العدسة – منصور عطية

أوضاع مضطربة تشهدها مدن وبلدات إيرانية إثر تظاهرات شعبية غاضبة احتجاجًا على الأوضاع الاقتصادية وتدخلات طهران في العديد من الأزمات الإقليمية.

التظاهرات التي لم يعلن أي تجمع سياسي مسؤوليته عن تنظيمها، تأتي في وقت تنخرط فيه إيران سياسيًا وعسكريًا في أزمات إقليمية مع دول عربية، على نحو ربما أشغل سلطاتها كثيرًا عن أوضاع داخلية تنذر بالاشتعال.

وعلى الرغم من فوز الرئيس الإيراني حسن روحاني المحسوب على التيار الإصلاحي بولاية ثانية في مايو الماضي، وسياساته الاقتصادية الناجحة إلى حد كبير، إلا أن الأزمات الداخلية التي تواجهه تبدو تحديًا كبيرًا أمامه.

 

لا غزة ولا لبنان

المواقع الإيرانية نقلت خروج مئات الإيرانيين على نحو غير مسبوق في مظاهرات، الخميس 28 ديسمبر الجاري، في “مشهد” ثاني أكبر المدن الإيرانية وصاحبة المكانة الدينية لدى الشيعة وبلدات أخرى مثل “يزد” في الجنوب و”شاهرود” في الشمال و”كاشمر” شمال شرق و”نيسابور” قرب مشهد، احتجاجًا على البطالة وغلاء الأسعار.

ومن بين الهتافات التي رددها المتظاهرون “الموت للديكتاتور”، وهي الصفة التي عادة ما تستعمل في الإشارة للمرشد الأعلى علي خامئني، و”لا غزة ولا لبنان.. حياتي لإيران”، في إشارة واضحة على تراكم الغضب الشعبي نتيجة تركيز نظام الملالي على القضايا الإقليمية بدلًا من تحسين الظروف داخل البلاد.

ونجح “روحاني” في خفض التضخم بشكل ملحوظ بعد أن كان قد وصل إلى 40% في ظل حكم سلفه محمود أحمدي نجاد، لكن الاقتصاد لا يزال يعاني من نقص الاستثمارات، ونسبة البطالة تبلغ رسميًا 12%.

لكن اللافت تركيز المتظاهرين بجانب الأوضاع الاقتصادية للبلاد، على قضية التدخلات الإيرانية في الأزمات الإقليمية على حساب الداخل المتصدع.

وامتد الذراع العسكري المتمثل في الحرس الثوري والميليشيات الشيعية التابعة لطهران ليطال العديد من الدول العربية التي تشهد أزمات طاحنة، بدءًا من دعم حزب الله في لبنان، مرورًا بحركة حماس الفلسطينية، ونظام بشار الأسد في سوريا، وصولًا إلى ميليشيات الحوثي في اليمن.

الدور الإيراني في هذه الأزمات، أشعل صراعًا محمومًا ذا نزعة طائفية بين إيران كقوة شيعية والسعودية رائدة العالم السني، والتي تتهم بجانب دول خليجية أخرى طهران بدعم أقليات شيعية في بلادهم.

 

الأحواز.. صداع عربي لفارس

ولعل الحديث عن التظاهرات التي خرجت في عدة مدن وبلدات إيرانية، يعيد إلى الأذهان قضية الأزمات الداخلية التي تعاني منها إيران وتتعمد السلطات فرض سياج من السرية حولها.

في نوفمبر الماضي شهدت مدينة لاهاي الهولندية اغتيال “أحمد مولى”، رئيس حركة النضال العربي لتحرير الأحواز (حزم)، واتهم مسؤول المكتب الإعلامي للحركة “عادل السويدي”، إيران وأتباعها بالوقوف وراء عملية اغتيال الرجل الذي تضعه السلطات الإيرانية على قوائم المطلوبين لديها منذ عام 2010.

حركة النضال العربي لتحرير الأحواز هي إحدى الحركات الأحوازية النشطة داخل الأحواز، وأنها تعرف بكفاحها المسلح ضد السلطات الإيرانية، وأعدمت إيران العشرات من قادتها وكوادرها خلال السنوات العشرة الماضية.

الحادث أعاد للواجهة قضية الأحواز المنسية، وتاريخها، تلك البقعة العربية قلبًا وقالبًا تاريخًا وجغرافية التي تخضع لاحتلال إيراني يقترب من قرن من الزمان. (تفاصيل أكثر حول أزمة الأحواز في تقرير سابق للعدسة)

 

جبهات معارضة

وقبل عام واحد من الآن، أعلن 10 مسؤولين مقربين للمرشد علي خامنئي، تأسيس تنظيم جديد على الساحة الإيرانية، أطلقوا عليه “الجبهة الشعبية لقوات الثورة الإسلامية”، عبروا فيه عن استيائهم من أوضاع بلادهم السياسية والاقتصادية.

وانتقد “محمد حسن رحيميان” في أول تصريح له كرئيس لهذا التنظيم الجديد، حكومة روحاني، لاسيما برامجه الاقتصادية قائلًا: “نظامنا التنفيذي دائما كان عاجزا عن حل مشاكل المجتمع، وبعض المسؤولين أصبحوا بعيدين عن الشعب، وتوجهوا نحو الترف وتجميع الثروة”.

يذكر أن “الجبهة الشعبية لقوات الثورة الإسلامية” هو التنظيم الثالث الموصوف بالمتشدد، الذي تأسس خلال العام الماضي في إيران، بعد تشكيل تنظيمين هما “يكتا” و”ياران انقلاب”(مناصري الثورة).

 

الحرس الثوري يأكل الاقتصاد

وتكشف المؤشرات الإحصائية في مختلف المجالات، أن إيران لا تزال تعاني وبقوة في كافة المجالات الاقتصادية، خاصة على صعيد حرية التجارة وحجم التدخل الحكومي في الاقتصاد.

تقرير متخصص ساهم في تحضيره 6 مؤسسات دولية تنشط في المجالات الاقتصادية والسياسية والثقافية والاجتماعية والأبحاث، كشف أن “إيران احتلت في عام 2012 في المجمل المرتبة 102 بين 142 بلدًا.

فمن ناحية الأمن الشخصي احتلت المرتبة 125، وفي مجال الحريات الشخصية المرتبة 125، والاستثمار الاجتماعي المرتبة 121، والاقتصاد المرتبة 70، وخلق فرص العمل المرتبة 95، والتعليم المرتبة 57، والصحة المرتبة 66، بحسب التقرير.

خبراء يعزون تردي الاقتصاد الإيراني إلى سيطرة الحرس الثوري عليه، حيث تحول إلى ذلك بدلًا من كونه أكثر المؤسسات العسكرية الإيرانية كفاءة ويد إيران الطولى للتدخل والتوسع في منطقة الشرق الأوسط وما وراءها، والقبضة الحديدية لقمع المعارضين.

“مقر خاتم الأنبياء” (الجناح الاقتصادي للحرس الثوري) يعد أكبر مقاول في إيران، حيث يضم 812 شركة في إيران وخارجها، وله أسهم كبيرة في عدد من البنوك والمصافي ومصانع السيارات والبتروكيماويات والألمنيوم والصناعات البحرية وصناعة الجرارات والصلب والحديد ومصانع الأدوية والمطاحن وشركات الحفر والصناعات الغذائية.

 

حقوق وحريات غائبة

وتعد إيران في طليعة الدول التي تواجه انتقادات حادة من قبل المجتمع الدولي والمنظمات المعنية بحقوق الإنسان، بسبب الانتهاكات الواسعة التي توثقها تلك المنظمات.

وقال المحقق التابع للأمم المتحدة “أحمد شهيد”، إن إيران أعدمت ما يقرب من 1000 سجين عام 2015، بينهم سجناء سياسيون وهو أعلى رقم في عقدين.

وأضاف في تصريحات صحفية، أن المئات من الصحفيين والمدونين والنشطاء والشخصيات المعارضة يقبعون حاليًا في سجون ومنشآت احتجاز إيرانية.

وفي أغسطس 2016 انتقدت منظمة “هيومن رايتس ووتش” تنفيذ حكم الإعدام شنقًا بحق عشرين سجينًا سنيًا في إيران، في واحدة من أكبر عمليات الإعدام الجماعية بهذا البلد، ووصفتها بأنها “وصمة عار” في سجلها الحقوقي.

وأضافت أنه “مع تنفيذ 230 حكمًا بالإعدام على الأقل منذ الأول من يناير الماضي (2016) فإن إيران تصبح مرة أخرى الدولة التي تنفذ أكبر عدد من الإعدامات في المنطقة”.

وبحسب تقرير المنظمة لعام 2014، فإن السيدات والأقليات العرقية والدينية في إيران، يتعرضون للتمييز في القانون والممارسة.

الدولة الايرانية‏، سعت كذلك إلى تشديد القوانين والقيود على الصحافة ووسائل الإعلام، وتوقيف مديري الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي.