تواصلت فصول سياسة حافة الهاوية التي يبدو أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لا يجيد غيرها مع تهديداته بتوجيه ضربة عسكرية لإيران وفي نفس الوقت دعوته لقادة طهران للتفاوض، وجاء الرد الإيراني متحدياً ورافضاً للحوار، فهل أصبحت الحرب بين الولايات المتحدة وإيران وشيكة بالفعل؟ وهل تهديد واشنطن بتسيير حاملة طائرات في مضيق هرمز يمثل عنصر تطمين لناقلات النفط أم العكس؟
ما هي آخر تطورات الموقف عسكريا؟
قال قائد القوات البحرية الأمريكية في الشرق الأوسط لرويترز الجمعة 10 مايو/أيار 2019 إنه قد يأخذ قراراً بإرسال حاملة الطائرات إبراهام لينكولن عبر مضيق هرمز إذا اقتضت الحاجة رغم وجود معلومات استخباراتية أمريكية تشير إلى وجود تهديدات من جانب إيران.
تصريحات نائب الأميرال جيم مالوي، قائد الأسطول الأمريكي الخامس المتمركز في البحرين، جاءت بعد ساعات من تصريحات ترامب التي هدد فيها صراحة باستخدام الخيار العسكري ضد إيران، وتزامنت مع مرور حاملة الطائرات التي أصبحت تحت قيادة مالوي عبر قناة السويس إلى البحر الأحمر في طريقها للخليج العربي.
وفي حوار هاتفي مع رويترز قال مالوي: «إذا احتجت إلى جعلها تمر من المضيق فسأفعل ذلك… لست مقيداً بأية حال ولا تواجهني صعوبة بأي شكل من الأشكال لتشغيلها في أي مكان بالشرق الأوسط».
ما حقيقة التهديدات الإيرانية؟
طهران من جانبها رفضت حديث واشنطن عن وجود تهديدات بوصفه «تهديدات استخباراتية كاذبة»، ولكن حتى وسائل الإعلام الأمريكية تحدثت عن «تضخيم» التقارير الاستخباراتية من جانب مساعدي ترامب، خصوصاً جون بولتون مستشار الأمن القومي الذي يضع تغيير النظام في إيران هدفاً نصب عينَيه.
صحيفة ديلي بيست الأمريكية نشرت تقريراً بعنوان «إدارة ترامب ضخمت الاستخبارات بشأن إيران»، نقلت فيه عن مسؤولين داخل الإدارة قولهم إن جون بولتون وآخرين يبالغون في رد فعلهم تجاه المعلومات الاستخباراتية الخاصة بوجود تهديد من جانب إيران على القوات والمسؤولين الأمريكيين في العراق وسوريا وأفغانستان.
قراءة هذه التطورات السريعة تعيد للأذهان قرار انسحاب ترامب من الاتفاق النووي مع إيران قبل عام وهو القرار الذي عارضه الجميع حول العالم باستثناء معسكر ترامب وإسرائيل، ورغم ذلك صمَّم عليه ترامب وواصل التصعيد الممنهج ضد إيران حتى وصلت الأمور للتلويح بالحرب وإرسال حاملة طائرات وقاذفات جوية لتصبح تحت إمرة الأسطول الخامس المتمركز في البحرين.
هل يعني ذلك أن ترامب اتخذ قرار الحرب؟
الرد على لسان مالوي نفسه، حيث قال لرويترز إن القوات الأمريكية في حالة تأهب شديد، لكنه قال إن الجيش الأمريكي لا يسعى أو يعد لحرب مع إيران، مضيفاً: «لست في وضع التخطيط لحرب ولم توكل إليّ مهمة القيام بذلك… لكننا جاهزون تماماً للرد على أي عدوان ضد الولايات المتحدة أو الشركاء في المنطقة أو مصالحنا».
ترامب نفسه قال للصحفيين في البيت الأبيض إنه «لا يريد الصراع مع إيران»، لكنه أضاف: «لدينا واحدة من أقوى السفن المسلحة في العالم ولا نريد أن نفعل أي شيء».
أي أن ترامب يواصل أسلوبه القائم على دفع الأمور إلى حافة الهاوية بوضع أكبر قدر ممكن من الضغوط على الخصم والتهديد باستخدام القوة العسكرية دون أن يعني ذلك بالضرورة استخدامها فعليًا.
ماذا يمكن أن يحدث إذا مرت الحاملة من هرمز؟
أحد أسباب إرسال حاملة الطائرات إبراهام لينكولن إلى المنطقة وجود تقارير استخباراتية تشير إلى أن إيران نقلت صواريخ على زوارق، ونقلت رويترز عن أحد المسؤولين دون أن تسميه أن الصاروخ الذي جرى رصده على وجه التحديد يمكن على ما يبدو إطلاقه من سفينة صغيرة.
ومع تهديدات إيران المتكررة بإغلاق مضيق هرمز الذي يمر منه خمس نفط العالم، قررت إدارة ترامب اتخاذ القرار بإرسال حاملة الطائرات كرسالة واضحة أن أي محاولة إيرانية لاستهداف ناقلات النفط تعني المواجهة العسكرية المباشرة.
في ضوء هذه المعلومات يمكن قراءة إرسال تلك الحاملة والتصعيد في ضوء سعي إدارة ترامب لردع أي تفكير في التصعيد العسكري الفعلي من جانب صقور طهران وفي نفس الوقت ترك نافذة الوصول لاتفاق جديد مفتوحة.
يأتي في هذا الإطار دعوة ترامب القيادة الإيرانية إلى الجلوس والحوار معه بشأن التخلي عن برنامجهم النووي، وسبق أن عبَّر ترامب عن استعداده للقاء زعماء إيران، وجدد ذلك النداء في حديثه مع الصحفيين.
«ما ينبغي لهم فعله هو أن يتصلوا بي ونجلس. بوسعنا التوصل إلى اتفاق.. اتفاق عادل. كل ما نريده منهم ألا يمتلكوا أسلحة نووية. وهذا ليس بالطلب الكبير. وسنساعدهم في العودة إلى وضع أفضل». وأضاف: «يجب أن يتصلوا. إذا فعلوا ذلك فسنكون منفتحين على الحديث معهم».
ماذا عن رد الفعل الإيراني؟
إيران من جانبها تواصل تحدي واشنطن وترى الحشد العسكري الأمريكي في الخليج محاولة لتخويفها وإعادتها إلى طاولة المفاوضات تحت الضغط، وهذا ما جاء على لسان نائب القائد العام للحرس الثوري للشؤون السياسية يد الله جواني اليوم الجمعة.
وفي تعليقه على مقترح ترامب للتفاوض مع طهران، أكد جواني أنه لن تكون هناك مفاوضات مع واشنطن، فإيران لن تخضع للمفاوضات تحت الضغوط، مضيفاً أن هناك إجماعاً داخل إيران على اتباع استراتيجية الصمود في مواجهة الضغوط الأمريكية، بحسب موقع روسيا اليوم.
المعنى نفسه أكده رئيس وزراء قطر السابق حمد بن جاسم في تغريدة عبر تويتر، قال فيها إن الهدف من هذا التصعيد هو «إعادة الاتفاق النووي إلى مائدة المفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران في المقام الأول»، منتقداً «بعض دول مجلس التعاون الخليجي» التي تراودها «أحلام إلحاق هزيمة عسكرية بإيران».
التصعيد الراهن في منطقه الخليج، الذي تدعمه بعض دول مجلس التعاون الخليجي، لن يؤدي، كما أرى، إلى نشوب صدام عسكري واسع مع إيران، بل الهدف منه هو إعادة الاتفاق النووي إلى مائدة المفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران في المقام الأول.
الواضح إذن أن الهدف الرئيسي لدى كل من واشنطن وطهران على الأرجح هو العودة لطاولة المفاوضات بشأن الاتفاق النووي، ولكن كل منهما يريد أن يضمن موقعاً أفضل حول الطاولة، لكن تظل نتائج سياسة حافة الهاوية غير مضمونة مهما كانت درجات ضبط النفس، ولا ننسَ الأطراف الأخرى التي لها مصلحة مباشرة في الصراع الحالي كإسرائيل ودول الخليج وروسيا والصين وتركيا التي حُرمت من النفط الإيراني.
اضف تعليقا