منصور عطية
تطورات متلاحقة علنية وأخرى مسربة لملف التطبيع السعودي مع الاحتلال الإسرائيلي على يد ولي العهد محمد بن سلمان، وصلت إلى مراحل غير مسبوقة.
وعلى الرغم من التصريحات الرسمية التي أطلقها “بن سلمان” بشأن استعداد بلاده للتطبيع، يبقى الإعلان الرسمي عن تلك الخطوة يحتاج إلى صيغة مقبولة لدى الشعوب العربية والإسلامية، تكون بمثابة المبرر، يبدو أنه يجري تجهيزها حاليًا.
النووي مقابل التطبيع
صحيفة “هآرتس” العبرية كشفت أن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، اشترطت اعتراف دول الشرق الأوسط بإسرائيل قبل البدء ببحث نزع سلاح تل أبيب النووي.
وقالت، في تقرير لها، إن الإدارة الأمريكية وضعت هذا الشرط مع اقتراب محادثات تمهيدية لمؤتمر بشأن منع انتشار الأسلحة النووية (NPT)، والذي سيعقد في العام 2020، ويتناول فحص الأسلحة النووية ومنع انتشارها.
وكانت واشنطن قد قدمت ورقة موقف بعنوان “التقدم نحو منطقة منزوعة الأسلحة النووية”، الأسبوع الماضي، إلى اللجنة المنظمة للاجتماع، تبنت فيه إدارة “ترامب” موقف إسرائيل بالكامل.
وجاء في الورقة أن الشرق الأوسط يعاني من عدم ثقة بين الأطراف بسبب عقود من المواجهات المسلحة، وأن الجهود من أجل بناء الثقة معقدة، خاصة بسبب رفض عدة دول الاعتراف بإسرائيل كدولة سيادية..”.
وإضافة إلى ذلك، قالت الورقة إن عدم الثقة “ينبع من محاولة عدة دول الحصول على أسلحة دمار شامل من خلال خرق التزامات الرقابة على السلاح، وتعمل إيران على خرق الاستقرار في المنطقة، ودعم منظمات إرهابية، ونشر أسلحة باليستية، وقد تفاقم ذلك منذ عام 2010″.
كما تضمنت ورقة الموقف توصية تحمل دول المنطقة المسؤولية، مشددة على أن الحوار الإقليمي لا يمكن أن يكون منفصلًا عن المباحثات حول أمن المنطقة، والولايات المتحدة على قناعة بأن الدفع باتجاه منطقة خالية من السلاح النووي يجب أن يكون على أساس حوار بين الأطراف”.
وإسرائيل هي القوة النووية الوحيدة في الشرق الأوسط، وترفض التوقيع على الميثاق الدولي الخاص بالحد من انتشار الأسلحة النووية.
وعلى الرغم من عدم التصريح باسم المملكة العربية السعودية، كعقبة أمام بحث نزع سلاح إسرائيل النووي، إلا أن الحديث عن الشرق الأوسط هنا يلمح إليها باعتبارها القوة الأكبر في المنطقة التي لم تعترف إلى الآن بإسرائيل.
لماذا المبرر؟
لكن قد يرى كثيرون أن الأمير الشاب الذي حطم قيمًا وعادات ترسخت في جذور الشعب السعودي على مدار عقود في أشهر معدودة فقط، لا يحتاج إلى مبررات يُسوِّق بها أيًّا من قراراته، فلا صوت داخل المملكة يمكنه أن يعلق على القرارات إلا بالتمجيد والترحيب، ولا أحد يمكنه أن يناقشها أو حتى يسأل عن أسبابها ودوافعها.
لكن القيمة الروحية والدينية للسعودية في نفوس العرب والمسلمين حول العالم – أو ما تبقى منها – باعتبارها حاضنة الحرمين الشريفين ومهد رسالة الإسلام، تحتم على قيادة البلاد البحث عن مسوغ شرعي ومنطقي يجعل إعلان قرارها الرسمي، رغم ما جرى له من تمهيد، غير مفاجئ بل ومرحب به أيضًا.
تلك الصورة المرسومة في عقول وقلوب المسلمين، والتي شوهتها ممارسات آل سعود وأجهز “بن سلمان” على غالبيتها، يبدو محاولًا الحفاظ على ما تبقى منها حتى ولو كان يسيرًا، ولعل ما شهدته القمة العربية الأخيرة في مدينة الظهران السعودية، فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، خير دليل على ذلك.
ففي محاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه، وتجميع شتات الصورة الممزقة، وحفظ ماء الوجه، أعلن العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبدالعزيز، إطلاق اسم “قمة القدس” على أعمال القمة الـ29.
وقال في كلمات مقتضبة: “أود أن أعلن عن تسمية القمة الـ29 بقمة القدس، ليعلم القاصي والداني أن فلسطين وشعبها في وجدان العرب والمسلمين”، كما أعلن عن تبرع المملكة بمبلغ 150 مليون دولار أمريكي لبرنامج دعم الأوقاف الإسلامية في القدس، و50 مليون أخرى لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا).
بنفس النظرية السابقة، قد يتعجب كثيرون: وهل تحتاج السعودية إلى مثل هذه القرارات الرمزية؟.. وللإجابة نعود إلى مسألة الصورة الذهنية ومحاولة غسيل سمعة البلاد مما علق بها من فضائح ومواقف مخزية بشأن القدس والقضية الفلسطينية خلال الفترة الأخيرة.
وفي قضية حساسة مثل التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، تبدو الأمور بحاجة ماسة إلى مبرر منطقي وعملي يحافظ على تلك الصورة المهترئة، وهنا يبرز السلاح النووي الإسرائيلي، فربما لا تجد المملكة فرصة سانحة مثله لتسويق قرار التطبيع الرسمي وترويجه، خاصة في ظل الرفض الفلسطيني لاستئناف محادثات السلام بعد قراري “ترامب” بشأن القدس ونقل السفارة.
اقبلوا أو اصمتوا!
وربما لا يمكن الحديث عن مسألة التطبيع السعودي مع إسرائيل دون الالتفات إلى ما يبذله “بن سلمان” في هذا الاتجاه، سواء ما كان معلنًا وما هو خلف الكواليس وتسربه وسائل الإعلام تباعًا.
قبل أيام فقط، نقلت القناة العاشرة الإسرائيلية تسريبات عن لقاء جمع مؤخرًا ولي العهد السعودي ببعض رؤساء المنظمات اليهودية الرئيسية في نيويورك، وقالت إنه طالب الفلسطينيين بقبول ما يُعرض عليهم من تسويات، فيما تستعد واشنطن لتقديم خطة تندرج ضمن ما يطلق عليها “صفقة القرن”.
وذكرت القناة في تقريرها أن “بن سلمان” قال خلال اللقاء الذي عقد في 27 مارس الماضي، إن القيادة الفلسطينية فوتت العديد من الفرص خلال العقود الأربعة الماضية، ورفضت كل المقترحات التي قُدمت لها.
كما قال إن الوقت قد حان كي يقبل الفلسطينيون ما يعرض عليهم، وأن يعودوا لطاولة المفاوضات، وإلا فليصمتوا وليتوقفوا عن التذمر، وكشفت التسريبات أن “بن سلمان” وجّه خلال اللقاء انتقادات لاذعة للرئيس الفلسطيني محمود عباس.
ونقلت القناة الإسرائيلية عن “بن سلمان” قوله إن القضية الفلسطينية ليست في سلم أولويات الحكومة ولا الرأي العام في السعودية، وأن هناك قضايا أكثر إلحاحًا وأهمية كإيران.
من جهته، نقل موقع “إكسيوس” الإخباري الأمريكي، عن مصدر اطلع على فحوى الاجتماع، أن تعليقات “بن سلمان” بشأن القضية الفلسطينية أسعدت مسؤولي المنظمات اليهودية الأمريكية.
الكشف عن فحوى اللقاء السري، جاءت بعد إعلان فريد من نوعه خلال زيارة “بن سلمان” لأمريكا، حيث أكد في تصريحات مستفزة أن بلاده “تتقاسم المصالح مع إسرائيل”، وأنه “للإسرائيليين الحق في العيش بسلام على أرضهم”.
اضف تعليقا