعى “علي حسن صوفان” قوله إن “الأمير عبد العزيز بن فهد قُتل خلال محاولة من السلطات لإلقاء القبض عليه”.

التقارير أفادت بأنه – وفي أثناء الاعتقال الذي كان ضمن ما اعتبر حملة تطهير السعودية من الفساد التي يقودها “ابن سلمان” – دخلت قوة الحاسة المرافقة لابن فهد في معركة نارية مع القوة المسلحة التي أتت لاعتقاله، ما أسفر عن مصرعه بطلقات نارية خلال الاشتباكات، وفق ما نشره “صوفان”.

تلك الأنباء انتشرت كالنار في الهشيم بالعديد من الصحف والمواقع الغربية مستندة إلى تصريح “صوفان”، حتى وصلت الأنباء لوسائل الإعلام العربية التي نقل بعضها نفيًا للخبر على لسان مصادر سعودية رسمية.

أمير مثير للجدل

ولطالما عُرف “ابن فهد”، الذي ترك منظومة الحكم في 2014 وكانت آخر مناصبه الشرفية دائمًا وزير دولة وعضو مجلس وزراء، بأنه مثير للجدل بتغريدات عبر حسابه الرسمي تصطدم كثيرًا بتوجهات الدولة السعودية الجديدة منذ تولى الملك سلمان الحكم في يناير 2015، وصعد نجم ابنه “محمد” ولي العهد الحالي.

لكن أبرز تلك الخلافات مع الدولة، كان في أغسطس 2017، عندما نشر الأمير عبدالعزيز مجموعة تغريدات شديدة اللهجة بحق ولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد لم تكن الأولى من نوعها لكنها كانت الأكثر قساوة.

التغريدات تضمنت انتقادات لاذعة لابن زايد، على خلفية هاشتاج (#شيخ_الفخر_محمد_بن_زايد) الذي دشنه إماراتيون بعد الفيلم الوثائقي الذي عرضته فضائية الجزيرة بعنوان “إمارات الخوف“، والذي سلط الضوء على الانتهاكات التي تمارَس بحق المعتقلين في الإمارات بأمر من محمد بن زايد، بحسب الفيلم.

يقال إن موقف ابن فهد من ولي عهد أبو ظبي دمر علاقة متينة بالعاهل السعودي وولي عهده

مواقف “ابن فهد” التي وصلت إلى حد توجيه السباب والشتائم بألفاظ نابية، وخصص لها أبيات شعرية من تأليفه عدها مراقبون تغريدًا خارج السرب السعودي الرسمي الذي يتناغم بشكل كبير مع الإمارات، لعدة اعتبارات أبرزها قيادة البلدين لمعسكر دول حصار قطر.

ورغم عدم تواجده في منظومة الحكم، إلا أن “ابن فهد” يتمتع بحضور قوي وفعال داخل المجتمع السعودي خاصة على صعيد العمل الخيري والإنساني، بعد فترة من الاختفاء خارج البلاد، ثم عودة مختلفة تمامًا عن حياته السابقة التي كانت مرفهة للغاية.

وبرز اسم ابن فهد في أبريل 2016، بعد سلسلة من التغريدات وحديثه “الغامض” عن “محاولة تسميمه”.

لم شمل العائلة

وربما لا يمكن الفصل بين مشهد لقاء ابن فهد بولي العهد السعودي، عن غيره من المشاهد التي تقود إلى أن ابن سلمان يسعى إلى لم شمل العائلة المالكة، بعد أن تسببت حملته لمكافحة الفساد في تفكك وصل إلى حديث عن تدبير مؤامرات لاغتياله.

ففي أكتوبر الماضي، عاد الأمير أحمد بن عبدالعزيز الأخ الأصغر للملك سلمان إلى البلاد بعد غياب طويل في العاصمة البريطانية لندن، وإثر الحصول على ضمانات أمنية من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا بعدم تعرض ولي العهد له.

ومعروف أن الأمير أحمد معارض لسياسات ابن أخيه، حيث رفض عام 2017 -عندما كان أحدَ أعضاء مجلس البيعة- تعيين ابن سلمان وليا للعهد، ولم يقدم له البيعة.

كما سبق له أن انتقد علنا الحرب على اليمن، وطالب بإجبار ابن سلمان على وقفها، محملا إياه المسؤولية عن الجرائم التي تقع هناك.

وبعد أشهر من اعتقاله في فندق الريتز كارلتون، تكررت مرات ظهور الأمير الملياردير الوليد بن طلال، ومنها ظهوره الأول بصحبة ابن سلمان في يوليو الماضي.

وفي ديسمبر 2017، بث التلفزيون السعودي لقطات لوزير الحرس الوطني السابق الأمير متعب بن عبد الله بصحبة ابن سلمان، كما أظهرت صور تناقلها مغردون على موقع تويتر الأميرين في حديث جانبي.

وكان هذا أول ظهور علني للأمير متعب منذ إعفائه من منصبه وتوقيفه ثلاثة أسابيع قبل الإفراج عنه في نوفمبر 2017، وذلك ضمن اعتقالات الريتز.

الظهور العلني الأول للأمير متعب رفقة ابن سلمان

وفي السياق ذاته أفرجت السلطات السعودية مؤخرا عن الأمير خالد بن طلال، شقيق الوليد بن طلال، بعد اعتقال دام قرابة عام.

ورأت تحليلات أن العائلة المالكة السعودية بقيادة ابن سلمان تحاول رص صفوفها وتحقيق أكبر قدر من الانسجام والتضامن في مواجهة أية أزمات مستقبلية، وفي مقدمتها ما قد ينجم عن قضية مقتل الصحفي جمال خاشقجي في اسطنبول.

كما يمكن الجزم بأن ابن سلمان يحاول توجيه رسالة قوية لمن يحاول إثارة موضوع وجود انقسام داخل العائلة، مستغلا تلك المشاهد التي قد تكون التقطت قسرا، كدليل على قوة وتماسك العائلة والتفافها حول القيادة الجديدة.

وليس ببعيد عن ذلك، تحضيرات ابن سلمان المكثفة لخطوته القادمة والأخيرة لاعتلاء عرش المملكة، سواء بوفاة والده الملك سلمان، أو حتى بتنحيه لظروفه الصحية وإصابته بالألزهايمر، وما ينشر بين الحين والآخر عن تراجع قدراته الذهنية والعقلية كثيرا.