العدسة – منصور عطية
يبدو أن مصر بدأت تحركاتها الفعلية في مجلس الأمن الدولي، بطرحها على أعضائه الـ15 مشروع قرار يندد باعتراف الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بالقدس عاصمة موحدة للاحتلال الإسرائيلي.
القرار الذي يُنتظر أن يتم التصويت عليه خلال الاثنين أو الثلاثاء المقبلين، يأتي وسط انتفاضة فعلية على الأراضي المحتلة وقطاع غزة، خلفت عددًا من الشهداء حتى الآن، وموجة احتجاج عربية وإسلامية وعالمية قوية.
كما تأتي مبادرة مصر، وسط اتهامات تواجهها بتسهيل الاعتراف الأمريكي من ناحية، وتهميش قضية القدس بحضور متواضع في القمة الإسلامية بإسطنبول قبل أيام.
مبادرة “على استحياء”!
ونص مشروع القرار الذي يقع في صفحة واحدة على أن “أية قرارات أحادية الجانب تخص وضع القدس ليس لها أي أثر قانوني ويجب إلغاؤها”، إلا أن الوثيقة المصرية لم تذكر بالاسم الولايات المتحدة أو قرار “ترامب” بالتحديد.
ويؤكد نص المشروع أن أية قرارات أو أعمال تطال الوضع الديمغرافي للقدس ليس لها أي أثر قانوني، وتعتبر باطلة وملغاة، ولا بد من التراجع عنها.
كما يطالب مشروع القرار بالالتزام بقرارات مجلس الأمن حول القدس، وعدم الاعتراف بأية إجراءات أو أعمال تخالف تلك القرارات.
كذلك يؤكد مطالبته بالتراجع عن التحركات السلبية على الأرض، والتي تهدد حل الدولتين، إضافة للمطالبة بتكثيف وتسريع الجهود الدولية والإقليمية لتحقيق حل الدولتين دون أي تأخير وبصورة شاملة وعادلة ودائمة، لاستتباب السلام في المنطقة، وإبقاء مجلس الأمن على اطلاع ومتابعة لمستجدات هذه القضية.
ويحتاج تبني المشروع إلى موافقة 9 أعضاء للمجلس من أصل 15، مع عدم التصويت ضده من قبل أي من الدول دائمة العضوية في المجلس، وهي روسيا والولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والصين، التي تتمتع بحق النقض (الفيتو).
” مجلس الامن “
لكن جميع التوقعات تشير إلى أن أمريكا سوف تستخدم حق الفيتو في إجهاض أي قرار قد يصدره المجلس بإدانة اعترافها التاريخي.
ولعل الاستحياء الذي ظهر في صيغة مشروع القرار بتجنب ذكر أمريكا أو “ترامب” بالاسم، يوحي بحرص مصري على عدم إغضاب أمريكا من جانب، ورغبتها في الاحتفاظ بماء الوجه من جانب آخر، كونها الدولة العربية الوحيدة العضو في مجلس الأمن بدورته الحالية.
“فضيحة الاستيطان” في الذاكرة
المفارقة التي تتبادر إلى الذهن على الفور، أن عامًا واحدًا مضى على مشروع قرار مصري مشابه أُجهض في مهده، بسيناريو مثير للجدل، وكان يرمي إلى إدانة الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وقالت تقارير إعلامية، إن مصر تراجعت تحت ضغط إسرائيل والرئيس الأمريكي – المنتخب حينها – دونالد ترامب، عن طرح مشروع القرار، رغم أن مصادر نافذة أكدت أن الولايات المتحدة كانت ستكتفي بالامتناع عن التصويت، وهو ما يعني أن المشروع كان يمكن أن يمر.
التطور الدراماتيكي جاء بعد أن طلبت مصر تأجيل جلسة التصويت، بعد ساعات من طرحها مشروع القرار، حتى إشعار آخر، وعللت طلبها بالحاجة لإجراء مزيد من المشاورات مع الشركاء والأطراف.
خطوة طلب تأجيل التصويت جاءت بعد تلقي الرئيس عبد الفتاح السيسي اتصالًا هاتفيًّا من “ترامب”، وقالت الرئاسة المصرية حينها: إن “الرئيسين اتفقا على أهمية إتاحة الفرصة للإدارة الأمريكية الجديدة للتعامل بشكل متكامل مع كافة أبعاد القضية الفلسطينية، بهدف تحقيق تسوية شاملة ونهائية لهذه القضية”.
لكن مصدرًا غربيًّا رفيع المستوى في واشنطن، كشف عن أن القاهرة أجلت التصويت على مشروع القرار المتعلق بالاستيطان تحت ضغط إسرائيلي لإفشاله في نهاية المطاف.
وقال المصدر لصحيفة “جيروزاليم بوست” العبرية: إن السيسي “خضع لضغوط تل أبيب، وأمر بسحب مشروع القرار من مجلس الأمن رغم أن مصر هي من كانت وراء إعداد مشروع القرار وطرحه للتصويت”.
لم تتوقف التطورات الدراماتيكية عند هذا الحد، بل وصلت إلى موافقة مصر على مشروع القانون وإقرار مجلس الأمن له، بعد أن أعادت 4 دول طرح مشروع القرار المصري، وهي: السنغال ونيوزيلندا وفنزويلا وماليزيا.
هل ترضخ مصر مجددًا؟
التساؤل الأبرز الآن، ربما يتعلق باحتمالية أن تضغط أمريكا وإسرائيل مجددًا على مصر، من أجل سحب مشروع القرار، واحتمالية أن ترضخ القاهرة للضغط مرة أخرى، ليعيد التاريخ نفسه بعد عام واحد فقط.
وعلى الرغم من ترجيح استخدام أمريكا لحق النقض “الفيتو” في عرقلة المشروع وإجهاضه، إلا أن احتمال الضغط على مصر لسحبه يبقى واردًا، ربما حتى لا تجد أمريكا نفسها في موقف يشوه صورتها في الهيئة الأممية، وسط إجماع دولي على رفض اعترافها بالقدس عاصمة لإسرائيل، الأمر الذي قد ينعكس على موقف موحد في مجلس الأمن على غراره.
“ترامب” و السيسي
أما رضوخ مصر للضغط المحتمل من عدمه، ربما يتوقف في المقام الأول على جدية الولايات المتحدة في استخدام الفيتو، حيث يبدو منطقيًّا أن تأكد القاهرة من استخدام حق النقض يجعلها تمضي قدمًا في طرح مشروع القرار وعدم سحبه، لإدراكها يقينًا أنه سيُحبط في نهاية المطاف.
فلا تتورط مصر في إغضاب حليفها الأمريكي من جهة، وتدفع عن نفسها الاتهامات المتلاحقة بتمهيدها للاعتراف الأمريكي والموافقة عليه من جهة أخرى.
تقارير إعلامية نقلت عن وزير الاستخبارات الإسرائيلي “يسرائيل كاتس”، قوله إن “ترامب” أجرى سلسلة اتصالات مع الزعماء العرب، قبل إعلان قراره، وأشار إلى استبعاده ردود فعل جدية من قبل هؤلاء الزعماء تتجاوز التقديرات السائدة في واشنطن وتل أبيب.
القناة العاشرة بالتليفزيون الإسرائيلي، قالت إن قرار الرئيس الأمريكي بنقل سفارة واشنطن من تل أبيب إلى مدينة القدس المحتلة، “لا يمكن أن يتم دون التنسيق عربيًّا”.
السيسي و “نتنياهو”
وكشف مراسل القناة العبرية أن كلاً من السعودية ومصر “أعطتا “ترامب” الضوء الأخضر لتنفيذ قراره ونقل السفارة الأمريكية إلى مدينة القدس، تمهيدًا للقرار الكبير بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل”، وفق تقارير إعلامية.
وتابع المراسل: “ومن المؤكد أن إعلان “ترامب” وبداية إجراءات نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، والتي يعتقد البعض أنها قد تشعل المنطقة، لم يكن ممكنًا أن يتم دون التنسيق مع السعودية ومصر، فالفلسطينيون يدفعون ثمن التغييرات الكبرى في المنطقة”.
اضف تعليقا