العدسة _ منصور عطية

لا يزال الغموض يكتنف مصير اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر قائد القوات المنبثقة عن برلمان طبرق، لكن يبدو أن حالة من الإجماع تسود الأوساط الليبية والإقليمية والدولية على أن الرجل لا مكان له في مستقبل البلاد، إما لوفاته أو مرضه الذي لن يسمح له بممارسة مهام عمله.

وبقدر ما تزيد فرص غياب “حفتر” عن المشهد، تزداد حظوظ سيف الإسلام نجل العقيد الليبي الراحل معمر القذافي في أن يكون له دور كبير بالعملية السياسية، حتى بغض النظر عن غياب “حفتر” من عدمه، فهل يكون نجل القذافي هو رجل مصر والإمارات الجديد في ليبيا، التي تتقاسمان النفوذ فيها؟.

غموض مصير حفتر وارتباك خليفته

لم تكن الحليفتان مصر والإمارات لتفوتا الجدل القائم بشأن صحة رجلهما الأول “حفتر”، حيث أكد مصدر رفيع المستوى من المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني أن تنسيقًا بينهما بدأ بالفعل لتفادي انهيار ما يسمى بـ”عملية الكرامة” في شرق ليبيا، بالتزامن مع مرض “حفتر” ودخوله أحد مستشفيات باريس، جراء إصابته بنزيف دماغي.

وقال المصدر، بحسب تقارير إعلامية، إن هذا التنسيق يقوده من الإمارات الشيخ “طحنون بن زايد آل نهيان” ومن مصر “محمود حجازي” مدير المخابرات المصرية، رئيس أركان الجيش السابق، الرئيس الحالي للجنة الوطنية المصرية المعنية بليبيا.

وأضاف أن هناك رغبة مصرية إماراتية في ترشيح أحد 3 أشخاص لخلافة “حفتر” في منصب “القائد العام للجيش”، أحدهم من أبناء عمومة “حفتر” وأحد أهم مساعديه، وهو اللواء “عون الفرجاني”.

أما الشخصان الآخران فهما الرائد “خالد خليفة حفتر” الذي يقود إحدى أكبر الكتائب العسكرية في قوات والده، والآخر هو اللواء “عبدالسلام الحاسي” الذي يشغل منصب قائد غرفة العمليات العسكرية لعملية الكرامة.

وأوضح المصدر نفسه أن الإمارات ومصر ترفضان أن يحل رئيس أركان قوات “حفتر” اللواء “عبد الرزاق الناظوري” محل “حفتر”، إذ يعتقد الإماراتيون أنه محسوب على رئيس مجلس النواب “عقيلة صالح”، الذي أكد لمقربين منه أن “الناظوري” هو المعني بتسيير العمليات العسكرية حاليًا.

وقال المصدر -نقلًا عما سماها “أجهزة مخابرات دولية”- إنها أبلغت مصادر مسؤولة في المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني -عبر وسطاء- أن “حفتر” في حالة صحية حرجة لن تسمح له بالعودة للعمل من جديد في منصبه، لأنه يعاني منذ فترة من سرطان في الغدة الدرقية وكان يتردد على الأردن للعلاج، وأصيب مؤخرًا بجلطة دماغية وصعوبة في التنفس.

يذكر أن المتحدث باسم “الجيش الوطني الليبي” أحمد المسماري كان قال قبل ثلاثة أيام إن “حفتر” (75 عامًا) يتلقى العلاج في باريس، بعد شعوره بوعكة صحية أثناء جولة خارجية له، متوقعًا أن يعود إلى ليبيا خلال أيام.

وتضاربت بشأن وفاة “حفتر”، حيث أعلنت قناة ليبيا بانوراما التليفزيونية (خاصة) -نقلًا عن مصدر لم تسمه- وفاته، وكذلك فعلت قناة “التناصح” الليبية المعارضة.

كما نقلت وكالة “الأناضول” على موقعها الإلكتروني الخبر، في حين ذكر موقع قناة “فرانس24″، الأربعاء الماضي، أنه تم نقل “حفتر” لتلقي العلاج بفرنسا بعد فقد وعيه أثناء وجوده في العاصمة الأردنية عمان.

القذافي يظهر مجددًا

وكما هي الصورة قاتمة بالنسبة لمستقبل “حفتر”، فإنها تبدو مشرقة إلى حد كبير فيما يخص نجل القذافي، الذي بات اسمه يتردد في الأوساط الليبية كمرشح رئاسي، بعد الإعلان الرسمي عن نيته الترشح في الانتخابات المقررة هذا العام.

ودعت المحكمة الجنائية الدولية، في يونيو الماضي، إلى اعتقال نجل القذافي أو تسليم نفسه، بعد 4 أيام من إطلاق جماعة مسلحة في غرب ليبيا سراحه، منذ احتجازه عقب الثورة.

وطالبت المدعية العامة للمحكمة “فاتو بنسودا”، ليبيا ودولًا أخرى باعتقال سيف الإسلام، الذي يواجه تهمًا بارتكاب جرائم حرب خلال حكم والده للبلاد.

وكانت “كتيبة أبوبكر الصديق” في مدينة الزنتان، التابعة لقوات مجلس النواب في مدينة طبرق (شرق) بقيادة اللواء المتقاعد خليفة حفتر، أخلت سبيل سيف الإسلام، بعد نحو عامين من إصدار برلمان طبرق قانون العفو العام، الذي منح جميع المسجونين العفو عن الجرائم المرتكبة، خلال الفترة من فبراير 2011، وحتى صدوره.

لكن القذافي الابن الذي احتار الجميع في معرفة مكان إقامته منذ إطلاق سراحه، تواترت أنباء عن تواجده في العاصمة الإماراتية أبوظبي.

المغرد الإماراتي الشير “مجتهد الإمارات”، قال إن سيف الإسلام القذافي متواجد فى أبوظبي “تحت حماية الدولة”، وغرد عبر حسابه في “تويتر” يونيو الماضي، أن نجل القذافي وصل على متن طائرة عسكرية خاصة، فيما يُفرض تكتيم إعلامي على الأمر.

وأشار المغرد إلى أن مصدر المعلومات شخص مقرب من القيادي الفلسطيني “محمد رشيد” صديق القيادي الفتحاوي المفصول “محمد دحلان”، والذي يعمل مستشارًا أمنيًّا لولي عهد أبوظبي محمد بن زايد.

وبالربط بين إيواء الإمارات لنجل القذافي، وما تسعى إليه حاليًا بجانب مصر لترتيب المشهد الليبي في مرحلة ما بعد “حفتر”، يرجح أن يستعد البلدان للدفع به ليكون رجلهما في البلاد.

بطبيعة الحال، فإن القذافي لن يكون بديلًا لـ”حفتر” الذي كان له طموح سياسي، حيث يتوقع أن يكون بديل “حفتر” شخصية عسكرية من بين المرشحين سالفي الذكر، حتى إلى انتهاء عملية الكرامة أو استتباب الأمور لها.

هذا في الجانب العسكري، أما على المستوى السياسي؛ فإن نجل القذافي يبدو الأكثر حظًّا في أن يعود إلى صدارة المشهد من جديد، وربما لا تجد كلًّا من مصر والإمارات أفضل منه ليكون بمثابة الراعي لنفوذهما في البلاد، رغم التخوفات القائمة من خروجه عن نطاق السيطرة.

هل يكون رجلهما؟

وبين قدرة الرجل على قيادة المشهد المرتبك في ليبيا -نظرًا لعدة عوامل سيأتي تفصيلها لاحقًا- والتخوفات الكامنة من خروجه عن السيطرة، تبدو القاهرة وأبوظبي متأرجحة في اتخاذ قرار الاعتماد عليه من عدمه.

لاشك أن في هكذا قرار ميزات عدة بالنسبة لهما، فابن القذافي يتمتع بخبرة ربما لا تتوفر لغيره في الدراية بشؤون الحكم والبلاد نظرًا للمسؤوليات التي تولاها في حقبة والده، فضلًا عمن يمكن أن يسانده من بقايا النظام في المواقع المؤثرة.

“فرج الشريفي” الدبلوماسي السابق في نظام معمر القذافي، لفت في تصريحات صحفية إلى أن هناك أكثر من مليون ونصف ليبي خرجوا من البلاد في أعقاب الثورة، ينتظر أن يعودوا حال ترشح “سيف الإسلام”، لمناصرته وترجيح الكفة لصالحه.

كما أن الرغبة في الانتقام من الإسلاميين باعتبارهم من قادوا الثورة ضد والده وقتلوه في نهاية الأمر، تقود إلى تعزيز فرصة “سيف الإسلام” في أن يكون رجل مصر والإمارات القادم في ليبيا.

لكن الطموح السياسي له، واحتمالية تعارض مشروعه مع الرغبة المصرية الإماراتية يدفعان باتجاه معاكس قد لا تريد كل منهما أن يكون نجل القذافي رجلها.

وتبقى الأزمة الأخرى في الموقف القانوني لسيف الإسلام بصفته مطلوبًا للعدالة الدولية، الأمر الذي يمكن أن يسبب حرجًا بالغًا لمصر والإمارات إذا أعلنتا دعمهما للرجل.

غير أن الأمر يمكن التعامل معه بسياسة فرض الأمر الواقع من قبل القذافي وداعميه، بحيث يكون نسخة مكررة من الرئيس السوداني عمر البشير، الذي يحكم البلاد ويعترف الجميع بشرعية نظامه، رغم صدور مذكرة توقيف بحقه من المحكمة الجنائية الدولية منذ عام 2009 بتهمة ارتكاب جرائم حرب في إقليم دارفور غربي السودان.