العدسة_منصور عطية
لم تهدأ بعدُ العاصفةُ التي خلفها إعلان الفريق أحمد شفيق، رئيس وزراء مصر السابق، انسحابه من سباق انتخابات الرئاسة المقررة مارس المقبل، حتى هبت عاصفة أخرى كان بطلها الفريق سامي عنان، رئيس أركان حرب القوات المسلحة الأسبق.
حزب “مصر العروبة الديمقراطي” الذي أسسه “عنان” في 2015، أعلن ترشيح “عنان” لخوض انتخابات الرئاسة باسم الحزب، بعد اجتماع الهيئة العليا، وقال الأمين العام للحزب “سامي بلح”، إن “عنان” وافق على قرار الهيئة العليا للحزب بتزكيته للترشح في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
وأضاف في تصريحات صحفية أنه من المقرر أن تبدأ السبت المقبل حملة “عنان” في جمع توكيلات من المواطنين لخوض الانتخابات.
وتداولت وسائل التواصل الاجتماعي منشورًا في صفحة على موقع “فيسبوك” منسوبة لسامي عنان، تضمن بيانًا للشعب المصري بإعلان من اجتماع الهيئة العليا لحزب مصر العروبة الديمقراطي، مساء الخميس،
بترشيح سامي عنان زعيم الحزب، مرشحًا عنه في الانتخابات الرئاسية.
قبلة الحياة!
وبطبيعة الحال لا يمكن الجزم بترشيح “عنان” من عدمه إلا بتصريح رسمي منه شخصيًّا، الأمر الذي يفتح الباب أمام التكهنات بشأن تأرجح الموقف الحقيقي له.
الافتراض الأول يشير إلى أن ترشح “عنان” للانتخابات حقيقة، وليس كما يتردد في بعض الأوساط تمثيلية، وعليه فإن هذا الموقف ربما يشكل تغيرًا مهمًّا في المشهد السياسي المصري الخاص بانتخابات الرئاسة.
وقد يتكفل وجود اسم الفريق “عنان” ضمن المرشحين بأن يحول ما يمكن أن نطلق عليه مجرد “استفتاء” على إعادة انتخابات الرئيس عبدالفتاح السيسي، إلى منافسة حقيقة متوازنة وانتخابات بكل ما تعنيه الكلمة.
سامي عنان
ففضلًا عن النفوذ القوي الذي يتمتع به الرجل في أوساط الجيش، نتيجة شغله موقع رئاسة الأركان على مدار 7 سنوات (2005 إلى 2012)، فإن حالة الزخم الشعبي الذي كان يتمتع به شفيق سوف ينتقل لا محالة لـ”عنان”.
الرجلان يمثلان عنوانًا واحدًا لجيل من العسكريين المحسوبين على نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك، وبالتالي، يتمكن “عنان” من الاستفادة بنفوذ ما يسميه المحللون دولة مبارك، سواء في مؤسسات وأجهزة الدولة الأمنية والإدارية، أو حتى بين رجال الأعمال وفي أوساط عامة الشعب.
كما يمكن أن يستفيد “عنان” من حالة الاستقطاب والصراع التي تعيشها أجهزة الدولة الأمنية والعسكرية، خاصة في الفترة الحالية المتزامنة مع الكشف عن تسريبات لمكالمات هاتفية بين ضابط مخابرات حربية وإعلاميين مصريين بغرض توجيههم.
وتبقى مسألة التواصل مع جماعة الإخوان المسلمين حيوية مع “عنان” حتى أكثر من شفيق نفسه، ولعل المصالح المتبادلة بين الطرفين ترجح أن يعمد “عنان” إلى تواصل وتنسيق أكبر مع الجماعة في المرحلة المقبلة.
الإخوان تطمح إلى تغيير الوضع الحالي والخروج من كبوة ومأزق شديد، سببته الحرب التي أعلنها السيسي على الجماعة، في أعقاب الإطاحة بالرئيس الأسبق محمد مرسي في يوليو 2013.
أما “عنان” فيرغب أن يفتح صفحة جديدة مع الجماعة مستفيدًا بما يمكن أن توفره له من زخم شعبي قد يرجح كفته.
شبح شفيق يطل برأسه
السيناريو الذي يفترض أن الفريق “عنان” سوف يترشح فعليًّا في الانتخابات، لا يخلو من توقعات بأن يسير على غرار سابقه أحمد شفيق، الذي تراجع عن خوض المعركة الانتخابية وسط ما أثير بشأن تعرضه لضغوط وتهديدات من قبل السيسي دفعته للتراجع.
وبالمنطق ذاته، فإن الأمر قد يبدأ بموجة عالية من الهجوم والتشويه قد يتعرض لها “عنان”، من قبل وسائل الإعلام التي تسيطر عليها السلطة، مصحوبة بحملة أخرى تتبناها تلك المؤسسات والأجهزة الخاضعة لسيطرة السيسي ونظامه.
بيان أحمد شفيق بالتراجع عن الانتخابات
التلويح بإخراج ملفات قديمة وحساسة قد تعرض سامي “عنان” لملاحقات قضائية، تظل ورقة رابحة بيد السيسي لإثناء الرجل عن المنافسة، في ظل تبعية كاملة وهيمنة فرضتها السلطة التنفيذية على القضائية.
أدراج مكتب النائب العام تحوي بلاغات عدة تشكل تهديدًا قويًّا ضد طموحات “عنان” الرئاسية، ففي أعقاب إطاحة مرسي به من رئاسة أركان الجيش، في سبتمبر 2012، أحال النائب العام حينها، عبدالمجيد محمود، 30 بلاغًا ضد “عنان” والمشير حسين طنطاوي وزير الدفاع الأسبق، بتهمة قتل المتظاهرين، إلى القضاء العسكري.
وفي الشهر ذاته أحال النائب العام، بلاغًا يتهم “عنان” بالكسب غير المشروع، والحصول على قطعتي أرض بالمخالفة للقانون في عام 2010.
هذه البلاغات قد تؤول بـ”عنان” إلى تكرار موقفه السابق عام 2014، حينما أعلن تراجعه عن خوض انتخابات الرئاسة أمام السيسي، بعد أن أعلن مسبقًا نيته الترشح فيها.
بعيدًا عن العصا، تبقى “الجزرة” المتمثلة في إمكانية إغراء “عنان” بمكاسب وامتيازات مالية مقابل ابتعاده عن المشهد، أو حتى ضمان أن يكون له دور في المرحلة المقبلة، ربما بمنصب سياسي ما في السلطة.
مجرد تمثيلية!
في المقابل فإن كثيرين لم يستبعدوا فرضية أن يكون الحديث عن ترشح “عنان” في انتخابات الرئاسة مجرد فرقعة إعلامية لا أساس لها من الصحة، مستندين إلى أنه لم يعلن ذلك بشكل شخصي، رغم أن السباق بدأ بالفعل بإعلان الهيئة الوطنية للانتخابات قبل أيام الجدول الزمني للعملية الانتخابية، والذي يبدأ بعد أسبوع واحد بتلقي طلبات الترشيح.
ويعزز هذا السياريو ما يتردد بين الحين والآخر عن الحالة الصحية والنفسية للرجل السبعيني، وهو ما كان مثار كلمات مؤثرة أدلى بها المشير طنطاوي رفيق “عنان” في مختلف مراحل حياته.
“طنطاوي” رد- خلال جولته الشهيرة بميدان التحرير في نوفمبر قبل الماضي- على سؤال مواطن عن “عنان” بقوله: ““عنان” في بيته بقى.. كبر”.
ورغم حالة الصراع بين أجهزة الدولة الأمنية، التي باتت أمرًا محسومًا في كل الأوساط، إلى حد اعتبار ترشح “عنان” أحد تجلياتها، فإن الجزم بسيطرة السيسي على مقاليد الأمور، سواء داخل الجيش أو جهاز المخابرات العامة، يبقى متمتعًا بشيء من المنطق والواقع.
وعلى العكس من هذا الصراع، يرى آخرون أن “عنان” في خندق واحد مع السيسي، وأنه لا خلاف بين جميع أبناء المؤسسة العسكرية على ضرورة أن يكمل السيسي تصدر المشهد، هؤلاء يذهبون إلى أن الإعلان عن ترشح “عنان” ليس إلا مخططا من صناعة السيسي نفسه، إلى درجة أن استمرار “عنان” في السباق يأتي باتفاق مع السيسي؛ حتى تخرج الانتخابات بصورة تنافسية لائقة تدحض الاتهامات التي تلاحقها بأنها مجرد استفتاء.
اضف تعليقا