العدسة – ياسين وجدي:

عوني مطيع .. امبراطور التبغ الأردني الذي كان الاسم الأبرز في هتافات المطلوبين للعدالة التي يرددها أبناء الحراك الغاضب في الأردن، ولكن بعد سقوطه في قبضة العدالة باتت الهتافات تسأل عن الأعوان وشبكات الفساد الأكبر في البلاد

الملك عبد الله أمر بكسر “ظهر الفساد” ، ولكن البعض يؤكد أن “القطط السمان” في أعلى قمم السلطة في وطن يرزح تحت أزمة اقتصادية متصاعدة وتهب عليه رياح ربيع غضب جديد فيما يبدو للمراقبين، وهو ما نرصده ونبحث في سجلات الملاحقة عن ما وراء المشهد المعقد.

مطالبات بالمزيد !

بحراسة من اسطنبول إلى العاصمة عمان ، وصل إمبراطورقضية التبغ المزور الاردني رجل الاعمال الهارب عوني مطيع في قبضة السلطات الاردنية وتم نقله للسجن تمهيدا لمحاكمته بعد تعاون تركي أردني ، وعلّق رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز على القاء القبض بالقول:”إن جلالة الملك عبدالله الثاني أمر بكسر ظهر الفساد، فتحرك الجميع لأداء الواجب”.

 

 

وإعتبر مطيع طوال الاشهر الماضية من أبرز رموز الفساد في الاردن ، وتطالبه  وشبكته بتهرب ضريبي وجمركي وصل إلى نحو 200 مليون دولار، لكن يعتقد بان شركات اجنبية وامريكية تحديدا متضررة جدا من نشاطاته في مجال صناعة التبغ المهرب  خصوصا بعد الاعلان عن اقامته عدة مصانع غير مرخصة تنتج السجائر المقلدة خلافا للقانون وبدون دفع الضرائب.

ويرى كثيرون أن وراء مطيع شبكة أكبر ، ومنهم النائب الأردني نبيل غيشان الذي أكد في وقت سابق أن قضية “عوني مطيع” قنبلة انفجرت في وجهة الحكومة وستكشف عن قائمة كبيرة من الفاسدين وتطيح برؤوس”، فيما يختصر عضو البرلمان الأردني السابق الدكتور أحمد الشقران نبض الشارع قائلا في تصريحات صحفية :” ما بدنا عوني مطيع .. بدنا الوزراء والنواب الذين كانوا له عبد مطيع”، في إشارة إلى وجود  طبعاً شبكة وزراء واعضاء في البرلمان ساعدت على نحو او آخر رجل الأعمال البارز الموقوف.

 

 

 

الشارع الأردني يغلي في ظل أجواء حراك يتصاعد، وبات يطالب بالمزيد من حيتان الفساد قد يكون بعضهم من كبار البرلمانيين والمسؤولين، في ظل تصريح خطير اطلقه المدير العام الأسبق لمؤسسة المواصفات والمقاييس المهندس حيدر الزبن الذي يربط بين الاطاحة به وبين كشفه حقائق مهمة في قضية تهريب وتزوير التبغ ، حيث أعلن في وقت سابق أنه قابل الرئيس الحالي للوزراء عمر الرزاز ووعده بتسليم ملفات فساد كبيرة جدا وبالوثائق، لكن الرزاز لاحقا أبلغ بأن الزبن لم يسلمه أي وثيقة أو ملف موثوق.

أعوان مطيع !

ذهبت التحليلات الأردنية إلى أهمية ألا تنقطع المطالبات بعد توقيف “عوني مطيع” بالاعلان عن شبكة الفساد ، وقالت افتتاحية موقع وكالة البوصلة البارزة في الأردن أن الفرحة بتوقيف “مطيع” فرحةً مشروطة والبسمة الأولى في طريق “الألف مطيع” الذين أصبحت مسألة محاسبتهم وكشف “شبكتهم” التي أزكمت رائحتها أنوف الأردنيين، مطلبًا شعبيًا بامتياز، مؤكدة أن “جلب مطيع” سيضع الكثير من النقاط على حروف “محاربة الفساد” التي وعد بها الدكتور عمر الرزاز إبان تسلمّه لمنصبه في لحظة حرجة وحاسمة من تاريخ الأردن في ظل أزمة اقتصادية خانقة فاقمها “ملف فساد كبير”، بحاجة لرئيس وزراء يملك الشجاعة لمواجهة “عش دبابير الفساد”، تمهيدًا لـ “كسر ظهره”، كما هي “الإرادة الملكية”.

 

 

 

 

جهة حكومية رسمية وعددًا من المتنفذين متورطون في القضية ، هكذا تقول التسريبات ، عن “أعوان مطيع”، وتقاطعت منذ الأمس في الاردن المطالب الشعبية والنيابية بضرورة الإسراع في الكشف عن شبكة “المطيعين” وهو الأمر الذي وعدت به الحكومة دون أن تفصح عن موعد أو آليات.

وفي هذا الاطار جرى توقيف 30 شخصا في الفترة الماضية ، للبحث في كيفية نجاح “مطيع” في إدخال آلات لتصنيع كميات هائلة من السجائر تحمل علامة تجارية دولية، بطريقة سرية وغير مرخّص لها، وغير مطابقة لمواصفات الحد الأدنى المعتمدة ، مع تهرب ضريبي بقيمة يقدر البعض أنها تتجاوز 100 مليون دولار، وطالت رائحة الفساد رئيس الوزراء السابق هاني الملقي الذي تجاهل القضية برمتها وغض الطرف عنها حتى تمكن “مطيع ” من الهرب قبل توقيفه، وهو ما أشارت إليه وسائل إعلام أردنية نشرت قائمة بينهم عدد من أفراد عائلة عوني مطيع ووزراء ونواب  ، لكن الحكومة من خلال منصتها “حقك تعرف” نفت بعد ساعات من توقيف امبراطور التبغ أن الأسماء المتداولة في القضية غير صحيحة.

النائب الأردني مصلح الطراونة  الذي كان رأس حربة بارزة في مواجهة” عوني مطيع” صرح بوضوح يشيء بقلق من التستر على أحد “أن الإطاحة بالرؤوس الكبيرة في قضية الدخان عنوان ولاية الحكومة ومصداقيتها للبدء في أي نقاش مؤكدا أن غض النظر عن الاسماء المعلنة في هذا الملف عنوان نكوص”.

الأجواء ساخنة والترقب بدأ يتصاعد مع قرار مدعي عام محكمة أمن الدولة بعد التحقيق مع المتهم وإدلائه بمنع تداول أي معلومات تتعلق بالقضية حفاظا على سرية التحقيق او التأثير عليه بشكل سلبي خاصة بعد اعلانه حصوله على معلومات وتفاصيل مهمة تتعلق بوقائع القضية وظروفها التي رأى المدعي العام أنها تحتاج للمتابعة والتوسع بالتحقيق فيها.

لا دخان بلا قطط سمان

أزمة الفساد في أقصى مراحل الخطر ، وهو ما دفع مجلس الوزراء إلى تشكيل بأكبر خلية وزارية تضمن ٧ من الوزراء متعددة الاختصاصات تضم محققين من الجمارك والمالية والتجارة والشرطة والمخابرات، يترأسها رئيس الحكومة عمر الرزاز شخصيا ، فلا دخان بلا قطط سمان كما يقول مراقبون عديدون.

الأردن عمليا يحتل المرتبة 59 بين 180 دولة في أحدث تقارير منظمة “الشفافية الدولية” حول الفساد، وتقدر احصائيات غير رسمية أن الفساد كلف الأردن 10 مليارات دينار في آخر عشر سنوات أي ما يساوي 37% من المديونية الأردنية والتي بلغت 27 مليار دينار وأصبحت تشكل 95% من الناتج المحلي الأردني متجاوزة بذلك الحد الأقصى المسموح به عالميا .

وبحسب مراقبين أردنيين فإن من أبرز مواطن الفساد في البلاد دوائر الدولة الرقابية خاصة في الجمارك ، ومؤسسات الضريبة بكافة اشكالها وقضايا التخمين للدخل وقضايا التغريم الجمركي ، والتسهيلات التي تقدم للمستثمرين تحت لافتة الاستثمار الخارجي ايضا بجانب امتيازات مجالس الادارات والحوافز التي يحصلون عليها.

 

وشهدت الاردن في العقد الأخير سقوط أسماء بارزة في قضايا فساد كبرى ، ومنها الرئيس الاسبق لجهاز المخابرات الأردنية الجنرال محمد الذهبي بتهمة تبييض وغسيل الأموال وخيانة الأمانة الوظيفية والفريق سميح البطيخي الذي شغل في وقت سابق منصب رئيس هذا الجهاز ونسبت إليه تهم تتعلق بتورطه بقضية التسهيلات المصرفية التي أدت لأزمة في عدة بنوك فيما انهار أحد هذه البنوك بسبب القضية ورجل الأعمال الأردني خالد شاهين الذي كان واحدا من ٤ أشخاص متورطين في قضية عطاء توسعة المصفاة الأردنية وهم المستشار السابق في رئاسة الوزراء محمد الرواشدة،  ومدير عام الشركة احمد الرفاعي، ورئيس مجلس إدارة المصفاة الوزير السابق عادل القضاة وإدين المتورطون بتهم  الرشوة واستغلال الوظيفة العامة .

 

ويرى محمد نواف العودات الكاتب والحقوقي الأردني إنه لا يمكن الحديث عن مكافحة الفساد في الأردن إلا بإصلاح المنظمة التشريعية المترهلة التي استطاع الفساد أن يجد بها الثغرات الحقيقية وولج من خلالها ، وذلك عبر استحداث نص في الدستور ينص على تشكيل محكمة خاصة بمحاربة جرائم الفساد تشكل بقانون خاص تكون تابعة للمجلس القضائي المدني  وإلغاء النص الدستوري الذي يشترط موافقة ثلثي أعضاء مجلس النواب حتى يتم إحالة الوزير على المحاكمة وإلغاء الاستثناء بالنص الدستوري الذي يبيح لأعضاء لسلطة التشريعية ممارسة التجارة، مؤكدا أنه قبل هذا كله سيظل الفساد سيد قراره في الأردن.