لم تُقابل مساعِ البيت الأبيض لـ “إصلاح” العلاقات بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية بترحيب كبير من المختصين بالسياسية الخارجية والسياسيين من الديموقراطيين والجمهوريين، بل واجهت انتقادات لاذعة منهم ومن نشطاء حقوق الإنسان والناقدين الذين حذروا من أن هذه الخطوة “المشينة” ستشجع النظام الخليجي على ارتكاب مزيد من الجرائم البشعة كاغتيال الصحفي في واشنطن بوست جمال خاشقجي.

برر بايدن ضرورة الخطوة بارتفاع أسعار النفط والتقلبات التي يشهدها سوق الطاقة بأكمله، لكن لم يكن هذا هو السبب الوحيد في الحقيقة، بل أراد الرئيس الأمريكي عرقلة أي تقارب بين السعودية وروسيا التي تعتبرها الإدارة الحالية عدو يهدد استقرار تواجدها.

يرى محللون وخبراء أن زيارة بايدن للسعودية أمر خاطئ، بل يرون أن الطريقة التي لاقاه بها ومصافحته بـ “قبضة اليد” هي خطوة فاضحة للإدارة، ودليل على تراجع مهين في العهود التي أطلقها بايدن لضمان فوزه في الانتخابات الرئاسية.

من المؤكد أن الإدارة أدركت خطئها الفادح الآن من خلال تغيير المسار الآن بعد أن حاول ولي العهد السعودي رفع أسعار النفط وتوطيد علاقته الحميمة مع موسكو، إذ ذكرت صحيفة واشنطن بوست: “يبدأ الرئيس بايدن عملية إعادة تقييم، وربما تغيير، علاقة الولايات المتحدة مع المملكة العربية السعودية بعد إعلان تحالف تقوده السعودية للدول المنتجة للنفط أنه سيخفض إنتاج النفط.”

في تصريح خاص لمايكل أبراموفيتز رئيس منظمة فريدوم هاوس حول هذا الأمر، قال “هذا تطور إيجابي طال انتظاره”، “النظام السعودي هو أحد أكثر الأنظمة قمعاً في العالم، وقد تضاعفت جهوده لإسكات ومعاقبة المعارضة الداخلية منذ وصول محمد بن سلمان إلى السلطة”.

وأضاف أبراموفيتز: “كما رأى الرئيس بايدن، فإن النظام السعودي يبذل قصارى جهده ليؤكد ازدرائه للقيم والمصالح الأمريكية… على النظام السعودي إطلاق سراح السجناء السياسيين، ووقف حملته لإسكات المنتقدين في الخارج والامتناع عن التحالف مع الطغاة”.

الجدير بالذكر أنه منذ زيارة بايدن، لم يوطد محمد بن سلمان علاقته مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فحسب، بل كثف من حملته القمعية ضد المعارضة.

في مقال له في أغسطس/آب، كتب خالد الجابري في جست سيكيوريتي: “نشرت وكالة الأنباء السعودية صورًا مصممة لبايدن ومحمد بن سلمان سويًا مما يشير إلى إنهاء عزلة محمد بن سلمان واستكمال مشروع إعادة تأهيله…. لكن إلى جانب إعطاء دفعة كبيرة لتحسين سمعة محمد بن سلمان، جعله بايدن أكثر خطورة من أي وقت مضى”.

الهدف من زيارة بايدن فشل بكل المقاييس، وهو أمر تنبأ به خبير الشرق الأوسط آرون ديفيد ميللر في يونيو/حزيران الماضي، إذ قال “الشيء المحزن حقًا في رحلة بايدن إلى المملكة العربية السعودية هو أنه ركع أمام سلطوي ومتهور لا يرحم، دفع هذا الثمن بلا شيء في المقابل… للأسف قمع السعودية العابر للحدود كان ينبغي أن يجعل الإدارة الأمريكية حذرة من أي تقدم لتعميق العلاقات معها”.

يدعو أعضاء الكونجرس الآن إلى فرض عزلة كاملة على ولي العهد محمد بن سلمان، واتخاذ خطوات جادة لتأكيد ذلك مثل وقف مبيعات الأسلحة الأمريكية إلى المملكة العربية السعودية وقطع التعامل الاقتصادي معها، حتى وإن بدا ذلك شبه مستحيل، لكن يجب على الإدارة الأمريكية الضغط على السعوديين من أجل ضمان الحفاظ على قيم ومبادئ حقوق الإنسان على الأقل.

للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا