العدسة _ منصور عطية
رواية جديدة تطلقها السعودية، عن خط سير الصواريخ الباليستية التي يطلقها الحوثيون تجاه مختلف مدن المملكة، والتي وصلت مؤخرا إلى قلب العاصمة الرياض.
الاعتقاد السائد، والذي روجته الرياض منذ اندلاع الحرب في اليمن قبل 3 سنوات، أن تلك الصواريخ مصدرها إيران، العدو اللدود للمملكة، لكن هذا الاعتقاد تغير في مسعى ربما لنقل المعركة المرتقبة بين البلدين خارج حدودهما.
الضاحية الجنوبية
المتحدث باسم التحالف العربي “تركي المالكي” قال إن الصواريخ التي تُهرّب إلى اليمن “لا تبدأ رحلتها من إيران، بل من الضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية بيروت”، معقل “حزب الله”.
وأوضح خلال حوار متلفز، أن تلك الصواريخ “يتم نقلها من الضاحية الجنوبية في بيروت عبر سوريا، ثم إلى إيران، ثم يتم إرسالها عن طريق البحر بواسطة ما يسمى القارب الأم أو السفينة الأم إلى اليمن”.
وتابع “المالكي”: إن ميناء الحديدة اليمني أصبح النقطة الرئيسية لتهريب الصواريخ البالستية وغيرها من الأسلحة إلى اليمن.
وعلى الرغم من عدم منطقية الطرح الجديد للتحالف العربي بقيادة السعودية، إلا أنه يجدد الجدل الدائر حول نية الرياض نقل معركتها العسكرية المرتقبة مع طهران إلى خارج حدودهما، وتحديدًا في لبنان، حيث يوفر “حزب الله” أحد أذرع إيران وميليشياتها العسكرية القوية قاعدة جيدة لأي تحرك سعودي.
اللافت أيضًا، أن الجدل يتزامن مع تصريحات مثيرة لولي العهد السعودي الأمير محمد “بن سلمان” دعا خلالها المجتمع الدولي إلى تصعيد الضغوط على إيران، اقتصاديًّا وسياسيًّا، بغية تجنب المواجهة العسكرية المباشرة معها في منطقة الشرق الأوسط.
وقال “بن سلمان” في تصريحات صحفية، إن العقوبات من شأنها أن تسفر عن مزيد من الضغوط على النظام الحاكم في طهران، مضيفا: “علينا النجاح في مسار تجنب المواجهة العسكرية المباشرة، وإن لم ننجح فمن المحتمل أن تنشب الحرب المباشرة مع إيران خلال 10 أو 15 عامًا”.
وعلى الرغم من عدم استبعاده الحرب المباشرة مع إيران، إلا أن تصريحات “بن سلمان” تعتبر تراجعًا عن تصريحات سابقة أطلقها قبل الإطاحة بابن عمه الأمير محمد بن نايف من منصب ولي العهد.
“بن سلمان” قال في لقاء متلفز يرجع لشهر مايو الماضي: “.. لن ننتظر حتى تصبح المعركة في السعودية، بل سنعمل لكي تكون المعركة عندهم في إيران، وليس في السعودية”.
مقدمات تقود للنتيجة
وعلى الرغم من أن التوتر كان دوما السمة المميزة للعلاقات بين السعودية وإيران، إلا أن السنوات القليلة الماضية اتخذت منحى مغايرًا، وتحديدًا، منذ اندلاع الثورة السورية ودعم طهران و”حزب الله” اللبناني من ورائها لنظام بشار الأسد، فيما كانت تدعم الرياض بعض فصائل المعارضة السنية المسلحة.
ولعل الوصول للحظة الحالية من العداء بين البلدين ووقف لبنان أو “حزب الله” كقاسم مشترك بينهما كان لابد له من مقدمات تمثلت بشائرها في إعلان السعودية فبراير 2016 وقف المساعدات المقررة لتسليح الجيش اللبناني، وقدرها 3 مليارات دولار، نتيجة مواقف لبنانية مناهضة للمملكة على المنابر العربية والإقليمية والدولية، “في ظل مصادرة ما يسمى “حزب الله” لإرادة الدولة اللبنانية”.
وفي الشهر نفسه، أكدت الرياض ضلوع “حزب الله” مباشرة في الحرب بين التحالف العربي في اليمن وميليشيا الحوثي، والتخطيط لشن عمليات داخل الأراضي السعودية.
وفي أكتوبر الماضي، قال الأمين العام لحزب الله “حسن نصرالله”، إن السعودية -إلى جانب إسرائيل- تشكل “خطرًا على الأمن والسلام الإقليميين”، وذلك ردًّا منه على تغريدة لوزير الدولة السعودي لشؤون الخليج ثامر السبهان، أشاد فيها بالعقوبات الأمريكية على الحزب اللبناني، ودعا إلى تشكيل تحالف دولي ضده لتحقيق الأمن الإقليمي.
وفي 7 نوفمبر الماضي، قال وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، إن “حزب الله” هو من أطلق صاروخا باليستيا باتجاه الرياض، مشيرًا إلى أن الصاروخ إيراني الصنع، وأُطلق من منطقة في اليمن يسيطر عليها الحوثيون.
استقالة الحريري الضربة القاضية
وكانت اللحظة الحاسمة عندما أعلن رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري من قلب العاصمة السعودية الرياض استقالته من منصبه، موجهًا سيلا من الاتهامات ضد “حزب الله”، ما فتئت المملكة أن ترددها لاحقا، حتى اعتبرت الحكومة اللبنانية حكومة إعلان حرب.
في المقابل، اتهم “نصرالله” السعودية بتحريض إسرائيل على ضرب لبنان، حيث قال إن لديه “معلومات” مفادها أن “السعودية طلبت من إسرائيل ضرب لبنان”، وأضاف: “السعودية جاهزة لتقديم المليارات لإسرائيل لضرب لبنان”.
هذه الاتهامات، اتسقت مع تحليلات أمريكية حذرت من الدعم السعودي لشن حرب إسرائيلية على لبنان، مطالبة قادة الاحتلال بـ”ألا يندفعوا إلى مواجهة سابقة لأوانها بسبب مناورات حلفائهم في الرياض”.
“دانيال شابيرو” السفير الأمريكي السابق لدى إسرائيل، قال: إن “تصعيد إيران المتزايد في المنطقة، يدل بوضوح على أنها (الحرب المرتقبة) ستكون حربًا لتقليص التهديد الإيراني على حدود إسرائيل، حتى أكثر من الحرب السابقة”.
الرد السعودي على تلك الاتهامات لم يكن شافيًا مقنعًا بالنسبة لكثيرين، حيث رفض وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، نفي أو تأكيد وجود تعاون بين بلاده وإسرائيل ضد “حزب الله” في لبنان، موضحًا أنه “لا يمكنه التعليق على الشائعات”.
وعليه، تبدو الرياض هي من أشعلت وقود الحرب بشكل مفاجئ، في محاولة لجعل بيروت ساحة خلفية لتصفية حساباتها مع طهران، إثر هزائم متتالية بسوريا واليمن، في خضم صراع بين البلدين على النفوذ.
صحيفة “الجمهورية” اللبنانية، نقلت عن مصادرها، أن القيادة السعودية ممثلة بالملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي عهده قررت تولي مواجهة إيران و”حزب الله” مباشرة في لبنان، بالاتفاق مع إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
تعاظم دور “حزب الله” وإيران في لبنان وسوريا والعراق واليمن، دفع الرياض إلى أنه لا خيار أمامها سوى التحرك لمنع تحويل لبنان رسميًّا إلى جزء لا يتجزأ من المحور السوري الإيراني، بحسب المصادر.
فهل تشير الاتهامات السعودية الجديدة بتورط “حزب الله” في نقل الصواريخ للحوثيين في اليمن، إلى نية مبيتة لجعل لبنان ساحة خلفية لمواجهة عسكرية طال الحديث عنها مع إيران؟.
اضف تعليقا