يترقب الشارع المصري، خلال العام الجاري 2020، إجراء 3 استحقاقات دستورية، أولها انتخابات مجلس النواب، وثانيها انتخابات مجلس الشيوخ، وثالثها انتخابات المجالس المحلية.
وعلى الرغم من اقتراب موعد تلك الاستحقاقات، فإن القوانين المنظمة للانتخابات الثلاث لم يقرها مجلس النواب المصري، إلى الآن.
ووفق رئيس لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية في البرلمان، المستشار “بهاء الدين أبوشقة”، فإن البرلمان سينتهي من إقرار قانوني مجلس النواب ومجلس الشيوخ قبل نهاية يونيو/حزيران المقبل.
وتسود الشارع المصري حالة متوقعة من “اللامبالاة” تجاه الاستحقاقات الدستورية المنتظرة، وهو أمر يبدو متوقعا في ضوء الأداء “المثير للجدل” للبرلمان الحالي الخاضع بشكل كامل لهيمنة السلطة السياسية ممثلة في الرئيس “عبدالفتاح السيسي”.
برلمان “عبدالعال”
وخلال 4 سنوات من عمر المجلس، لم يناقش البرلمان المصري سوى استجواب واحد في يناير/كانون الثاني الماضي، وكان موجها ضد وزيرة الصحة، وانتهى بالتصفيق لها من قبل المجلس الذي يسيطر على تشكيله ضباط الجيش والداخلية السابقين.
ووافق المجلس، الذي تقترب ولايته على الانتهاء، على 341 قراراً بقانون أصدرها رئيس الجمهورية في غيابه، خلال الـ15 يوماً الأولى من تاريخ انعقاده، وضمت تشريعات سيئة السمعة، منها تقييد حق التظاهر، وتحصين العقود التي تكون الدولة طرفاً فيها، ومنح رئيس الجمهورية حق عزل رؤساء الأجهزة الرقابية، وقوائم الكيانات الإرهابية.
وخلال 4 سنوات فقط، مرر البرلمان الذي يقوده القانوني المثير للجدل “علي عبدالعال” 996 تشريعا، بواقع 156 قانونا في دورة الانعقاد الرابعة، و197 تشريعا في دورته الثالثة، و219 قانونا في الدورة الثانية، و82 تشريعا خلال الدورة الأولى.
ولم يرفض مجلس النواب أي تشريع مقدم من الحكومة على مدار 4 سنوات، كذلك وافق على 10 قرارات رئاسية متتالية بفرض وتمديد حالة الطوارئ، وشهد الظاهرة التي أطلق عليها الناشطون تكهما “نواب أبوالهول”، حيث لم يتحدث 144 نائباً من مجموع 595 برلمانياً مطلقا خلال 72 جلسة عامة للبرلمان.
وجرى إسناد مهمة إدارة الانتخابات البرلمانية السابقة إلى جهاز المخابرات العامة في مصر، وهو ملف أشرف عليه “محمود السيسي”، نجل الرئيس المصري، بشكل شخصي، لكن تشكيلة البرلمان وأداءه المثير للجدل تسببا في انتقادات واسعة للنظام، ما دفع النظام لمحاولة تغيير طريقة إدارته للحياة البرلمانية مع اقترابات انتخابات 2020.
عودة رجال “مبارك”
إزاء الفشل الذي سيطر على الحياة البرلمانية خلال السنوات الماضية، والانتقادات الحادة لأداء رئيسه “علي عبدالعال”، يبدو أن نظام “السيسي” بصدد تجهيز نسخة معدلة للبرلمان، تكون أكثر إقناعا للجميع.
وفي هذه المرة، تم تكليف جهاز الأمن الوطني، وهو جهاز استخباراتي تابع لوزارة الداخلية، بإدارة ملف الانتخابات بعد فشل إدارة المخابرات للبرلمان السابق، ويعرف عن جهاز الأمن الوطني علاقته القوية بكبار رجال الحزب الوطني المنحل، ورموز عهد الرئيس المخلوع “حسني مبارك”.
ونتيجة لذلك، يبدو أن النسخة الجديدة المتوقعة للبرلمان الجديد ستشهد عودة العديد من الأوجه المرتبطة بنظام الرئيس المخلوع، خاصة من رجال أعمال، الذين توارى معظمهم عن المشاركة في المشهد السياسي في أعقاب ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011.
ومن المرجح أن تجري الانتخابات البرلمانية المقبلة بنظام القوائم المغلقة، على أن تشرف الأجهزة الأمنية على اختيار أعضاء هذه القوائم.
ووفق مصادر خاصة تحدثت لـ”الخليج الجديد”، في وقت سابق، فإن نظام “السيسي” يتجه للاستعانة بالعديد من رموز نظام “مبارك”، والدفع بهم خلال الانتخابات البرلمانية المقبلة، وكذلك انتخابات مجلس الشيوخ الجديد.
وضمن تلك الاستراتيجية، تجري حاليا عملية إعادة إحياء قواعد الحزب الوطني المنحل، ودمجها في حزب “مستقبل وطن” المقرب من “السيسي”، ومنح كوادر الوطني السابقين مناصب قيادية في هياكل الحزب.
وخلال الأسابيع الماضية، جرى تعيين رجل الأعمال “محمد أبوالعينين”، رئيس لجنة الصناعة في برلمانات “مبارك”، نائبا لرئيس حزب “مستقبل وطن”، وكذلك تعيين رجل الأعمال “عادل ناصر” وكيل لجنة التنمية المحلية في آخر برلمان قبل ثورة 25 يناير/كانون الثاني، مساعدا لرئيس الحزب.
ويعول نظام “السيسي” على الأموال التي سيتم ضخها من قبل رموز نظام “مبارك” لتقوية نظامه، عبر احتواء القوى المناوئة لثورة يناير/كانون الثاني، وجماعة “الإخوان” التي أطيح بها من الحكم في انقلاب عسكري منتصف 2013.
نظام الانتخابات
ويدور الجدل حاليا، حول النظام الذى ستجرى على أساسه العملية الانتخابية، وعدد المقاعد الممنوحة للمرشحين على نظام القوائم، والمرشحين على المقاعد الفردية.
وتطالب الحركة المدنية الديمقراطية المعارضة التي تضم 7 أحزاب، هي “تيار الكرامة والدستور والتحالف الشعبي والعدل والمصري الديمقراطي الاجتماعي والعيش والحرية تحت التأسيس”، بتبني نظام القوائم النسبية بنسبة الثلثين، والمقاعد الفردية بنسبة الثلث.
ويطالب رئيس حزب الوفد، “بهاء أبوشقة”، بأن تجرى الانتخابات وفق نسبة 75% للقائمة المغلقة و25% للفردي، في ظل غياب تام للأحزاب ذات التوجه الإسلامي عن المشهد.
ويخضع نظام القائمة، لاعتبارات أمنية في المقام الأول، ويشترط تزكية “الأمن الوطني” للمرشحين المنضمين إلى القوائم المدعومة من قبل الدولة، وتتوقف فرص المرشحين كذلك على حجم الدعم المالي الذي سيقدمونه للحملة الانتخابية.
وتنص الفقرة الأولى من المادة 102 من الدستور، على أن “يُشكل مجلس النواب من عدد لا يقل عن 450 عضوا، يُنتخبون بالاقتراع العام السرى المباشر، على أن يُخصص للمرأة ما لا يقل عن ربع إجمالي عدد المقاعد”.
وإضافة إلى تحديد النظام الانتخابي، سيجري كذلك تعديل قوانين مباشرة الحقوق السياسية، وتقسيم الدوائر الانتخابية، وعدد المقاعد، والمادة الخاصة بتغيير الصفة الحزبية التي تحظر على النواب تغيير صفتهم الحزبية طوال فترة وجودهم تحت قبة البرلمان.
خلية الأمل
بموازاة الاستعدادات الأمنية لترتيب اللعبة الانتخابية، تتواصل سياسة النظام الحاكم في توجيه ضربات أمنية لأي قوى سياسية تفكر في خوض السباق، بعيدا عن حسابات النظام، وخطوطه الحمراء، وهو ما ظهر جليا في اعتقال قيادات “تحالف الأمل”، يونيو/حزيران الماضي.
في ذلك التوقيت جرى اعتقال عدد من الشخصيات العامة من بينهم المحامي اليساري والبرلماني السابق “زياد العليمي”، والمتحدث باسم التيار الشعبي الناصري “حسام مؤنس”، والصحفي الناصري “هشام فؤاد”، ورجل الأعمال الليبرالي “عمر الشنيطي”، وتم اتهامهم بالانضمام إلى “خلية إرهابية” مكونة من ناشطين من الإخوان والناصريين والاشتراكيين والليبراليين.
ويقبع خلف الأسوار، كذلك، قيادات أحزاب “مصر القوية”، و”الوسط”، و”الاستقلال”، و”الدستور”، وآخرون، بينما تجمد نشاط شباب الاشتراكيين الثوريين وحركة 6 أبريل، ولم يعد العمل السياسي متاحا إلا لحائزي الضوء الأخضر من الأجهزة السيادية، ما يعني أن برلمان 2020 ربما لن يكون سوى نسخة معدلة من سلفه مع إضافة القليل من مساحيق التجميل.
اضف تعليقا