أحمد حسين

ليست كغيرها من الزيارات الرسمية، وليس الضيف كغيره من المسؤولين، جدل كبير أثارته زيارة وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو إلى الجامعة الأمريكية في القاهرة، رغم مرور نحو شهر على خطابه الشهير هناك.

ثورة أكاديمية وطلابية، يقودها الأساتذة تمهيدا للإطاحة برئيس الجامعة في سابقة هي الأولى من نوعها منذ تأسيسها عام 1919، فهل يمكن أن تقود حقا إلى عزله من منصبه؟.

وصوت كل من الجمعية العمومية لأساتذة الجامعة ومجلس شورى الجامعة على سحب الثقة من “فرانسيس ريتشاردوني”، بنسبة أصوات تعدت 80 %، رغم مناشدة مجلس أوصياء الجامعة تأجيل التصويت لحين استكمال الاجتماعات المقررة بين المجلس وأعضاء هيئة التدريس الأسبوع المقبل.

لماذا التحرك؟

تعود الواقعة إلى زيارة بومبيو للقاهرة يناير الماضي، حيث وضع ريتشاردوني إحدى قاعات الجامعة الأمريكية – والحرم الجامعي بشكل عام – تحت تصرف السفارة الأمريكية، لاستضافة المؤتمر الصحفي الذي عقده بومبيو أثناء زيارته لمصر.

واتُخذ هذا القرار بشكل فردي، دون اتباع الإجراءات الإدارية المعتادة عند استقبال الشخصيات العامة، وعلى رأسها التشاور مع ممثلي الفئات المختلفة بالجامعة كالطلاب وأعضاء هيئة التدريس.

وفُرضت تدابير أمنية غير مسبوقة على الحرم الجامعي في يوم الزيارة، فيما يتعلق بالدخول والخروج وحرية الحركة داخل الجامعة، واقتصرت الدعوة على من اختارتهم السفارة الأمريكية من الشخصيات العامة ووسائل الإعلام، وإقصاء مجتمع الجامعة.

وبعيدا عن خطاب بومبيو المثير للجدل، فإن الزيارة جلبت استياء الأساتذة والطلبة، الذين اعترضوا على وضع الجامعة في شبهة الربط بالخارجية الأمريكية، ووكالة الاستخبارات الأمريكية (سي آي أيه)، بجانب شخص الوزير بسبب تصريحاته السابقة بتأييد التعذيب ورفضه لغلق معتقل جوانتانامو سيء السمعة.

من جانبه حاول رئيس الجامعة الدفاع عن نفسه وسط موجة التهديدات، وبرر ما حدث في اجتماع مع الأساتذة، قبل 4 أيام، بأن “جهة ما” هي التي طلبت منه استضافة كلمة بومبيو في حرم الجامعة.

                                                                                                               (بومبيو خلال خطابه بالجامعة يناير الماضي)

المعضلة التي يستند إليها المحتجون على الزيارة، أنه بحسب ميثاق الجامعة الأمريكية في القاهرة، فهي “مؤسسة تعليمية غير مسيسة وغير هادفة للربح”، ودوما ما تتعامل إدارتها المختلفة بحذر مع الوقوع في شبهة اتخاذ موقف سياسي ما سواء كان مؤيدا أو معارضا لتوجهات الإدارة الأمريكية.

وحفل خطاب بومبيو بالعديد من النقاط والقضايا المثيرة للجدل، من بينها الانتقاد اللاذع لسياسات الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما. ثم الثناء المبالغ فيه على سياسات الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، وتعاون دول الخليج في “محاربة الإرهاب”، وتعاون النظم العربية الحالية مع إسرائيل، والتأكيد على الاستمرار في العمليات العسكرية في اليمن، ومواجهة “محاولات إيران للهيمنة على المنطقة”.

ليست المرة الأولى!

ويبدو أن الأساتذة والطلاب لم يبنوا موقفهم المهاجم بشدة لرئيس الجامعة على زيارة بومبيو فقط، بل لعلها كانت النقطة الحرجة التي حركت مياها راكدة منذ سنوات.

إدارة “ريتشاردوني” أثارت سخط مجتمع الجامعة أكثر من مرة، منذ توليه إدارة الجامعة عام 2015، إذ أقام لنفسه آنذاك حفل تدشين مهيب وباذخ داخل حرم الجامعة، قالت الإدارة إن تكلفته كانت هدية من رعاة الجامعة.

كما اتخذت الإدارة العديد من الإجراءات الصارمة، من بينها منع الطالبات المنتقبات من الدخول إلى الجامعة، وفرض قيود على الأنشطة الطلابية بمنع التدريبات وجلسات النقاش السياسية، وزيادة المصروفات الدراسية بشكل غير مسبوق.

                                                                                            (فرانسيس ريتشاردسوني.. مستقبل الدبلوماسي السابق بات على المحك)

كذلك أضافت الإدارة عددا من التدابير الأمنية غير المسبوقة، من بينها وضع كاميرات مراقبة في كل أنحاء الحرم الجامعي، وتعزيز إجراءات التفتيش على البوابات، ومحاولة مراقبة الصفحات الطلابية على مواقع التواصل الاجتماعي.

تتزامن الأزمة مع احتفال الجامعة الأمريكية بمرور 100 عام على تأسيسها، شهدت خلالها تعيين 11 رئيسا. وفي حالة حدوثها، ستكون تلك المرة الأولى التي يتم فيها سحب الثقة من رئيس الجامعة بمثل هذا التصويت.

“ريتشاردوني” دبلوماسي سابق، خدم كسفير للولايات المتحدة في تركيا، ومصر، والفلبين وبالاو، وقائم بالأعمال في أفغانستان، وهو ليس أول دبلوماسي أمريكي يتولى رئاسة الجامعة، إذ سبقه كريستوفر ثورون (1969 – 1974)، وريتشارد بيدرسون (1977 – 1990).

ثورة الأساتذة

“ثورة في جامعة القاهرة التي تحدث فيها بومبيو إلى الشرق الأوسط” بهذا العنوان كتب “ديكلان وولش” مراسل صحيفة “النيويورك تايمز” الأمريكية إلى “الخطاب الناري الذي ألقاه بومبيو والذي دعم فيه الحكام الديكتاتوريين الذين يسيطرون على الشرق الأوسط وقلل فيه من أهمية الانتفاضات العربية”.

أساتذة الجامعة الذين صوتوا على سحب الثقة من “ريتشاردسوني” قالوا إنهم “فقدوا الثقة بقيادة رئيس الجامعة وحثوا مجلس أمنائها في نيويورك بالبحث وسريعا عن خليفة له”.

وبحسب تقرير الصحيفة، فإن “مظالم” الأساتذة ضد الرئيس الحالي للجامعة سابقة على خطاب بومبيو، مشيرين إلى “تدني معنويات الموظفين وأسلوب إدارته ومظالم تتعلق بالعقود واتهامات بتمييز غير قانوني”.

عبر الأساتذة عن غضبهم لعدم استشارتهم ومنحهم فرصة لترتيب المناسبة، وفي رسالة إلكترونية لرئيس الجامعة من “باسكال غزالة”، رئيسة دائرة التاريخ تساءلت: “هل تمت استشارة أحد من أعضاء مجتمعنا حول حيوية فكرة السماح لمدير سابق لسي آي إيه والذي تحدث عن دعم التعذيب في الجامعة الأمريكية في القاهرة؟”.

وكان المبشرون البروتستانت أنشأوا الجامعة عام 1919 كجامعة ومدرسة للطلاب فقط تدرس باللغة الإنجليزية، وتوسعت حيث تجاوز عدد طلابها الستة آلاف معظمهم من أبناء النخبة السياسية والإقتصادية المصرية.

ورغم أنها حصلت في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي على دعم من الحكومة الأمريكية إلا أن الدعم الحالي ينحصر في منح دراسية تقدم في نفس الوقت لبقية الجامعات في مصر.