بين

 

العدسة: محمد العربي

يشهد البحر الميت بالأردن اجتماعا سداسيا عربيا يضم ستة وزراء خارجية عرب، وهم وزراء مصر والسعودية والإمارات والكويت والبحرين والأردن، وحسب بيان وزارة الخارجية الأردنية، فإن الاجتماع الذي سيعقد الخميس المقبل سوف يناقش مشاكل وأزمات المنطقة، دون توضيح لماهية هذه الأزمات، ووفقا لبيان الخارجية الأردنية فإن الوزراء المعنيين وافقوا على الحضور، دون أية توضيحات إضافية.

وحسب العديد من التقارير الصحفية فإن جدول أعمال الاجتماع يتضمن قضيتين أساسيتين الأولى تتعلق بعودة سوريا للحضن العربي قبل القمة المرتقبة بتونس نهاية مارس المقبل، أما الثانية فسوف تناقش تطورات الأوضاع مع إيران التي تتشابك مع الوطن العربي في عدة ملفات أبرزها سوريا واليمن والعراق.

تزايد دعوات العودة

رصد المراقبون تزايدا في الدعوات العربية المنادية بعودة سوريا للجامعة العربية، وهو ما يمثل اعترافا واضحا بشرعية نظام بشار الأسد، بعد سيطرة قوات الجيش النظامي المدعومة روسيا وإيرانيا على معظم الأراضي التي كانت بيد المعارضة.

ووفقا لما شهدته الأسابيع الماضية فإن الحراك العربي الرسمي في اتجاه دمشق، تنوع بين زيارة الرئيس السوداني عمر حسن البشير، ثم دعوة كل من العراق ولبنان وتونس بعودة سوريا للجامعة العربية، بالإضافة لإعادة الإمارات في ديسمبر 2018 فتح سفارتها بدمشق، بعد قطع العلاقات بينهما منذ 2012، كما زار رئيس المخابرات السوري القاهرة في زيارة رسمية التقى خلالها برئيس المخابرات المصري عباس كامل، وهي الزيارة التي احتفى بها الإعلام المصري بشكل كبير.

وعلى صعيد الحراك الأردني فقد أعلن رئيس مجلس النواب الأردني عاطف الطراونة دعوة رئيس مجلس الشعب السوري حمودة صباغ لحضور أعمال مؤتمر الاتحاد البرلماني العربي الذي سيعقد مارس المقبل، كما زار وفد فني أردني الأسبوع الماضي دمشق لبحث إعادة استخدام المجال الجوي السوري من قبل شركات طيران أردنية، وقبلها أعلن الأردن تعيين قائم بالأعمال جديد برتبة مستشار في سفارة المملكة لدى سوريا.

لماذا الآن

يشير المراقبون إلى أن اختيار الأردن لعقد الاجتماع التشاوري لوزراء الخارجية العرب، جاء لعدة اعتبارات أبرزها أن الأردن كان من الدول القليلة التي أبقت على علاقاتها بدمشق رغم قرار الجامعة العربية في 2011 بتجميد عضوية سوريا في مختلف أنشطة الجامعة.

وفيما يتعلق بتوقيت الاجتماع تشير بعض التحليلات إلى أن التوقيت الراهن يشهد تغييرات إقليمية ودولية تجاه النظام السوري، نتيجة تغيير الحسابات التي تشهدها المنطقة، وخاصة بين القوى الدولية التي كانت تحرك الأزمة وتدير دفتها، وهو ما تمثل في قرار الولايات المتحدة بالانسحاب العسكري من سوريا، وبحث تركيا عما يؤمن حدودها وصلابة وحدتها، وعلى الصعيد الآخر فإن روسيا التي دعمت بشار بشكل قوي، بدأت تلعب أدوارا مؤثرة على الصعيدين الإقليمي والدولي، ومن هنا فإن الحسابات المتعلقة بسوريا والتي كانت تمثل ساحة تدخلات دولية، تغيرت عما كانت عليه منذ عام على الأقل.

وتشير أراء أخرى إلي أن دوائر التأثير الدولية والسيولة الشديدة التي شهدتها الأزمة السورية، وطول مدة الصراع ونتائجه الكارثية على الشعب السوري غيرت من الحسابات المعقدة التي كانت تعيش فيها الدول العربية، ما جعل الحديث عن عودة دمشق إلى حضن الجامعة العربية يتزايد ويجد آذانا صاغية مؤخرا.

ويرى البعض أن عودة سوريا للجامعة العربية، مرتبط في الأساس بشكل العلاقة بينها وبين إيران، وهو ما يفسر طبيعة الوزراء المشاركين في اجتماع البحر الميت المرتقب، حيث يضم الاجتماع أربعة وزراء خارجية لدول الخليج على خلاف واضح مع إيران، بينما تغيب دولتي قطر وسلطنة عمان اللتين تتمتعان بعلاقات طيبة مع طهران.

وانطلاقا من ذلك فإن الاجتماع المرتقب سوف يهندس شكل هذه العلاقة، في ظل الضغوط الأمريكية لإعادة سوريا للحضن العربي بالتزامن مع الانسحاب العسكري من التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، وما يدعم ذلك ما ذهب إليه عددا من المحللين المقربين من دوائر اتخاذ القرار المصرية، حيث كتب مدير تحرير جريدة الأهرام المصرية محمد أبو الفضل، قبل أيام مقالا عبر فيه عن مكنونات التفكير المصري تجاه الأزمة السورية، والتي بدأها بعنوان مقاله الذي كان عبارة عن تساؤل واضح وهو “متى تعود سوريا للجامعة العربية؟”.

وحسب أبو الفضل فإن المخاوف العربية من العلاقات المتشابكة بين دمشق وطهران قديمة ولها مبرراتها، لكنها ازدادت حاليا بعد التطور الذى شهدته على ضوء المساندة الإيرانية القوية لسوريا السنوات الماضية، والتى كانت أحد عوامل الحسم لصمود نظام الرئيس بشار الأسد، ما يجعله أسيرا لبعض حسابات طهران الإقليمية، والتى تصطدم مع مصالح دول عربية كثيرة.

ونقل أبو الفضل حديثا دار بينه وبين مسئول عربي وصفه بالكبير، قال فيه: “لسنا على استعداد لعودة سوريا للحديث باسم إيران فى الجامعة العربية، وأردف قائلا: من الضرورى أن تكون هناك مسافة واضحة بين الطرفين، وما تم قبوله سابقا سيكون من الصعوبة الصمت عليه لاحقا، فى وقت تصاعدت فيه درجة ولاء دمشق لطهران”.

ماذا يريدون

وربما يكون كلام المسؤول العربي الكبير، عنوانا لتساؤل آخر عما يريده حكام الخليج من نظام بشار، وهو التساؤل الذي كان محل العديد من التحليلات من بينها ما ذهبت إليه الجارديان البريطانية، بأن كل من السعودية والإمارات يريدان إعادة سوريا إلى الجامعة العربية، كاستراتيجية جديدة لإبعاد بشار عن دائرة نفوذ طهران، وهو ما يبرر الوعود الخليجية بضخ ما يقرب من400 مليار دولار في مشروعات إعادة إعمار سوريا، وهو ما يمثل حافزا كبيرا للنظام السوري.

وحسب تأكيد توبياس شنايدر الباحث بمعهد السياسة العامة العالمية في برلين للجارديان فإن “القادة العرب في الخليج وافقوا منذ فترة طويلة على فكرة بقاء بشار الأسد في السلطة. في النهاية وضمن المخطط الكبير للثورة الإقليمية والثورة المضادة، كان الأسد واحدا منهم، مستبد عربي يقاتل ضد ما يعتبره القادة، الإماراتيين والمصريين بشكل خاص، قوى ثورية وإسلامية مثل الإخوان المسلمين”.

وبالعودة لتحليل أبو الفضل فإن عدة مشكلات رئيسية تواجه مشكلة عودة دمشق للجامعة العربية، منها أن العلاقات مع إيران تتجاوز حدود الأزمة السورية، باعتبارها جزء من توجهات إقليمية ودولية متضاربة فى طريقة التعامل معها، والبحث عن حل مناسب لها يخضع لتعقيدات كثيرة، ولا توجد طريقة واحدة يمكن الالتفاف عربيا عليها، ووسط الصدام بين التصورات تستطيع طهران مواصلة أدوارها بوسائل مختلفة، ومن هنا فإن عودة سوريا يمثل مكسبا لطهران، وتشكيكا فى عروبة النظام السوري.

استكمال لنيويورك

وتشير بعض التحليلات إلى أن الاجتماع المرتقب يمثل استكمالا لاجتماع سابق عقدته نفس المجموعة مع الموفد الدولي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا، خلال اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة في سبتمبر الماضي، حيث التقى وزراء خارجية مصر والسعودية والأردن والبحرين والإمارات مع دي ميستورا، وحسب بيان للخارجية الأردنية، فإن الوزراء بحثوا مع الموفد الدولي سبل تفعيل الدور العربي المشترك في التعامل مع مختلف الأزمات في المنطقة، وخاصة الوضع المتعلق بسوريا.

وهو الاجتماع الذي جاء ردا على اجتماع آخر شهدته أروقة الأمم المتحدة بين وزراء خارجية تركيا وروسيا وإيران، لمناقشة الأزمة السورية وفقا لمقررات مؤتمر الأستانة.

معكم نتنياهو

وربط آخرون اجتماع البحر الميت، بما أعلنه الإعلام الإسرائيلي بأن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، سوف يُشارِك في المؤتمر الذي سيُعقد في وارسو، بعد أسبوعين ضدّ إيران، وهو المؤتمر الذي تأكد حضور وزراء خارجيّة السعوديّة والإمارات والكويت والبحرين فيه، وهم نفس الوزراء المشاركين في اجتماع البحر الميت.

ووفقا للتليفزيون الإسرائيلي فإن نتنياهو سوف يلقي خطابا ضد إيران في اجتماع وارسو، وسوف يعلن تأييده ومشاركته للمخاوف الخليجية تجاه طهران.