أحمد حسين

يبدو أن الدنيا كلها ضاقت باللاجئين السوريين الفارين من جحيم بشار الأسد، فها هي الجزائر تقرر ترحيل كل المهاجرين “غير الشرعيين” العرب سواء من الجنسية السورية أو غيرها.

ورغم أن المسافات تتباعد بشدة بين البلدين، إلا أن المسؤولين في الجزائر يرون أن بلادهم باتت وجهة للجماعات المسلحة التي تتخذ من قضية اللاجئين ستارا لتعيد ترتيب أوراقها هناك.

ليس هذا فحسب، بل إن المؤامرة الإرهابية تشارك فيها عواصم عربية مدفوعة بتأجيج الأوضاع، وفق المسؤولين.

مؤامرة إرهابية

مدير الهجرة بوزارة الداخلية الجزائرية “حسان قاسيمي” شدد على أن قرار الحكومة القاضي بعدم السماح للمهاجرين العرب القادمين عبر النيجر ومالي بالدخول إلى الجزائر، لا رجعة فيه، وأنه “لا يمكن التخفي وراء المبررات الإنسانية من أجل القبول بأمور تهدد الأمن القومي للبلاد”.

وقال في تصريحات إعلامية، إن بلاده باتت اليوم أمام ظاهرة جديدة تتمثل في تسلل أشخاص قادمين من سوريا واليمن وفلسطين، وأن هؤلاء يتخفون صفة المهاجرين واتخاذ مسالك تشرف عليها جماعات مسلحة.

ورأى أن المهاجرين يمرون عبر عدة بلدان في طريقهم إلى الجزائر منها مصر، تركيا، السودان، موريتانيا، مالي، والنيجر دون أن يطلبوا اللجوء السياسي، الأمر الذي فسره بأنهم موجهون للتموضع في الجزائر بإشراف جهات إرهابية مجهولة.

وأضاف قاسمي أن الجزائر استقبلت أكثر من 50 ألف سوري لدواعي إنسانية، على خلفية الأوضاع الصعبة التي يُواجهونها بل وتضامنت مع الشعب السوري في أصعب اللحظات، وذلك في الوقت الذي تهرب البعض الآخر من مسؤولياته الإنسانية، في إشارة واضحة إلى الجارة المغرب.

المعلومات الاستخبارية لدى المسؤول الجزائري تقول إن هناك دوائر مشبوهة على المستوى الدولي تحاول تسهيل تدفق الإرهابيين الذين كانوا في سوريا والعراق واليمن، ومحاولة إدخالهم إلى الجنوب الجزائري عبر تركيا أو الأردن، ثم يسافرون إلى مصر و إلى السودان، ثم إثيوبيا، تشاد وأخيرا يصلون إلى النيجر أو مالي ومن هناك يحاولون الدخول إلى الجزائر عبر الحدود الجنوبية.

(لاجئون سوريون عالقون على الحدود الجزائرية المغربية)

 

ونقلت تقارير عن مصادر أمنية تأكيدها أن “الجيش الجزائري يجد نفسه في مواجهة تحدي جديد يلوح في الأفق، يتمثل في محاولة إختراق للحدود من طرف إرهابيين تتراوح أعمارهم ما بين 20 إلى 30 سنة، أغلبهم يحملون الجنسية السورية بالإضافة إلى بعض العناصر اليمنية”.

المصادر قالت إن “هؤلاء المتسللين ينحدرون من مدينة حلب السورية، وهم مدفوعون من طرف بعض العواصم العربية التي تشجعهم على الانتشار في الجزائر بهدف ضرب استقرارها”.

يبدو الحديث عن العواصم العربية المتورطة في تلك المؤامرة كما يراها الجزائريون، موجهة صوب الرباط عاصمة المغرب الجار اللدود للجزائريين.

ولعل ما يعزز هذا التوجه، ما أثير في أبريل 2017، حين أعلنت وزارة الشؤون الخارجية الجزائرية “رفضها القاطع” لما أثارته السلطات المغربية من اتهامات للجزائر بتسهيل دخول سوريين إلى أراضيها بطريقة غير شرعية.

وكانت السلطات المغربية اتهمت، قوات الأمن الجزائرية، بترحيل قسري لأفواج مهاجرين سوريين تجاه الأراضي المغربية.

أزمة الصحراء والبوليساريو

ويبدو الحديث عن نذر حرب أو حتى مواجهة عسكرية محدودة بين البلدين ليس مبالغا فيه، بل سبق وأن كان مثار تهديدات متبادلة علنية وصريحة ومباشرة، حتى وإن كان السبب مختلفا، لكن يبقى الاستعداد المتبادل لأن تتحول الخلافات بين الجزائر والمغرب إلى مواجهة عسكرية حقيقية.

ففي أبريل الماضي، هدد المغرب في رسالة رسمية إلى “ستيفان دوجاريك” المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، بإشعال الحرب في منطقة الصحراء الغربية المتنازع عليها بين المغرب وجبهة البوليساريو المدعومة جزائريا.

قالت الرسالة إن “إقامة أي بنية مدنية أو عسكرية أو إدارية -أو أيا كانت طبيعتها، للبوليساريو، من مخيمات تندوف في الجزائر إلى شرق الجدار الأمني الدفاعي للصحراء- تشكل عملًا مؤديًا إلى الحرب”.

(مخيمات تندوف التي تحتضن الصحارويين في الجزائر)

 

قبلها بيوم واحد أكد رئيس الحكومة المغربية “سعد الدين العثماني” أن بلاده “لم ولن تسمح بتغيير المعطيات على أرض الواقع بالمنطقة العازلة (في الصحراء الغربية) خاصة ما يتعلق بتشييد بعض البنايات”.

واعتبر، في تصريحات صحفية، أن أي تغيير للمعطيات في المنطقة المذكورة بمثابة اعتداء على المغرب وسيادته الوطنية، معلنا تشجيع حزبه الحاكم (العدالة والتنمية) السلطات الرسمية “لتقوم بكل ما يلزم لإزالة هذا الاعتداء”.

وكان وزير الخارجية المغربي “ناصر بوريطة” قال إن “هناك استفزازات ومناورات.. الجزائر تشجع البوليساريو على تغيير وضع هذه المنطقة العازلة التي وضعت منذ أوائل التسعينيات تحت مسؤولية الأمم المتحدة”.

وأضاف: “إذا لم تكن الأمم المتحدة مستعدة لوضع حد لهذه الاستفزازات، فإن المغرب سيتحمل مسؤولياته ولن يتسامح مع أي تغيير يمكن أن يحدث بهذه المنطقة”، مؤكدا أنه إذا لم تكن للأمم المتحدة ومجلس الأمن قدرة على حماية المنطقة “فإن المغرب سيتحمل مسؤوليته”.

هل يتحاربان؟

عودة إلى مسألة اللاجئين، التي أثيرت في وقت ليست الجزائر مستعدة لأن تثقل كاهلها بأعباء وأزمات إضافية، وهي تعيش مرحلة دقيقة مع قرب موعد الانتخابات الرئاسية وغموض موقف الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة وطبيعة الصراع الدائر هناك حول مستقبل البلاد السياسي.

إذن ونظريا، فإن الجزائر حتما لن تصعد الأمور إلى حد الوصول لمواجهة عسكرية على غرار “حرب الرمال” في ستينيات القرن الماضي، والتي اندلعت للخلاف الحدودي بين البلدين.

(حرب الرمال.. هل تتكرر؟)

لكن في الوقت ذاته يمكن للقائمين على الحكم في الجزائر استغلال الأزمة الحالية لصالحهم، ربما لصرف أنظار الناس عن تناول قضية الانتخابات الرئاسية وتولي بوتفليقة الرئاسة للمرة الخامسة من عدمه، وكل ما يثار بشأن الموضوع.

هذا الاستغلال يقوم على محاولة تمرير ما تخطط له النخبة الحاكمة في الجزائر من سيناريوهات لمستقبل الحكم في البلاد، بمعزل عن أي ضغط أو رقابة شعبية.

ويعزز من إمكانية تحقق هذه الفرضية، حديث المسؤول الجزائري الذي ربط فيه بين إثارة أزمة اللاجئين والتوقيت الحالي، المقبلة فيه البلاد على استحقاق انتخابي مثير للجدل.

في الجهة المقابلة، ربما نجد المغرب متربصا بجارته ومتأهبا ليس لاستغلال الأزمات بل لاختلاقها، الأمر الذي يمكن معه تصعيد الأمر على الجبهة المغربية، لكن الرباط قد تكون في غنى عن هذه المواجهة، بعد حادث مقتل السائحتين الاسكندنافيتين، ومحاولتها طي تلك الصفحة وإحداث حالة من الاستقرار الأمني الذي يضمن استمرار التدفقات السياحية كشريان تعتمد عليه البلاد في تغطية 10% من ناتجها الإجمالي.