العدسة – منصور عطية

لم تضع الحرب في اليمن المستمرة منذ نحو 3 سنوات أوزارها بعد، بل على العكس تزداد الأزمة تعقيدا يوما بعد يوم بالنسبة للطرف الأقوى نظريا، والذي كان يتوقع أن تكون الأمور محسومة لصالحه سريعا.

ومن جديد يستيقظ السعوديون ليس على خبر إسقاط صاروخ باليستي أُطلق من اليمن في عمق أراضيهم، لكن على أنباء تتحدث عن سيطرة من قِبل ميليشيات الحوثي المدعومة إيرانيا على أجزاء من تلك الأراضي الحدودية.

ورغم أن تدقيق تلك المعلومات والتسليم بصحتها يبدو مجافيا للمنطق، إلا أنه يفتح الباب على مصراعيه أمام تساؤلات بشأن الأوضاع في اليمن والأهداف التي من أجلها شن التحالف العربي بقيادة السعودية تلك الحرب.

100 ميل بقبضة الحوثي

تقارير إعلامية نقلت عن صحيفة “ذا هيل” الأمريكية، قولها إن “الحوثيين يسيطرون بالفعل على جزء من الأراضي السعودية، يقدر بنحو 100 ميل مربع”.

المعلومة وردت في تحليل للصحيفة تحت عنوان “القصة الحقيقية لما يحدث في اليمن”، والذي كتبه “سيمون هندرسون” مدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى.

ورأى الكاتب أن “التقدم الوحيد الذي أحرزته القوات السعودية على طول الحدود الشمالية هو الاستيلاء على جيب صغير من الأراضي اليمنية بالقرب من ساحل البحر الأحمر، ولكن الواقع العسكري العام عكس ذلك”.

وأوضح أن “الحوثيين يسيطرون فعليا على قطاع من الأراضي السعودية على بعد عدة أميال عميقة على طول الحدود، من مقابل مدينة جازان إلى نجران.. نحن نتحدث عن 100 ميل مربع من المملكة، وربما أكثر، وهناك بعض الجدل حول ما إذا كانت تلك المساحة يمكن وصفها بأنها محتلة أم لا، فأحيانا يقوم الجيش السعودي بغزوه”.

وقيّم الكاتب أداء الجيش السعودي إجمالا في هذه الحرب، مشيرا إلى أن تلك التقييمات تتراوح بين “ضعيفة ومهينة ومروعة”، ووفق التقرير فقد كانت هناك فرصة لتحقيق انتصار سعودي في اليمن الشهر الماضي، عندما انفصل تحالف الحوثي/صالح، إثر نشوب معارك بينهما أسفرت عن مقتل الرئيس الراحل علي عبد الله صالح.

ليست المرة الأولى

اللافت أن الحديث عن توغلات حوثية في عمق الأراضي السعودية ليس هو الأول من نوعه منذ اندلاع الحرب في مارس 2015، بل تكرر في مرات سابقة.

ففي أوائل أغسطس 2016، كشف المغرد السعودي الشهير “مجتهد” أن مقاتلي الحوثيين وقوات الحرس الجمهوري المتحالفة معها – حينها – توغلت لمسافة 10 كم في عمق منطقة جيزان جنوب السعودية.

وقال في تغريدة عبر حسابه بموقع “تويتر” إن “الاشتباكات بين القوات السعودية والحوثيين المسنودين بقوات الحرس الجمهوري التابع لنجل الرئيس اليمني السابق علي صالح، قد امتدت إلى مشارف منطقة صامطة بجيزان، وأن هذه المنطقة شهدت نزوحا واسعا للأهالي على إثر تلك المواجهات”.

وأشار إلى أن الآلاف من الأسر السعودية قد طُردت من مساكنها في منطقة جيزان دون تعويض مالي من السلطات أو إعطائهم أي بديل.

وفي الشهر ذاته، نشر الإعلام الحربي التابع لميليشيا الحوثي، فيديو قيل إنه لعمليات سيطرة الحوثيين على المواقع العسكرية السعودية المشرفة على مدينة نجران من الجهة الغربية.

وتظهر المشاهد تدمير عدد كبير من الآليات العسكرية والدبابات والمدرعات السعودية في عدة مواقع، فضلاً عن سقوط عدد كبير من القتلى في صفوف العسكريين، بقيت جثث بعضهم في أرض المعركة، وفق تقارير إعلامية.

وفي يوليو الماضي، قالت مصادر إعلامية تابعة للحوثيين إن قواتهم نفذت عملية عسكرية سيطرت إثرها على مواقع سعودية في جازان على الحدود اليمنية السعودية.

وذكرت وكالة الأنباء التابعة لميليشيات الحوثي والرئيس المخلوع علي عبد الله صالح أن مقاتليهم شنوا عملية عسكرية أدت إلى بسط سيطرتهم على مواقع ومعسكرات سعودية، بينها معسكر الجابري ومواقع الفريضة وملحمة والغاوية بمنطقة جازان على الحدود بين البلدين.

وبثت قنوات تابعة للحوثيين مشاهد قالت إنها للعملية التي شهدت مواجهات بين الجيش السعودي والميليشيات، واستخدمت فيها الصواريخ والمدفعية، لم يتسن التأكد من صحتها.

معركة البقاء.. وتكلفة الحرب

وبينما لا تعلق قوات التحالف العربي أو السعودية على تلك الأنباء المتواترة، فإنها تواصل الحديث بشكل معلن عن توغلات برية تنفذها قواتها بشكل محدود في عمق الأراضي اليمنية لأهداف بعينها، مثل التصدي لمحاولة توغل حوثية أو غيرها.

المشهد يصبح أكثر ضبابية مع عدم القدرة على الجزم بصحة موقف أحد الطرفين دون الآخر، في ظل غياب المعلومات وسخونة الأحداث في المناطق الحدودية المتاخمة لبعضها والمتداخلة بشكل تفرضه تضاريسها.

ويبقى التحدث بين الطرفين في قدرة كل منهما على إثبات مصداقيته، وقد تضطر قوات التحالف أو السعودية على وجه التحديد إلى الرد الرسمي على تقرير الصحيفة الأمريكية، ربما لأنه تفرد بتحديد المساحة التي يسيطر عليها الحوثيون بدقة وموقعها الجغرافي كذلك.

لكن بعيدا عن تلك المعركة، فإن الأمر يعيد إلى الأذهان الحديث عن مجمل الأوضاع في اليمن بعد مرور أكثر من 1000 يوم على الحرب، وماذا تحقق من أهداف التحالف فيها وما الخسائر التي مُنيت بها السعودية.

على صعيد الخسائر فلا تتوفر معلومات رسمية أو إحصاءات دقيقة بشأنها، إلا أن تقارير إعلامية قدرت الكلفة اليومية للحرب بـ 750 مليون ريال سعودي، يتم إنفاقها كقيمة للذخائر، وقطع غيار، وإعاشة وتموين أفراد الجيش فقط، بينما بلغ إجمالي الكلفة الكلية للحرب خلال شهورها التسعة الأولى نحو 200 مليار ريال.

أما على مستوى الخسائر في العتاد والآليات وأعداد القتلى، فقد أسهبت تقارير أخرى في بيانها، لكن دون الاستناد إلى مصادر موثوقة.