العدسة – باسم الشجاعي
قرار الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” إعلان مدينة القدس عاصمة لدولة إسرائيل، كان بمثابة ضوء أخضر للصهاينة للإسراع في عملية التهويد للمدينة المحتلة، وإلغاء معالم المدينة العربية والإسلامية، فبعد أقل من شهر من قرار “ترامب”، صدق الكنيست الإسرائيلي (البرلمان)، “الثلاثاء” 2 ديسمبر، بالقراءتين الثانية والثالثة، على قانون “القدس الموحدة” الذي يمنع أي حكومة إسرائيلية من التفاوض على أي جزء من القدس إلا بعد موافقة غالبية نيابية استثنائية لا تقل عن ثمانين عضوا من أصل 120 (أي ثلثي أعضاء الكنيست)، وقد أيد القانون 64 نائبا مقابل 52 نائبا صوتوا ضده بعد جلسة نقاش استمرت عدة ساعات بشأنه.
ولكن هذا القانون الإسرائيلي الجديد، يمكن للفلسطينيين أن يستغلوه لصالحهم، في الفترة المقبلة، كما حدث مع إعلان “ترامب”، وخاصة في ظل الزخم الذي تشهد القضية الفلسطنية عالميا، ولكن يتطلب الأمر منهم طي صفحة الماضي بين حركتي “فتح” و”حماس”، مما يجعلهما يقفان أمام موقف تاريخي قد يغير مسير القضية بأكلمها.
هل يسمح “ترامب”؟
الموقف الفلسطيني الداخلي مهم أيضا في المعركة السياسية المقبلة، وخاصة أنه لم يكن توقيت تصديق البرلمان الإسرائيلي على القانون محل صدفة على الإطلاق، حيث إن “ترامب” استبقه بتهديد، عبر تغريدة له على “تويتر”، بقطع المعونات المالية للفلسطينيين، متهما إياهم بأنهم “لم يقدّروا هذه المساعدات”.
ويبدوا أن “ترامب” و”الكنسيت”، تعمدا العمل سويا لفتح العديد من الجبهات أمام الفلسطينيين الذين يخطون نحو المصالحة التي أزعجتهما، فالأول قال: إن “واشنطن تعطي الفلسطينيين مئات الملايين من الدولارات سنويا، ولا تنال أي تقدير أو احترام، هم (الفلسطينيون) لا يريدون حتى التفاوض على اتفاقية سلام طال تأخرها مع إسرائيل”.
شوزعم “ترامب” أن الولايات المتحدة جنبت مدينة القدس “الجزء الأصعب” من جدول أعمال المفاوضات، مهددا الفلسطينيين: “لكن عندما لا يرغب الفلسطينيون في المشاركة بمفاوضات السلام، فلماذا ندفع مبالغ ضخمة لهم في المستقبل؟”.
بدورها، اعتبرت “حركة المقاومة الإسلامية” (حماس)، “الأربعاء” 3 يناير، تهديدات “ترامب”، “ابتزازا سياسيا”.
وقال “فوزي برهوم”، الناطق الإعلامي باسم الحركة: إن “ذلك التهديد يعكس السلوك الأمريكي الهمجي وغير الأخلاقي في التعامل مع عدالة القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني”، وفق بيان له.
توقيع “ترامب” على قرار القدس
أسباب دعم “ترامب” لـ”إسرائيل”
دعم “ترامب” لدولة الاحتلال الإسرائيلي، ليس من منطلق عقائدي أو فكري لدى الرئيس الأمريكي “دونالود ترامب”، ولكن إذا عرف السبب بطل العجب، فوفقا لصحيفة “نيويورك تايمز” فإن “أديلسون”، الملياردير، وصاحب الكازينوهات، والمغدق على الجمهوريين من جيبه مبلغا وصل إلى عشرين مليون دولار للجنة العمل السياسي، التي دعمت حملة “ترامب” الانتخابية، والذي جلس إلى جانب صديق قديم “مورتن كلين”، وهو رئيس المنظمة الصهيونية في أميركا، ومن المتشددين الصقور في دعم إسرائيل للحديث عن أن نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس يعد أولوية رئيسية.
فـ”ترامب”، كان قد طلب خلال حملته الانتخابية مساعدات مالية من “أديلسون”، حتى جاء شهر مارس/آذار2016، حيث سعى “ترامب” لتوثيق علاقاته مع أصحاب المال من اليهود والمسيحيين الأصوليين، وانبرى أمام لجنة الشؤون العامة الإسرائيلية الأميركية “إيباك”، يدافع عن الدولة العبرية، وقطع وعدا بنقل السفارة من تل أبيب إلى القدس، العاصمة الأبدية للشعب اليهودي، بحسب وصفه، في خطاب رنان أقنع بكلامه “أديلسون” حصل على عشرين مليون دولار للجنة المعنية بحملته الانتخابية، إضافة إلى مليون ونصف المليون دولار، دفعت للجنة التي نظمت مؤتمر الحزب الجمهوري.
ما هو قانون “القدس الموحدة”
القانون، بحسب خبراء، يهدف إلى عزل وفصل الأحياء ذات الأغلبية الفلسطينية إلى سلطة بلدية منفصلة تابعة للاحتلال؛ حيث ينص على أن أي تغيير في وضع القدس أو قرار تسليم الأراضي من المدينة للفلسطينيين كجزء من اتفاق سياسي في المستقبل يتطلب موافقة أغلبية خاصة، من 80 عضوا في الكنيست، وليس الأغلبية العادية.
ومع ذلك، يمكن إلغاء هذا المشروع بأغلبية 61 من أعضاء الكنيست، وقد بادر للقانون رئيس حزب “البيت اليهودي”، الوزير “نفتالي بينيت”، وقدمته رئيسة الكتلة عضو الكنيست شولي معلم رفائيلي.
وقبل ساعات فقط من التصويت على قانون “القدس الموحدة”، أدى الضغط السياسي إلى تغيير جذري في صياغة مشروع القانون؛ حيث ألغي البند الذي ينص على السماح بتقسيم المدينة، ونقل وعزل الأحياء الفلسطينية من بلدية الاحتلال إلى سلطة بلدية جديدة تخضع لما تسمى “السيادة الإسرائيلية”.
وتشمل هذه الأحياء والمخيمات، مخيم شعفاط وكفر عقب، الموجودين على الجانب الآخر من الجدار العنصري الفاصل، ولكن ضمن سيطرة لبلدية الاحتلال، وذلك بعد أن كان بالمقترح الأصلي تسليمها للسلطة الفلسطينية.
البند الذي تم حذفه وشطبه، قدمه الوزير “زئيف إلكين”، الذي عارض القانون في النسخة الأصلية.
وكان “إلكين” مدعوما من قبل رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، وكجزء من الاتفاق وهذا الدعم، أجرى تغييرات، إلا أنها أعادت فتح النقاش حول ما يسمى “القدس الكبرى”.
ولكن بسبب الضغط السياسي من حزب “البيت اليهودي” والليكود، اضطر “إلكين”، الذي يشغل ما يسمى منصب وزير شؤون القدس، إلى التخلي عن البند، وعلى الرغم من إلغاء هذا القسم، فإن التغييرات البلدية في المدينة يمكن أن تتم الآن بأغلبية بسيطة، وليس بأغلبية 61 عضوا بالكنيست.
واقع استيطاني جديد
هذا المشروع يرى فيه الفلسطينيون، أنه “يعزز ويقوي مشروع قانون فصل أحياء مقدسية تقع خلف جدار الفصل العنصري، ويمهد لسلطات الاحتلال فصل تلك الأحياء عن منطقة نفوذ بلديتها في المدينة من دون أن يتخلى عنها قطعيًّا”، وفق تصريحات مدير دائرة الخرائط في بيت الشرق، “خليل تفكجي”.
وقد أجرت “إسرائيل” منذ احتلالها للمدينة المقدسة تغييرات كثيرة في طبيعة المدينة وتركيبتها السكانية، فصادرت أكثر من 18 ألف دونم (وحدة قياس لمساحة الأرض، وتختلف مساحتها من مكان لآخر)، وأقامت تسع عشرة مستوطنة تزيد مساحاتها على 13 ألف دونم، تضم حوالي 57 ألف وحدة سكنية، ويقيم فيها أكثر من 152 ألف مستوطن، وفق رصد لموقع “الجزيرة نت”.
مستوطنات “الإحتلال الصهيوني”
فرصة لمحاصرة “إسرائيل” دوليا
مساعي “ترامب”، لتمهيد الطريق أمام دولة الاحتلال الإسرائيلي للسيطرة على مدينة القدس، يمكن أن تأتي بنتائج عكسية، وتعطي القضية الفلسطينية زخما دوليا جديدا، أسوةً بما حدث في إعلان 6 ديسمبر للرئيس الأمريكي، هذا ما أكده أستاذ العلوم السياسة في جامعة بيرزيت “جهاد حرب”، في تصريحات له.
ويرى “حرب” أن الخيارات الفلسطينية لمواجهة إسرائيل “متعددة”، لكنها بحاجة إلى “جرأة في اتخاذها”، كالذهاب إلى مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة للحصول على دولة كامل العضوية، والذهاب لمحكمة العدل الدولية والجنائية الدولية، وتفعيل المقاومة الشعبية، والتخلي عن اتفاق أوسلو (الفلسطيني الإسرائيلي).
المصالحة الفلسطينية في “القاهرة”
“حماس” و”فتح” في مواجهة الاختبار الأصعب
تصويت الكنيست الإسرائيلي (مجلس النواب) على قانون “القدس الموحدة”، يتوجب على القيادة الفلسطينية اتخاذ مواقف “ترتقي للحدث”، وذلك أولا، من خلال ترتيب البيت من الداخل، وطي صفحة الخلافات بين حركتي “فتح” و”حماس”، والانتهاء من ملف المصالحة في أقرب وقت، للقدرة على مواجهة مثل هذه القرارات، خاصة وأن بيان الرئاسة الفلسطينية، الذي صدر “الثلاثاء”، أكد أن التصويت على قانون “القدس الموحدة”، يشير بوضوح إلى أن “إسرائيل” أعلنت رسميا نهاية ما يسمى “العملية السياسية”، وبدأت في الواقع العمل على فرض سياسة الإملاءات والأمر الواقع.
ويبدو أن الأمور تسير في هذا الطريق؛ حيث قال أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية “صائب عريقات”، إنه تم دعوة حركتي “حماس” و”الجهاد الإسلامي” لحضور اجتماع المجلس المركزي للمنظمة، وذلك لمواجهة القرار الأمريكي، بإزالة أسباب الانقسام وتحقيق المصالحة، خاصة وأن هناك تأييدا عربيا ودوليا كاملا لنا”، وذلك وفق ما صرح به في حديثه لقناة “الجزيرة” الفضائية.
اضف تعليقا